جار التحميل...
يُقصَد بالتفكير الذاتي (Self-Reflection) مراقبة المشاعر، والأفكار، والسلوكيات، والتجارب السابقة بهدف تقييمها بصورة عميقة ومدروسة، مما يساعد الشخص على معرفة نقاط قوته، وضعفه، وتحديد أولوياته، وبالتالي تعزيز وعيه بذاته، ويُمكن تطبيق هذا النوع من التفكير من خلال الجلوس في مكانٍ هادئ وطرح أسئلة على الذات تبدأ بـ "ما"، أو "ماذا" في مختلف جوانب الحياة.
على سبيل المثال، يُمكن سؤال الذات فيما يتعلق بالأهداف المهنية؛ "ما هي الأهداف التي أرغب بتحقيقها؟" و "ما المهارات التي يجب أن أتعلمها لتحقيق أهدافي؟"، أيضاً يُمكن ممارسة التفكير الذاتي لتحليل المشاعر وردود الأفعال، ففي حال الشعور بالخوف من التحدّث أمام الجمهور، يُمكن طرح مجموعة من الأسئلة، مثلاً؛ "ما هي المشاعر التي تظهر عليّ عند التحدّث أمام الناس؟" و "ما الذي يُمكنني فعله للتخلّص من هذا الخوف؟".
إنّ طرح مثل هذا النوع من الأسئلة يجعل الشخص أكثر وعياً بسلوكياته ومعتقداته، وبالتالي يُصبح أكثر قدرة على وضع خطة للتعامل مع المشكلات والتحديات بفعاليّة، واتخاذ قراراتٍ أكثر حكمة، كما أنّ تسمية المشاعر باسمها يساعد في رؤيتها على حقيقتها وكأن هناك طرفاً ثالثاً يُقيّمها، مما يُقلل من تأثيرها وسيطرتها على الموقف.
يساعد تدوين المذكرات اليومية في فهم المشاعر وطريقة التفكير تجاه المواقف والأشياء، بالإضافة إلى تحديد تفضيلات الشخص وأولوياته، ومعرفة نقاط ضعفه ونقاط قوته، مما يخلق لديه وعي أكبر بالذات.
ويكون التدوين اليومي بكتابة الأحداث والمشاعر في نهاية كل يوم، مع طرح أسئلة تُسهّل التعبير عن المشاعر وتنظيم الأفكار مثل: "ما أفضل لحظة وأسوأ لحظة في يومي؟" أو "ما هي أكثر المشاعر التي سيطرت علي .
كما اليوم؟" كما يُمكن قراءة المذكرات في وقتٍ لاحق بهدف مراجعة الأفكار والمشاعر المرتبطة بالتجارب والقرارات وتحليلها بموضوعية.
يتطلب الوعي الذاتي الوصول إلى حالة من القبول والسلام الداخلي، والتي يُمكن تحقيقها بممارسة التأمل واليقظة الذهنية، عن طريق توجيه الانتباه إلى اللحظة الحالية والتركيز على التنفس أو الأحاسيس الجسدية، مع السماح للأفكار والمشاعر بالظهور دون الحكم عليها أو تقييمها، وبالتالي فهم أعمق لما يحدث في العقل، والجسد، والبيئة المحيطة، وتطوير علاقة إيجابية وأكثر وعياً مع الذات.
يجدر الذكر أنّ الشعور بالثقل على الأكتاف أو الشد في عضلات الرقبة أثناء ممارسة التأمل واليقظة الذهنية قد يكون مؤشراً على الضغوطات المتراكمة في الجسد، كما أنّ الانشغال بأفكار سلبية عن الذات، مثل "أنا غير جيد بما فيه الكفاية" في تلك الأثناء، قد يُشير إلى وجود مشاكل في الثقة بالنفس أو الخوف من الفشل.
يُعد الانغماس في قراءة الكتب وسيلة فعّالة لتعزيز الفهم العميق للنفس والمشاعر الذاتية، فضلاً عن فهم مشاعر الآخرين، لا سيما قراءة الكتب الخيالية التي تضم قصصاً وشخصيات تُعبّر عن الحالة الإنسانية، إذ إنّ كيفية التفاعل تجاه القصص والشخصيات تكشف الكثير عن شخصية الفرد نفسه وقيمه وتطلعاته، مثلاً لو كانت الشخصية الرئيسية تتصارع مع الخوف من الفشل، فقد يدرك القارئ أنّ لديه نفس المخاوف، مما يساعده على التعامل معها بوعيٍ أكبر.
ولا تقتصر فائدة القراءة على الكتب الخيالية فحسب في تحسين الوعي الذاتي، بل يُمكن قراءة كتب تطوير الذات وكتب الذكاء العاطفي التي تساعد الشخص على فهم مشاعره والتعبير عنها، وفهم مشاعر الآخرين أيضاً، مما يُطوّر وعيه الذاتي، وبالتالي يُحسّن علاقته مع نفسه ومع المحيط من حوله.
لا يكفي الاعتماد على المنظور الداخلي فقط لتحسين الوعي الذاتي، بل يتطلب الأمر أيضاً منظوراً خارجياً أكثر حيادية، لذا من المهم الحصول على ملاحظات من الأشخاص المقربين، بهدف فتح المجال للتفكير بعمق حول الصفات والسلوكيات ونقاط القوة والضعف، كما أنّ وجهة نظر الآخرين تُسلط الضوء على جوانب غير مرئية في الذات، قد لا يتمكن الشخص من إدراكها بنفسه.
ويكون ذلك بسؤال أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء المقربين عن الصفات المميزة ونقاط القوة والضعف التي تخص الشخص من وجهة نظرهم، أو يُمكن طرح أسئلة محددة مثل؛ "كيف ترى ردود أفعالي في المشكلات؟" أو "ما الجوانب التي تعتقد أنني بحاجة إلى تحسينها؟".
وللاستفادة من مساعدة الآخرين، يُمكن تحديد مشكلة أو موقف معين، ورسم جدول يتضمن عمودين، بحيث يحتوي العمود الأول على ملاحظات الشخص تجاه نفسه، والعمود الثاني على ملاحظات الآخرين، ومن ثمّ إجراء مقارنة بينهما لمعرفة نقاط التوافق أو التناقض في الملاحظات.
ختاماً، يقتصر تطوير الوعي الذاتي على الجهد الفردي فحسب، بل يُمكن طلب الاستشارة من الأخصائي النفسي، إذ يعتمد على ما يُعرَف بالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) لتحليل الأنماط الفكرية والسلوكيات السلبية ومعرفة جذورها، ومن ثمّ تقديم طرق علاجية احترافية لتغييرها.
كما أنّ هناك العديد من الاختبارات النفسية والشخصية التي تقدمها الشركات والمواقع المتخصصة، والتي تساعد على تحليل الشخصيات بعمق، بالإضافة إلى قدرتها على تحديد مواطن القوة والضعف بهدف التعامل معها بالطريقة الأمثل، وبالتالي زيادة الوعي الذاتي.
المراجع
[1] verywellmind.com, Self-Awareness: Development, Types, and How to Improve Yours
[2] positivepsychology.com, What Is Self-Awareness? (+5 Ways to Be More Self-Aware)
[3] psychcentral.com, 7 Tips for Improving Your Self-Awareness
[4] betterup.com, Self-Awareness: What Is It & How to Develop It
[5] indeed.com, 8 Steps To Improve Your Self-Awareness (With Tips)