جار التحميل...
وغالباً ما يُمكن تحقيق الرضا بالعَيش وفق القِيَم الخاصَّة التي تختلف بطبيعة الحال من شخص إلى آخر، والتركيز على الحاضر، والاستمتاع به، وشُكر الله -تعالى- على نِعَمه، والرِّضا بما هو موجود، أمّا أهمّيته، فتتمثَّل بما يأتي:
تُشير دراسة أجرتها جامعة كولومبيا البريطانية عام 2021، ونُشِرَت في موقع (sciencedaily)، إلى أنّ الأفراد الذين يشعرون بمزيد من الرضا عن حياتهم يتمتَّعون بصِحّة أفضل؛ إذ تقِلّ احتمالات إصابتهم بالآلام المُزمِنة بنسبة 12% مُقارَنة بالآخرين.
ولا تقتصر أهمّية الشعور بالرضا على تعزيز الصحَّة الجسدية فحسب، بل تشمل الصحَّة العقلية أيضاً؛ إذ يساعد على استقرار الحالة المزاجية، وزيادة الأفكار الإيجابية، والتفاؤل، وتقليل الشعور بالوحدة واليأس، ووفقاً للدراسة السابقة، فإنّ الأشخاص الذين يتمتَّعون بالرضا يقِلّ لديهم خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 46%.
ويُشير مقال بحثيّ نُشِر في مجلة (frontiersin) عام 2021، ومصدره جامعة محمد عاكف أرسوي، إلى وجود ارتباط وثيق بين الرضا عن الحياة والأمل؛ فالأمل هو إيمان الفرد بقدرته على تحقيق أهدافه، ويجدر بالذكر أنّ آثار الصحَّة النفسية المذكورة تنعكس إيجاباً على جوانب الحياة جميعها.
تكمن أهمّية الرضا في تعزيز اهتمام الفرد بنفسه، وبشتّى الوسائل والطرق؛ باتِّباع أساليب حياة صِحِّية وترفيهية، مثل: ممارسة التمارين الرياضية، وتناول الوجبات الصحِّية، إضافةً إلى الاهتمام بالصحَّة العاطفية والنفسية؛ إذ يُساعد ذلك على زيادة الرغبة في تحسين جودة الحياة عن طريق ممارسة الأنشطة والهوايات المُفضَّلة، وغالباً ما ترتبط ممارسة تلك الأنشطة ارتباطاً مُباشراً بزيادة الشُّعور بالحماس؛ ممّا يُضفي المزيد من البهجة على الحياة.
وعلاوة على ذلك، يُعَدّ تعزيز الارتباط بالذات من أبرز فوائد الشعور بالرضا؛ إذ يكون الفرد أكثر اتِّصالاً بعواطفه، وتجاربه، وحياته الخاصّة، فيعيشها كاملة كما يجب أن تكون، ويُقلِّل شُعوره بالفراغ الناتج عن الإحساس بوجود شيء مفقود حتى عند وجوده في جماعة، أو انشغاله بممارسة بعض الأنشطة الممتعة.
يَميل الشخص الأكثر رضا إلى التصرُّف بإيجابية، والتركيز على الجوانب الجيّدة في المواقف بدلاً من التذمُّر والشكوى؛ فهو يستطيع إيجاد الجانب الجيِّد في أيّ موقف بدلاً من التركيز على السلبيات أو الأخطاء فيه، مع التأكيد على احتمالية مرور الإنسان بلحظات من الإحباط أو الاستياء بصرف النظر عن مدى رضاه عن حياته.
والأمر المهمّ هنا يتمثَّل بقدرة الإنسان الأكثر رضا على تجاوُز هذه الإحباطات بدلاً من الانخراط فيها إلى الحدّ الذي تُصبح فيه عادةً ثابتة ومُتأصِّلة في المُحادَثات اليومية وتفاصيل الحياة.
غالباً ما يكون الإنسان الأكثر رضا عن حياته أكثر تفاعُلاً مع مُحيطه؛ بفضل طاقته الإيجابية العالية؛ ممّا يدفعه إلى التواصل مع الأصدقاء، وتجربة أنشطة اجتماعية مختلفة، بخلاف الإنسان الذي يشعر بعدم الرضا، والذي غالباً ما يشعر بانعدام رغبته في رؤية الآخرين، أو التواصل معهم.
ومن جانب آخر، تؤدّي المقارنة الاجتماعية غير العادلة والتي قد تكون سبباً في عدم الرضا عن الحياة، إلى الشُّعور بالسخط المرتبط بالرغبة في الحصول على ما في يد الآخرين، وعدم الامتنان لما بين يدَيه، وتبرز أهمّية هذا الأمر اجتماعياً عند النظر إليه في سِياق الزواج مثلاً؛ إذ يجد الإنسان كثير المُقارنة صعوبةً في تقبُّل شريك حياته؛ ممّا يضرّ العلاقة ويُزعزِعها، وفي المقابل، يتمتَّع الإنسان الأكثر رضا بزواج صِحّي وأكثر سعادة.
غالباً ما يستطيع الإنسان الأكثر رضا التحكُّم في انفعالاته، وإدارة رُدود أفعاله بحكمة أكبر؛ فيستطيع تجاوز المُضايقات الصغيرة، أو الخلافات البسيطة، ويتحلَّى بالصبر أكثر من الإنسان غير الراضي الذي غالباً ما يتَّخِذ من صغائر الأمور حُجَّةً للتنفيس عن عدم رضاه عن حياته، وصراعاته الداخلية، ومزاجه السيّئ.
يرتبط الرضا في الحياة غالباً بالرغبة المُستمِرّة في تطوير القدرات، والاحتياجات، والقِيَم؛ للحفاظ على جودة الحياة الحالية، أو تطويرها، وهو ما يقود إلى النجاح، وتحقيق الأهداف، ورُبَّما تكون هذه الأهمّية أكثر وضوحاً عند الاطِّلاع عليها من ناحية مهنية؛ إذ يرتبط الرضا الوظيفي مثلاً بتقديم المُوظَّف عمله بأفضل جودة وكفاءة ممكنة.
وختاماً، لا بُدّ من التأكيد على أهمّية الحفاظ على الطموح، والسَّعي المُستمِرّ للتطوُّر والنُّمُوّ والازدهار، وعدم اتِّخاذ الرضا وسيلةً للاستسلام أو التوقُّف بذريعة الاكتفاء بما هو مُتاح.
المراجع
[1] geediting.com, If someone is unsatisfied in life, they’ll usually display these 9 behaviors
[2] psychologytoday.com, Beyond Happiness: The Role of Life Satisfaction in Human Flourishing
[3] extension.usu.edu, Understanding the Impact of Self-Esteem on Relationship Satisfaction
[4] University of British Columbia, High life satisfaction linked to better overall health (2021)
[5] frontiersin.org, Relationships Between the Life Satisfaction, Meaning in Life, Hope and COVID-19 Fear for Turkish Adults During the COVID-19 Outbreak