جار التحميل...
العدالة الاجتماعية "Social Justice" مبدأ جوهريّ يسعى إلى تحقيق المساواة والإنصاف في المجتمع؛ بالتوزيع العادل للحقوق، والفرص، والموارد بين أفراده جميعهم، وهي تتجاوز مُجرَّد المفهوم النظري لتشمل مجموعة من الممارسات والسياسات الهادفة إلى إزالة الحواجز التي تُعيق المشاركة الكاملة لبعض الفئات في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.
وتستند العدالة الاجتماعية إلى مبادئ احترام كرامة الإنسان، وتكافؤ الفرص، والتضامن المجتمعي، وهي تسعى إلى معالجة أشكال التمييز والإقصاء القائمة على أساس العِرق، والجنس، والطبقة الاجتماعية، والدِّين، أو أيّ خصائص أخرى، وتهدف إلى ضمان الوصول العادل إلى الخدمات الأساسية؛ كالتعليم، والرعاية الصحية، والعمل اللائق لأفراد المجتمع جميعهم، وغيرها.
في ظل التحدِّيات المُتزايِدة التي تُواجِه العالَم اليوم، أصبح السعي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى، ويتطلّب هذا الهدف النبيل تضافُر جهود الحكومات والمؤسسات والأفراد، واتِّباع استراتيجيات متنوعة ومتكاملة، وفيما يأتي مجموعة من السُّبُل الفعّالة التي يمكن من خلالها المُساهَمة في تعزيز العدالة الاجتماعية:
تُشكِّل القوانين والأنظمة التي تسنُّها الحكومات حجر الأساس في بناء مجتمع عادل ومتوازن؛ فهي تُمثّل الإطار التنظيمي الذي يُحدِّد حقوق كلّ فرد في المجتمع وواجباته، وتضمن تكافؤ الفرص والمساواة، وبهذه التشريعات تسعى الدُّول إلى ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية، وحماية الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.
وتهدف القوانين والأنظمة إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية، وحلّ النزاعات بطريقة عادلة وشفّافة؛ فهي تُحدِّد الأُسُس لتوزيع الموارد على نحو عادل، وتضمن الحصول على الخدمات الأساسية، وتؤدّي دوراً حيوياً في مكافحة التمييز بأشكاله كلّها.
يُمثّل التعليم الحجر الأساس في فتح آفاق الفرص المتساوية أمام الجميع، بغضّ النظر عن خلفياتهم الاجتماعية؛ فبضمان توفير تعليم عالي الجودة للجميع، يتمكّن الأفراد من اكتساب المهارات والمعارف الضرورية؛ لتحقيق التفوّق والنجاح في مجالات شتّى؛ إذ إنّ التعليم لا يُعزّز فقط القدرات الشخصية والمهنية للأفراد، بل يُسهم أيضاً في تمكينهم من تحسين أوضاعهم المعيشية، وتحقيق طموحاتهم المستقبلية.
ويُمثّل الاستثمار في التعليم استثماراً في مستقبل المجتمع كلّه؛ إذ يدعم التنمية المستدامة، ويُؤسّس لمجتمعات أكثر عدالة وتكافُؤاً.
يُعَدّ التطوّع أحد الأساليب الفعّالة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز التكافل المجتمعي؛ فالمؤسسات والمنظمات المحلية -لا سِيّما دور الأيتام والمُسِنّين- بحاجة ماسّة إلى جهود المُتطوِّعين؛ لتلبية الطلب المتزايد على خدماتها، وحصول هذه الفئات على احتياجاتها الأساسية، وتعزيز شعورهم بأنّهم جزء من هذا المجتمع، وتخصيص وقت للمساعدة في هذه المؤسسات لا يُسهم فقط في دعم المُحتاجين، بل يعود بالنفع على المُتطوِّعين أنفسهم.
يُعَدّ نظام الضرائب التصاعُدية من الوسائل الفعّالة التي تستخدمها الحكومات لتعزيز العدالة الاجتماعية، ويعتمد هذا النظام على مبدأ أساسيّ، وهو فرض مُعدَّلات ضريبية أعلى على أصحاب الدخل المرتفع مُقارنة بذوي الدخل المنخفض، وبذلك يُسهم الأفراد الأكثر ثراءً بنسبة أكبر من دخلهم في تمويل الخدمات العامة، والبرامج الاجتماعية، وبهذا النهج تسعى الحكومة إلى إعادة توزيع الثروة على نحو أكثر عدالة في المجتمع، وهذا الأسلوب يسهم بفعالية في تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، ويُعزِّز مبدأ تكافؤ الفرص للجميع.
ويمثِّل الهدف الرئيس من هذا النظام توليد إيرادات إضافية للدولة تُوجَّه نحو تمويل البرامج الاجتماعية الهادفة إلى تحقيق التوازن في المجتمع، ودعم الفئات الأقل حظّاً، وتُستخدَم هذه الإيرادات في تمويل مجالات حيوية، مثل: التعليم، والرعاية الصحية، والإسكان المُيسَّر؛ إذ يمكن للتمويل الحكومي أن يُحدِث تأثيراً ملموساً في حياة المواطنين.
تُعَدّ برامج الرعاية الاجتماعية من الأدوات الرئيسة التي تستخدمها الحكومات لتحقيق العدالة الاجتماعية؛ إذ تهدف إلى توفير دعم شامل للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، وضمان تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وتشمل برامج الرعاية الاجتماعية مجموعة واسعة من الخدمات والمساعدات، مثل: الضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، وإعانات البطالة، والمساعدات الغذائية، ودعم الإسكان، وتسعى الحكومة عبر هذه البرامج إلى سَدّ الفجوة بين الفئات الاجتماعية المختلفة، وتوفير فرص متكافئة للجميع.
تُؤدّي المنظمات غير الربحية دوراً مِحورياً في دفع عجلة العدالة الاجتماعية، وإحداث تغيير إيجابي في المجتمع؛ فهذه المنظمات تتمتّع بتاريخ طويل وحافل في نُصرة قضايا العدالة الاجتماعية، ورفع مستوى الوعي العالَميّ بها؛ إذ من خلال استغلال مواردها، واستخدام أساليب مُبتكَرة، تنجح هذه المنظمات في تسليط الضوء على قضايا مهمة.
وتُقدِّم هذه المنظمات خدمات حيوية للمُحتاجين، وتُعزِّز الفرص التعليمية، وتدعو إلى إصلاحات في مجال الحقوق المدنية، وتطرح حلولاً حقيقية وفعّالة للمشكلات المجتمعية المختلفة، ممّا يُسهم على نحو كبير في تحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء مجتمع أكثر إنصافاً وشمولية.