جار التحميل...
ويُؤدّي التعرُّض المُستَمِرُّ للضَّغط النفسيّ إلى زيادة احتماليَّة الإصابة بالعديد من الأمراض، مثل: أمراض القلب، والسكتة الدماغية، بالإضافة إلى زيادة إفراز هرمونات التوتُّر في الجسم، ممّا قد يُؤثِّر سلباً في جودة الحياة بشكل عامّ، فيُلاحِظ الفرد انخفاض مُستَوَيات الطاقة لديه، وصعوبة التركيز في الأنشطة اليومية، لذا يجب أن يُولِي اهتماماً خاصّاً لإدارة الضَّغط النَّفسي والحَدّ منه، وفيما يأتي بعض التوجيهات حول كيفيَّة مُواجَهة الضغوطات النفسيَّة وتقليل تأثيرها.
في السعي نحو إدارة الضغط النفسيّ، لا بُدَّ أوَّلاً من تحديد مصادره، والأسباب الحقيقيَّة وراء حدوثه؛ فقد يَصِف أحدهم سبب الضغط الدائم الذي يمرّ به، لكنَّ السبب الحقيقيّ قد يكون مختلفاً تماماً؛ فعلى سبيل المثال، قد يقول أحدهم إنَّه يُعاني من الضغط بسبب ضغوطات العمل وكثرة المَهامّ المُوكَلة إليه، لكنَّه لو فكَّر قليلاً في عاداته وسلوكاته، لوَجَد أنَّ السبب يعود إلى تأجيله الدائم لإنجاز المَهامّ فتتراكم عليه، ممّا يُسبِّب له الضغط النفسيّ.
وعليه، فإنَّ تحديد الأسباب الظاهرية للضغط النفسيّ يُعَدّ أمراً سهلاً؛ كالتغييرات الكبيرة في الحياة، مثل التغيير في الوظيفة، أو الانتقال للعيش في مكان جديد، إلّا أنَّه -في بعض الأحيان- يصعب على الفرد تحديد السبب الحقيقي في توتُّره، أو أنَّه لا يكون مُدرِكاً تماماً لتأثير سلوكه وعاداته على مُستَوى التوتُّر، لذا يُعَدّ التوجُّه نحو تحليل العادات والسلوكات طريقة فَعّالة في تحديد السبب الحقيقي للضغط النفسيّ، وبالتالي معرفة كيفية مواجهته والتخلُّص منه.
تُعَدّ الأفكار بوصلة تُوجِّه الفرد في كيفية التعامل مع الضغوطات النفسية؛ فهي ليست مُجرَّد أفكار عابرة، بل قُوَّة مُؤثِّرة تُحدِّد حالته العاطفيَّة والنفسيَّة، فعندما يمرّ الفرد بضغوطات مُعيَّنة، تكون لديه القدرة على اختيار كيفية الاستجابة لها؛ بتشكيل الأفكار التي تُسيطر على تفكيره، وبتغيير الأفكار السلبيَّة، وتبنّي النظرة الإيجابيَّة، يفتح الفرد أمامه آفاقاً جديدة للتعامل مع الضغوطات بثقة وقوَّة، وهنا يكمن جوهر العلاج المعرفيّ السلوكيّ الذي يُمكِّن الفرد من تحليل أفكاره، وتغييرها بفعاليَّة؛ ليعيش حياة أكثر توازُناً وسعادة.
وتعني عملية صياغة الأفكار تبعاً للعلاج المعرفي السلوكي تحويل الأفكار السلبيّة أو المُخيفة إلى أفكار أكثر توازناً وواقعيّة؛ فعلى سبيل المثال، عند الانتقال إلى وظيفة جديدة، قد تُسيطر أفكار تشاؤُمِيّة على الفرد بأنَّه لن يستطيع التأقلُم مع بيئة العمل الجديدة، وسيحتاج إلى وقت طويل ليُثبت نفسه، إلاّ أنّ التفكير بإيجابيَّة بدلاً من هذه الأفكار التشاؤمية سيُساعد على تقليل شعوره بالضغط؛ كأن يقول لنفسه إنَّ الخروج من منطقة الراحة سيُزوِّده بخبرات ومهارات جديدة.
ولا بُدّ من التنويه هنا إلى أهمِّية وضع توقُّعات واقعية للنفس وللمواقف؛ فوضع توقُّعات غير واقعيَّة يمكن أن يؤدّي إلى الشعور بالإحباط واليأس عند عدم تحقُّقها، أمّا ما يتعلَّق بالأمور التي لا يمكن السيطرة عليها، فإنَّ التقبُّل يؤدّي دوراً مُهِمّاً في تقليل التوتُّر والضَّغط النَّفسي، إذ بدلاً من القلق والتوتُّر بشأنها، على الفرد أن يتقبَّل واقع هذه الأمور كما هي دون مُقاوَمة؛ فالرضا والتقبُّل يُحقِّقان التّوازن النفسي والسَّلام الداخلي.
