جار التحميل...
ومن جهةٍ أخرى، فإنّ الفراغ يخلق تأثيرات ضارّة قد تُسيء إلى الشخص نفسه، ومن حوله عندما يفقد المسار الصحيح، وتنعدم أهدافه ولا يشعر باستقرار هويته الذاتيّة، فيميل إلى انتقادها، أو يفتقر للولاء تجاه مجتمعه أو وظيفته، فلا يُقدر قيمة ما لديه، ويتصرّف على نحو قد يسبب خسارته فتتركه نادماً.
لكن توجد عدة وسائل تُساعد على ملء الفراغ واستعادة التوازن الداخلي، فيما يأتي توضيح أهمها:
قد ينتج الفراغ بسبب مبالغة الفرد في الاعتناء بمشاعر الآخرين وإهمال نفسه وتهميشها، أو بسبب الانشغال الدائم في العمل وتوفير متطلبات الحياة على حساب ذاته، أو نتيجة مشاعر وأحداث قديمة، لكن بصماتها عميقة وأثرها خالدٌ في النفس، أو لظروف خاصة جعلته يتخلى عن رغباته وطموحاته، ويسير مع التيار، دون أن ينظر إلى بوصلته الخاصة، لكنّه يشعر من الداخل بالظلم والاستياء، في حين أن عجلة الحياة تدور، وأحلامه تُستنزف.
حينها لا بُد من التعاطف مع الذات، وحمايتها، واتخاذ موقف يُشعِر الشخص بأنّ لنفسه حقاً عليه، وأنّها تستحق الاحترام والتقدير، وأنّ أهدافه ورغباته لا يجب أن تظل مهملة، وأن لوجوده سبباً عظيماً وهو النجاح في تحقيق أحلامه وطموحاته، وأن حياته أشبه بفلم سينمائي هو نجمه الحقيقي، والبقية هم فقط شركاء في نجاحه، عندها ستتغير نظرته إلى الحياة، وسيختفي الفراغ عندما يتذوق طعم الحياة الحقيقي الذي يَكمُن في تقدير الذات والارتقاء بها وتحقيق أحلامها.
يحدث أحياناً أنّ ذكريات الماضي التي تحتضن في جعبتها جملةً من العواطف المؤلمة المرتبطة بمواقف حدثت سابقاً من وقت طويل لا تزال حاضرة بقوّة في ذهن الشخص، تلاحقه وتعصف بقلبه ومشاعره، مُخلّفةً وراءها آثاراً ضارةً تهدد استقراره الداخلي، وتجلعه مشتتاً غير قادر على تخطيها بسهولة.
لكنّ الهروب والفراغ أحياناً قد لا يكون الحل المناسب، بل المواجهة والتخلي عن آلام الماضي والمعتقدات السلبية بإرادةٍ كاملة والتعلّم من الأخطاء السابقة، ومنح المجال للنفس كي تعيش الحاضر بكل تفاصيله براحةٍ وذهنٍ صافٍ، فيصب الفرد تركيزه كاملاً على ما يمتلكه من أسباب السعادة، ومن الأهداف المستقبلية المتجددة بعدّها الغاية الوحيدة التي تستحق العناء والتفكير في كيفية تحقيقها، وليس الأشياء الأخرى المفقودة التي تعزز الشعور بالفراغ والحزن.
ليس من السهل المُضيّ قدماً وتجاهل مُسببات الفراغ، لكن يُمكن استثمار الوقت بممارسات وأنشطة جديدة ممتعة ومفيدة تختلف عن العادات اليومية والروتين الممل الذي يخلق مزيداً من الفراغ، فهذه الهوايات قد تفتح باباً واسعاً يُوصل الفرد بالعالم، ويُسهل عليه بناء علاقات جديدة وإقامتها وإيجاد نفسه، مثل التطوّع لمساعدة الآخرين، أو تعلّم لغة جديدة، أو السفر واكتشاف أمكنة جديدة والتعرّف إلى ثقافاتٍ مختلفة.
