جار التحميل...
وإذا استمرّ هذا الهوس، ولم يُوضع له حدّ قد يصل إلى حالة تسمى "إدمان الجراحة التجميلية"، وهو اضطراب سلوكي، وحالة نفسية يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالقلق أو الاكتئاب في حال عدم إجراء المزيد من العمليات التجميلية، وقد يصبح الشخص غير قادر على التحكم برغبته تلك.
وغالباً ما تكون وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب وراء هوس عمليات التجميل، إذ تُعرَض فيها نماذج تحدد مفهوم الجمال المثالي باستمرار، مما يمكن أن يخلق ضغوطاً على الأفراد لتحقيق تلك المعايير، إلى جانب تأثير المشاهير والنجوم الذين يُجرون عمليات التجميل ويروّجون لها، مما يمكن أن يعزز فكرة أنّ الجمال يتطلب تدخلات جراحية.
إنّ التخلص من هوس عمليات التجميل يتطلب نهجاً شاملاً، يجمع بين العلاجات النفسية، والتغييرات في نمط الحياة، والدعم الاجتماعي، وتتمثل الخطوة الأولى بإدراك وجود الهوس، ومحاولة فهم دوافعه وأسبابه، ومحاولة معالجتها.
كما ينبغي التركيز على تحسين الذات، وتعزيز قبولها، وزيادة الثقة بالنفس، إذ يمكن الانغماس في هوايات أو أنشطة ممتعة لصرف النظر عن التفكير الزائد في الشكل والمظهر الخارجي، وتعلُّم مهارات جديدة، وتحقيق إنجازات في مجالات مختلفة من الحياة، لتعزيز الشعور بالإنجاز والقيمة الذاتية.
إلى جانب ذلك يجب الوعي بتأثير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على الأفكار والرغبات، والحدّ من التعرض المفرط لها، ومتابعة الحسابات التي تشجع على قبول الذات، وتزيد من الثقة بالنفس.
لكن في حال الوصول بهوس عمليات التجميل إلى حدِّ الإدمان، فلا بدّ من اللجوء إلى أساليب واستراتيجيات أخرى لعلاج تلك الحالة، وتتضمن هذه الأساليب ما يأتي:
يركز العلاج السلوكي المعرفي "cognitive behavioral therapy" على تغيير أنماط التفكير والسلوكيات غير الصحية التي تكون دافعاً لهذا الهوس، وإدارة الأفكار السلبية بطريقة سليمة وتحدّيها.
وتتمثل الخطوة الأولى في هذا العلاج بالتعرف إلى الأفكار السلبية وغير الواقعية، التي تسيطر على الفرد بخصوص مظهره الخارجي، ويساعده المعالج على تحديد تلك الأفكار، ويفسر له كيف تؤدي إلى سلوكيات غير صحية، مثل الرغبة المستمرة في الخضوع لعمليات تجميلية.
بعد ذلك تبدأ مرحلة تحدّي تلك الأفكار، فإذا كان الشخص يعتقد أن جراحات التجميل هي الطريقة الوحيدة لتعزيز ثقته بنفسه، يساعده المعالج في النظر إلى بدائل أخرى لتطوير الثقة، مثل الاهتمام بالنشاطات الشخصية، أو تعزيز المهارات الأخرى، أو ممارسة الرياضة، أو العناية بالبشرة، أو تبني نظام غذائي صحي.
يعتمد العلاج بالتعرض والوقاية من الاستجابة "Exposure and Response Prevention Therapy" على مبدأ تعريض الشخص للأفكار أو المواقف التي تثير قلقه بشأن مظهره، مع منعه من القيام بالسلوكيات المعتادة.
فمثلاً، إذا كان الشخص يشعر بالقلق الشديد حيال جزء معين من جسمه، ويرغب في تغييره من خلال الجراحة التجميلية، سيعمل المعالج على تعريضه بشكل تدريجي لهذه الأفكار، لمنع الإحساس بالصدمة، إذ يتعرض أولاً لمواقف أقل حدة، مثل النظر إلى صور طبيعية لجسمه، أو التحدث عن العمليات التجميلية، ثم الانتقال إلى مواقف أكثر حدةً، مثل تجنب استخدام مرآة لفترات معينة.
بعد ذلك تأتي مرحلة المنع من القيام بالسلوك المعتاد، الذي قد يلجأ إليه الفرد لتخفيف قلقه، فيتعلم من خلال التعرض المتكرر أن أفكاره المقلقة حول مظهره ليست واقعية، أو ملحة كما كان يعتقد، فمثلاً بعد تجنب التحقق المستمر من جزء معين من الجسم يبدأ في إدراك أن الأفكار السلبية تتلاشى تدريجياً.
ومع أن هذا العلاج لا يخلّصه تماماً من كل تلك الأفكار التي يعاني منها، إلا أنه يعلمه كيفية التأقلم معها، وكيفية استخدام المهارات اللازمة لمنعها من السيطرة على سلوكياته.
تعدّ المشاركة في مجموعات داعمة استراتيجية فعالة للتغلب على هوس عمليات التجميل، إذ توفر بيئةً آمنةً ومشجعةً للتفاعل مع الآخرين الذين يواجهون تحديات مشابهة، وتساعد على تحسين الصحة النفسية، وتقديم الدعم العاطفي من خلال مشاركة التجارب والخبرات.
فالمجموعات الداعمة توفر مساحة يشعر فيها الأفراد بالقبول دون الخوف من الانتقاد، أو إطلاق الأحكام السلبية عليهم، فمن يعاني من هوس عمليات التجميل يشارك مخاوفه بشأن مظهره ورغبته بإجراء الجراحات التجميلية، وعندما يستمع إلى قصص من تخطّوا هذه الحالة بنجاح يمكنه إعادة النظر في موقفه، حتى تتلاشى رغبته تلك تدريجياً.
إنّ تناول الأدوية يمكن أن يكون جزءاً فعالاً من خطة علاج هوس عمليات التجميل، خاصة في الحالات المرتبطة بالقلق، أو الاكتئاب، أو اضطراب التشوه الجسمي، إذ تساعد الأدوية على تحسين التوازن النفسي، وتخفيف الأعراض التي تدفع الشخص للتركيز المفرط على مظهره الخارجي، ومع ذلك من الضروري استخدامها تحت إشراف طبي متخصص، كجزء من خطة علاجية متكاملة تشمل العلاج النفسي.
وفي الختام، إنّ رضا الإنسان وقناعته بما وهبه الله تعالى إياه من شكل وجهه وجسمه، هو الأساس للتخلص من أي أفكار سلبية حول الذات، إذ إنّ الله -سبحانه وتعالى- خلق الجميع بأحسن تقويم، كما أن لكل شخص جماله الخاص، ولا يوجد معيار ثابت لقياس الجمال، وليس من الضروري أن يكون كل شيء مثالياً، فالكمال لم يكن يوماً لأحد من البشر.
المراجع
[1] medicalnewstoday.com, What is plastic surgery addiction and what causes it?
[2] choosingtherapy.com, Plastic Surgery Addiction: Causes, Risks, & Treatment
[3] goodrx.com, Can You Be Addicted to Plastic Surgery?
[4] mcleanhospital.org, Everything You Need To Know About Exposure and Response Prevention Therapy
[5] psychologytoday.com, When Plastic Surgery Becomes an Addiction