جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,
نحو الارتقاء بالنفس

أهمية التواضع في حياة الفرد والمجتمع

08 أغسطس 2024 / 10:20 AM
أهمية التواضع في حياة الفرد والمجتمع
download-img
التواضع جزء أصيل من الفطرة الإنسانية السليمة، وقيمة أخلاقية راسخة في الثقافة العربية والإسلامية؛ فقد حثَّ الإسلام عليه، وعدَّه وسيلة للحصول على الأجر والثواب، ويكون التواضع في القول بالكلام الطيب، واللين، وفي الفعل بعدم التعالي على الآخرين، أو النظر إليهم باستهانة، وعدم التقليل من شأن ما يفعلونه.

ومن ناحيةٍ أخرى، استحوذت هذه الفضيلة على اهتمام المُربِّين، والفلاسفة، والمُفكِّرين؛ لأهميتها الكبيرة في حياة الأفراد والمجتمع، ويُعرِّف علمُ النفس التواضع بأنَّه القدرة على رؤية المُميِّزات الشخصية دون أيّ تحيُّزٍ أو غرور، مع الوعي بالعيوب، ونقاط الضعف، دون شعورٍ بتدنّي احترام الذات، أو انعدام الثقة بالنفس؛ فالتواضع هو الإيمان بأنَّ ممارسة الأعمال الجيِّدة لا يدعو إلى التفاخر بها، ولا مُعايرة الآخرين بعدم ممارستهم إيّاها.

التواضع في حياة الفرد: صفة عظيمة تُعلي شأن صاحبها                      

التواضع من الصفات النبيلة ذات الأثر الإيجابي الكبير في حياة الفرد بجوانبها المختلفة؛ سواء على مستوى الحياة الشخصية، أو الاجتماعية، أو المهنية، وفيما يأتي توضيح ذلك:

تطوير الذات والمهارات الشخصية

قد يظنّ البعض أنّ المُتواضِع فكريّاً يفتقر إلى العلم، أو المعرفة، إلّا أنَّه -في الحقيقة- يتحلّى بالمرونة؛ للاعتراف بنقاط الضعف، ويسعى جاهداً إلى تطوير الذات والمهارات الشخصية؛ وذلك كلّه بفضل عقليَّة النمو والانفتاح التي تفسح له المجال للوقوف وجهاً لوجه أمام المسؤوليات والتحدِّيات الشخصية، واتِّخاذ خطواتٍ حقيقية؛ لتجاوزها دون مُكابَرة، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم، واحترام اقتراحاتهم وآرائهم حتى عند الاختلاف معها دون المبالغة في الدفاع عن النفس والآراء الشخصية، بينما تُعيق الغطرسة فرص النمو الشخصيّ جميعها.

تعزيز السلام النفسي وراحة البال

كلَّما قلَّ تواضع الفرد، زاد تفكيره في إخفاقاتِه، واهتمامِه بتعليقات الآخرين على تصرُّفاته، ممّا يُسبّب له الشعور بالتوتر والقلق معظم الوقت، وفي المقابل، يتمتَّع المتواضع بنظرةٍ واقعية للأمورِ، ويُدرك أنّ إرضاءَ الجميع أمرٌ مستحيل؛ فينعم بالسعادة، والراحة النفسية، والرضا عن الذات، ولا يقلق من آراء الآخرين، ولا يبذل كثيراً من الجهد والطاقة لإثبات الذات، والتباهي بالإنجازات، أو ممارسة الضغط الشديد على النفس لمنعها من الوقوع في أيّ خطأ.

 

وعلاوةً على ذلك، يُدرك المتواضع أنّه إنسانٌ عاديّ يُصيب ويُخطئ، ممّا يُتيح له مسامحة نفسه بسهولة عند ارتكاب الأخطاء، ومسامحة الآخرين أيضاً عند ارتكابهم أيّة أخطاء في حقِّه، بدلاً من الشعور بالحقد عليهم، بالإضافة إلى أنَّ التواضع يُعزِّز تقدير الشخص لوقتَه الحاضر، بدلاً من التشبُّث بشعور عدم الرضا عن الماضي؛ بإدراك أنّ الإخفاقاتِ جزءٌ طبيعي من الحياة، ومن أيّ رحلة نجاح، ممّا يزيد التركيز والوعي على ما يجب فعله؛ لمَنع تكرار الأخطاء في المُستقبل.

تعزيز احترام الذات وبناء علاقات إيجابية مع الآخرين

لا شكَّ في أنّ صفة التواضع من نقاط القوة ذات الدور المهم في تحديد هوية الفرد، ونظرة الآخرين إليه؛ لأنّها مرتبطةٌ بعددٍ من الصفات الإيجابية، مثل: احترام الذات، والنظرة الإيجابية للنفس، والشعور بالحاجة إلى اكتساب المزيد من المهارات، بالإضافة إلى أنّ لها دوراً مهماً في بناء علاقات إيجابية مع الآخرين، واكتساب احترامهم وتقديرهم؛ لأنَّه يعني قبولهم، والتسامحَ معهم، وتقديرَ ما يفعلونه، وتقديمَ المساعدة لهم، والتمتُّع بقدرٍ من التحكُّم العاطفي، والتنظيم الذاتي، والمرونة، بدلاً من الانفعال عند كلّ موقف. 