تُمثِّل تقنية التنفُّس أداةً فَعّالةً لتخفيف مستوى الضغط والقلق في الحياة اليوميّة؛ إذ تساعد على تشتيت الانتباه عن الأفكار المُقلقة والضغوطات اليومية، والجميل في هذه التقنية هو بساطتها وقابليتها للتطبيق في أيّ وقت وفي أيّ مكان، وبمُجرَّد تعلّم طريقة التنفُّس الصحيحة، يمكن استخدامها في أيّ موقف؛ فهي تساعد على تهدئة الجسم والعقل بسرعة، ممّا يُمكِّن الفرد من استعادة التوازن الداخليّ والسكينة في غضون دقائق قليلة.
ولمُمارَسة تقنية التنفُّس بفاعلية، ينبغي أوّلاً البحث عن مكان هادئ ومريح بعيداً عن أيّ مصادر للتشتُّت أو الإزعاج، والجلوس فيه باستقامة واسترخاء قدر الإمكان، مع إمكانيَّة وضع اليدَين على الفخذَين؛ للمساعدة في الحفاظ على استقامة الظهر، ويمكن غلق العينَين ببطء، أو تركهما مفتوحَتَين مع توجيه النظر نحو نقطة ثابتة؛ لتجنُّب التشتُّت، وبعد ذلك تبدأ عملية التنفُّس ببطء وعُمق؛ من خلال الأنف لملء الرئتين بالهواء بشكل كامل، مع التركيز على الشعور بتدفُّق الهواء داخل الجسم، وعند الشعور بأنَّ الرئتَين امتلأتا بالهواء بشكل كامل، يجب الاحتفاظ بالهواء فيهما لثوانٍ قليلة؛ لأنّ هذا يُعدُّ فرصة للتركيز والتأمُّل، ثمّ يجري إفراغ الهواء ببطء من الرئتين؛ من خلال الفم، مع التركيز على الشعور بالاسترخاء؛ للتخلُّص من التوتُّر تدريجيّاً مع كلّ نَفَس.
ويُنصَح بتكرار هذه الطريقة أكثر من مرَّة ولعِدَّة دقائق، مع المحافظة على التركيز، وتجاهل الأفكار المُشتِّتة التي تخطر في الذهن؛ فهذا يساعد على تعزيز الاسترخاء العميق والهدوء الداخلي.
يؤدّي النَّوم دوراً حَيَويّاً في تخفيف حِدَّة الضغط النفسي، والتحسين العامّ للصحَّة العقلية والعاطفية؛ فعندما يكون الشخص مُتعَباً أو يُعاني من مشكلات في النوم، يمكن أن يزداد لديه مستوى التوتُّر النفسيّ والقلق؛ لأنّ النوم الجيِّد يمنح الجسم والعقل الفرصة للاسترخاء بعد يوم طويل ومليء بالتحدِّيات، كما يُؤثِّر في الذاكرة والانتباه واتِّخاذ القرارات، وعندما يكون الشخص نَشِطاً نهاراً ويحصل على قدر كافٍ من النوم في الليل، يكون أكثر قدرةً على التفكير بوضوح، وعلى التركيز أثناء أداء المهامّ المختلفة؛ لذا يمكن أن يكون النوم الجيّد أداةً قويّةً في مُواجَهة الضغوطات النفسية، والحفاظ على الصحَّة العقلية والعاطفية بشكل عامّ.
ومن الطُّرق الفعّالة لتحسين جودة النوم إنشاء روتين نوم مُنتَظَم؛ أي تحديد وقت مُعيَّن للذهاب إلى الفراش والاستيقاظ كلّ يوم، كما يُنصَح بتخصيص وقت للاسترخاء قبل النوم؛ للقراءة مثلاً، أو الاستماع إلى الموسيقى الهادئة، أو التمارين التنفُّسية وممارسة التأمُّل؛ لتهدئة العقل وتحسين جودة النوم.
كما يجب تجنُّب تناول المُنبِّهات قبل النوم، مثل الكافيين؛ فهو من المُسبِّبات الرئيسة للأرق، ويُنصَح أيضاً بتجنُّب استخدام الهواتف الذكيَّة والأجهزة الإلكترونية قبل النوم؛ إذ يمكن أن يتسبَّب الضوء الأزرق الصادر من هذه الأجهزة في الأرق ويُعيق النوم العميق؛ لذا فإنَّ تبنّي عادات صحِّيَّة قبل النوم يمكن أن يُحسِّن جودته، ويُعزِّز الصحَّة العامَّة والرفاهيَّة النفسيَّة.