بالإضافة إلى الخروج عن السياق المألوف والممارسات المنتظمة ضمن الروتين اليومي في المنزل، مثل تجربة وصفات جديدة وإعداد وجبات لذيذة، أو تبديل الأثاث وإعادة ترتيب الديكورات المنزليّة؛ للإحساس بالتغيير الذي يكسر الملل، ويمنح شعوراً بالمتعة والتجديد.
تُمثّل العلاقات الاجتماعية الحقيقية الصادقة ترياقاً يخلص المرء من الأوجاع وبلسماً عذباً يشفي الجروح، فلا أصدق من حُبّ الوالدين والعائلة، وليس لخفة ظل الأصدقاء وعفويتهم واهتمامهم مثيلاً، فهذه العلاقات تحد من الشعور بالوحدة والعُزلة، وتستبدل حباً نقياً يخلو من أيّ مصالح أو دوافع خفيّة بمشاعر الفراغ.
وفي المقابل يُنصح بتجنب الأشخاص ذوي التأثير السلبي، كثيري الانتقاد ومحبي التنمّر أو تعمد إيذاء غيرهم وإشعارهم بالعجز لغايات المزاح والضحك، ويمكن البحث عن أصدقاء وإقامة علاقات جديدة شرط أن يكونوا مهذبين وصالحين، فيشعر الشخص بالانتماء إليهم، ويرغب في مشاركتهم الوقت والحديث معهم باستمرار وتلقي الدعم المعنوي منهم؛ للتخلّص من الفراغ المحيط به دون الشعور بالخجل أو الخوف من تغيّر نظرتهم إليه.
تُعد اليقظة الذهنيّة (Mindfulness) مهارةً فعّالةً ترتبط كثيراً بالتأمل، وهي مفيدة جدّاً للتخلّص من الشعور بالفراغ، فهي تحد من التوتر والقلق، وتُنمي الإدراك الشخصي والوعي بالأفكار والعواطف، وتعزز التركيز على قيمة اللحظة الحالية التي يعيشها الشخص، وذلك بإعادة برمجة دماغه؛ ليتجنب العوامل التي ترهقه وتُسبب له التوتر والضغط، وبالمقابل تحسين علاقاته ووسائل تواصله مع الأشخاص حوله.
بالإضافة إلى ضرورة تغيير أنماط الحياة الحاليّة واستبدالها بأنماط أكثر صحة منها الحفاظ على الغذاء المتوازن وممارسة الرياضات المختلفة كاليوغا، والعناية بالصحة الجسدية.
عندما يكون السبب وراء الشعور بالفراغ عواملَ نفسيّةً ترتبط بصدمات مفاجئة كغياب شخصٍ عزيز، أو فقدانه بسبب الموت، أو أسباباً اجتماعيّةً كالتعرّض إلى التنمّر والإساءة، أو المرور بظروف صحيّة صعبة كالمرض أو غيرها، ما يخلق مشاعر سلبيّة لا يُمكن تجاوزها، تتمثل باليأس، والألم، وانعدام الأمن، أو الاغتراب الداخلي، والميل إلى العزلة والغموض وغيره.
وفي حال تجربة الوسائل المذكورة مسبقاً دون فائدة، واستمرت مشاعر الفراغ تزداد أكثر فأكثر، وغدت كابوساً يُرهق الشخص، ويفقده لذّة الحياة، وتُهدد علاقاته مع الآخرين، حينها لا بُد من اللجوء إلى الطبيب النفسي وطلب المساعدة والالتزام بوسائل العلاج التي يُوصي بها؛ لاستعادة القيمة الذاتية والاتزان.
المراجع
[1] psychologytoday.com, 3 Ways to Overcome Feelings of Emptiness
[2] verywellmind.com, Why Do I Feel Empty Inside?
[3] wikihow.com, How to Stop Feeling Empty
[4] goodtherapy.org, I Feel Empty’: How to Overcome Feelings of Emptiness
[5].betterhelp.com, Feeling Empty? Strategies For Improved Mental Health