زيادة فرص النجاح والتقدّم في الحياة المهنية

لا تقتصر أهمية التواضع على الحياة الشخصية فقط، بل تُعَدّ من أهم المهارات اللازمة للنمو، والتقدُّم في الحياة المهنية، ويعتقد البعض أنَّ الموظف عندما يكون متواضعاً في عمله، فإنَّه لن يُنظَر إليه على أنَّه شخصٌ يمتلك طموحاً، أو أنَّه جديرٌ بالثقة، أو أنه يستحِقّ الترقيةَ.

وعلى الرغم من ذلك، إلّا أنّ الواقع يعكس أنَّ التواضع في بيئة العمل؛ سواءً أكان صفة للموظف أصلاً، أم صفة للمُتقدِّم إلى الوظيفة، يُوحي لرؤساء العمل بأنّه شخص يُحبّ التعلُّم، ويسعى إلى التطوُّر دائماً، ممّا يجعلهم يعتقدون أنَّه مفيد لفريق العمل كلّه؛ لأنّه يتمتَّع بإحساس كبيرٍ تجاه الآخرين، ويُقدِّرهم، ويمكنه التعاطف مع زملائه ورؤسائه عند حدوث مشكلة، ويضع ما تؤمن به قيادته، وما يحتاج إليه الفريق ضمن أولويّاته، ويتصرَّف بناءً على ذلك، بينما لا يمتلك المغرور الرؤية، والإمكانات ذاتها.

أهمية التواضع في رقي المجتمعات: مفتاحٌ للتعاون، والتكاتف، والازدهار

التواضع من القِيَم الإنسانية العظيمة التي تُسهم في بناء مجتمعات راقية ومُتقدِّمة في الجوانب جميعها، وفيما يأتي توضيح ذلك:

تعزيز العدالة الاجتماعية

التواضع صفة جوهرية في مجتمعاتنا المُتنوِّعة؛ لأنَّه يضمن الاعتراف بالاختلافات بين الثقافات، واحترامها، ويسمح بالانفتاح على وجهات النظر الجديدة؛ بالانخراط في حوارٍ هادفٍ مع أشخاصٍ من خلفيات متنوِّعة، بدلاً من التكبُّر وافتراض أفضليةِ فئةٍ مجتمعيةٍ على أخرى، وهذا كلّه يُسهم في تحقيق قدرٍ أكبرَ من العدالة الاجتماعية، والمساواة، ومحاربة القمع والتمييز ضد الآخرين، ممّا يزيد رفاهية المجتمع كلِّه.

بناء مجتمع متعاون ومتماسك 

يُسهم التواضع في بناء مجتمعٍ متعاونٍ ومتماسك بعيداً عن الصراعات والنزاعات؛ إذ يتبنّى أفراده المتواضعون ثقافة العمل الجماعي والتطوعي، والحرص على مساعدة الآخرين، والمشاركة في الأنشطة المجتمعية، بالإضافة إلى ضبط النفس، وترك الغرور، والاستجابة للمواقف الاجتماعية بتفهُّمٍ ولطف دون منافسةٍ سلبيَّة.

 

بالإضافة إلى أنَّ التواضع يُعزّز الانسجام بين الأفراد؛ فيفسح المجال للتعبير عن النفس بأريحية، وفي الوقت ذاته يتيح لمَن يتَّصِف به الاستماع إلى أفكار الآخرين، ووجهات نظرهم باهتمام، والتعامل معهم بلطفٍ، واحترامٍ متبادل، دون غرور أو انتقاداتٍ سلبيَّة؛ فالعلاقات بين الناس تزدهر عند تقبُّل الاختلافات، والإيمان العميق بأنّ الجميع يستحقّ الاحترام.

 

 

وختاماً، يُعَدّ التواضع من أسمى الصفات الإنسانية التي تُعلي شأن صاحبها، وتَقي قلبه الكِبر والغرور، وتغرس فيه المحبَّة والسلام، ويُمكن التخلُّق به باتِّباع خطواتٍ عملية بسيطة؛ كتقبُّل النقد بصدرٍ رحب، ومراجعة الذات، وتصحيح الأخطاء، بالإضافة إلى الاعتراف بقيمة الآخرين وفضلهم بالتعبير عن الامتنان لما يفعلونه ولو بكلمات شُكرٍ بسيطة، إلى جانب تقدير احتياجاتهم ومشاعرهم.

 

 

المراجع
[1] hackspirit.com, 13 reasons why humility in life is so important
[2] stenzelclinical.com, The Power of Humility: Overcoming Anxiety
[3] verywellmind.com, Why Is It Important to Stay Humble?
[4] positivepsychology.com, What Is Humility & Why Is It Important? (Incl. Examples)
[5] psychcentral.com, How Humility Strengthens Your Relationship

August 08, 2024 / 10:20 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.