تؤدّي التغذية الصحِّية دوراً حيويّاً في الحفاظ على الصحَّة العامَّة؛ فهي تُؤثِّر كثيراً في الجوانب الجسدية، والعقلية، والعاطفية؛ إذ يسهم النظام الغذائي الصحي في إنقاص الوزن، وتعزيز اللياقة البدنية بشكل عامّ، كما يساعد على التخفيف من حِدَّة الآثار الجانبيَّة للتوتُّر والضغوط النفسية؛ فالأطعمة الغنيَّة بالعناصر الغذائية الصحِّية تُعزِّز جهاز المناعة، وتُحسِّن المزاج، وتساعد على خفض مُستَوَيات ضغط الدم، وتُعزِّز الشعور بالحيوية والنشاط، ويجب الابتعاد عن تناول السكّر والدهون المُشبعة، لما في ذلك من تأثيرات سلبيَّة عديدة؛ إذ يزيد من مُستَويات التوتُّر والضغط النفسيّ، ويُؤثِّر سلباً في الصِّحَّة بشكل عامّ.
وللحفاظ على صحَّة جيِّدة وتوازن مُستَقِرّ، يجب الاهتمام بتناول الكربوهيدرات المُعقَّدة، والبروتينات، والأحماض الدهنية المُفيدة التي تُوجَد في الأسماك، واللحوم، والبيض، والمُكسّرات، كما يُنصَح بالحصول على مُضادّات الأكسدة التي تحمي الخلايا من الضرر الناتج عن التوتُّر المُزمِن، والموجودة في البقوليّات، والفواكه؛ كالتوت، وغيرها.
ويمكن الالتزام بنظام غذائي صحِّي؛ باتِّباع بعض النصائح البسيطة، مثل إعداد قائمة للتسوُّق والالتزام بها، وتحضير وجبات خفيفة صحِّية لتناولها في العمل، والابتعاد عن تناول الأطعمة المُصنّعة، والتفكير بوعي أثناء تناول الطعام، والتركيز على العناصر الغذائية التي تساعد على التقليل من آثار الضغط النفسي، مثل: فيتامين C، والمغنيسيوم، والأحماض الدهنية أوميغا 3، والتأكُّد من الحصول على كمِّيات كافية منها.
يُعَدّ الدعم الاجتماعيّ القويّ عاملاً مهماً في تعزيز مُقاوَمة الفرد التوتُّر والضغوط النفسية؛ فالدَّعم من الأصدقاء وأفراد العائلة، والتواصل الاجتماعي الفعّال، يساعد الشخص على تحمُّل الضغوط اليوميَّة بشكل أكبر، ويُقلِّل مُستَوَيات التوتُّر، ويُعزِّز الصحّة العقلية والعاطفية.
وعند البحث عن الدعم الاجتماعي، لا بُدَّ من الاختيار الجيِّد لمَن يجري التواصل معه عند التعرُّض للضغط النفسي؛ تبعاً لنوع الدعم المُراد الحصول عليه؛ فبعض الأصدقاء والأقارب جَيِّدون في الاستماع باهتمام وتقديم التعاطف، بينما البعض الآخر يميل إلى تقديم مساعدات عَمَلِيَّة؛ كالمساعدة في إنجاز المَهامّ اليوميَّة التي قد تكون سبباً في الضَّغط النَّفسي.
وتقديم الدعم للآخرين يمكن أن يزيد من المشاعر الإيجابيَّة، ويُقلِّل المشاعر السلبية، إلّا أنَّ من الضروريّ الحفاظ على توازن العلاقات الاجتماعية؛ إذ تعتمد العلاقات الصحِّية على تقديم الدعم والاهتمام بشكلٍ مُتبادَل؛ فعدم الحصول على الدعم المناسب في المقابل قد يزيد من مُستَوَيات التوتُّر والضغط النفسي.
وفي الختام، يُنصَح باتِّباع التوجيهات المذكورة أعلاه لإدارة الضغوط النفسية بفاعليَّة، فإن عجز الشخص عن التعامل بفاعليَّة مع هذه الضغوط، أو شعر بتفاقُم الأعراض، فعليه الحصول على المُساعَدة المهنيَّة من الخُبَراء في المجال النَّفسيّ.
المراجع
[1] apa.org, 11 healthy ways to handle life’s stressors
[2] uakron.edu, INTRODUCTION TO STRESS MANAGEMENT
[3] verywellmind.com, 18 Effective Stress Relief Strategies
[4] mentalhealth.org.uk, Stress
[5] helpguide.org, Stress Management