جار التحميل...
تُعرَف الدونية على أنّها حالة نفسية من الشعور بالنقص وانعدام الكفاءة مقارنةً بالآخرين، وقد يؤدي هذا الشعور إلى الانعزال الاجتماعي، أو المبالغة في التنافسية والعدوانية تجاه الآخرين؛ للتعويض عن مشاعر قِلة الثقة بالنفس؛ لذا يتطلب التعامل معها فهماً عميقاً للجذور النفسية والاجتماعية المُسببة لها.
من أبرز الأسباب النفسية التي تسهم في تطوير عقدة الشعور بالدونية ما يأتي:
ترسم تجارب الطفولة الملامح الرئيسة لشخصية الإنسان، لا سيما في سنوات نموه الأولى، وفي العائلات التي يسودها النقد القاسي والإساءة الجسدية والعاطفية، فينشأ الأطفال وهم يشعرون بالدونية تجاه أنفسهم، مثلاً حين يوصف الطفل بتعليقاتٍ سلبية متكررة مثل: (أنت غبي) أو (أنت عديم الفائدة)، فقد تترسخ في ذهنه هذه التعليقات لتُصبح قناعةً ذاتيةً وتبقى ملازمة له حتى عندما يكبر، وبالتالي تؤثر سلباً في تقديره ذاته، وتعزز لديه الشعور بالدونية وانعدام القيمة.
وقد ينشأ الشعور بالدونية في الطفولة بسبب الحماية والرعاية المفرطة للطفل، ما يجعله يكبر وهو يشعر بالضعف والعجز عن تحمّل المسؤولية، بالإضافة إلى أنّ الحرمان من الحُبّ والاهتمام والنشوء مع والدين غير متاحين عاطفياً أو جسدياً من الممكن أن يسبب الشعور بالدونية والنقص.
لا يتأثر الإنسان بالصدمات النفسية التي تحدث في الطفولة فحسب، بل يُمكن أن تترك الصدمات في مرحلة البلوغ جروحاً نفسيةً عميقةً وآثاراً سلبية في الصورة الذاتية، ومن التجارب الشخصية المؤلمة التي يمر بها الناس عادةً حالات الطلاق أو الانفصال عن الشريك بسبب الخيانة أو الهجر، أو التجارب المُتعلقة بالفشل في تحقيق أهداف مهنية، ما يضع الشخص في حالة من الشكّ الذاتي، ويَخلُق لديه شعوراً بالدونية وانخفاض القيمة.
قد تكون العيوب الجسدية سواءً كانت حقيقية أم يتوهمها الشخص، من الأسباب الرئيسة التي تُغذي الشعور بالنقص وتقلل تقدير الذات، وتشمل هذه العيوب الوزن الزائد، أو عدم تناسق ملامح الوجه، أو مشكلات طول القامة أو قصرها، بالإضافة إلى ضعف النظر، أو التلعثم بالكلام، أو التشوهات الجسدية، وعندما تُصبح هذه الخصائص الجسدية بمثابة مقياس للقيمة الشخصية، فإنّها تُعزز الشعور بالدونية وعدم الشعور بالرضا عن الذات.
من الممكن أن تؤثر العوامل الاجتماعية في خَلق مشاعر الدونية والنقص، وفيما يأتي أهمها:
تؤدي التجارب الاقتصادية الصعبة في مرحلة الطفولة، مثل التنشئة في بيئةٍ فقيرة لا تلبي الاحتياجات الأساسية للحياة، أو الاضطرار إلى طلب المساعدة من الآخرين، إلى تعزيز الشعور بالدونية والنقص، علاوةً على ذلك تترك التحديات الاجتماعية في مرحلة الرُشد تشوهاتٍ عميقةً للذات أيضاً.
على سبيل المثال، عندما يواجه الشخص صعوبةً في العثور على وظيفة، أو تأخيراً في تحقيق أهداف اجتماعية مثل الزواج، فإنّه يشعر بالقصور والدونية مقارنةً بالآخرين.
عندما يتعرّض الأفراد للتمييز بناءً على خلفياتهم العرقيّة، أو لون بشرتهم، أو جنسهم، قد يُشعرهم ذلك بالتهميش وانعدام القيمة.
على سبيل المثال، قد تواجه الأقليات العرقية في بعض المناطق استبعاداً من أمكنة العمل والتعليم، بينما قد تعاني بعض النساء تمييزاً في مكان العمل أو في الحياة الاجتماعية، ويُمكن أن يواجه الأفراد من ذوي البشرة الداكنة تمييزاً عنصرياً في بعض المجتمعات، ما يُشعرهم أنّهم غير متساويين مع غيرهم أو غير مقبولين، ويخلق لديهم شعوراً عميقاً بالنقص والدونية.
تَعرِض وسائل التواصل الاجتماعي نماذج مثاليةً للمشاهير والشخصيات العامّة، التي غالباً ما تكون غير حقيقية وتستند إلى معايير غير واقعية، على سبيل المثال، عرض الصور المثالية للجمال والنجاح والحياة المُرفهة، كل ذلك يُمكن أن يجعل الأفراد يقارنون أنفسهم بهذه المعايير العالية، وعندما يصعب عليهم تحقيق تلك المعايير؛ لأنّها غير واقعية، يتنامى لديهم الشعور بالدونية.
ختاماً، بفهم الجذور النفسية والاجتماعية للشعور بالدونية، يُمكن تسهيل عملية العلاج والتقليل من تأثيراتها السلبية، ويُعد العلاج النفسي مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) من الأدوات الفعّالة في فهم مشاعر الدونية ومعالجتها، ويُمكن أن تساعد تقنيات التأمل والتدوين اليومي على فهم المشاعر والأفكار، والشعور بالتعاطف والانسجام مع الذات.
المراجع
[1] verywellmind.com, Signs You May Have an Inferiority Complex
[2] medicalnewstoday.com, What is an inferiority complex?
[3] webmd.com, What To Know About an Inferiority Complex
[4] everydayhealth.com, All About Inferiority Complex
[5] thehaguepsychologist.nl, What are the causes of an inferiority complex by Expat Psychologist