جار التحميل...
يؤدّي عدم إدارتهم للانفعالات إلى المعاناة من تقلّبات عاطفية ومزاجية حادّة، الأمر الذي يؤثّر سلباً في حياتهم بشكلٍ ملحوظ؛ فيجدون أنفسهم في حالة من الهدوء تارة، ثمّ تغمرهم مشاعر الغضب أو الحزن تارةً أخرى، وكأنّهم يعيشون حالةً من الفوضى العاطفية.
وفي كثيرٍ من الأحيان، تُؤدّي الانفعالات السريعة عند بعض الناس إلى ارتكاب أفعال أو قول أشياء يندمون عليها لاحقاً، ممّا يؤثّر سلباً في علاقاتهم الاجتماعية المختلفة مع الناس، علماً بأنّ أسباب ضعف القدرة في السيطرة على الانفعالات العاطفية وإدارتها عديدة ومتنوعة، ومنها: العامل الوراثي، وعدم وجود قدوة جيّدة في حياة الإنسان يتعلّم منها كيفية إدارة انفعالاته، بالإضافة إلى بعض التغيّرات الجسدية؛ كانخفاض نسبة السكّر في الدم، أو التعرّض للتعب والإرهاق.
والخبر السارّ هنا أنّ إدارة الانفعالات مهارة مُكتسَبة؛ وهذا يعني أنّ بإمكان الجميع تعلُّمها، وممارستها، وتطويرها تدريجيّاً، والاستفادة منها؛ باستخدام أساليب واستراتيجيات فعّالة تُمكِّن الإنسان من السيطرة على انفعالاته، والتعبير عنها بشكلٍ صحيح، وليس قمعها أو تجاهلها بالطبع، ممّا يؤثّر إيجاباً في حياته. تابع القراءة لتعرف أكثر.
تُعَدّ إدارة الانفعالات أمراً مهماً للغاية؛ فهي تؤثّر بشكل مُباشِر في العلاقة مع الآخرين؛ فالفشل في التحكُّم بالغضب، والتفوُّه بالكلمات الجارحة مثلاً يُؤلم الآخرين، ويدفعهم إلى الابتعاد وقطع العلاقة كُلّياً في كثير من الأحيان، وهي تضع قائلها أمام تحدّي إصلاح العلاقات الاجتماعية المُتضرِّرة.
بالإضافة إلى أنّ التأثير السلبي لضعف إدارة الانفعالات لا يقتصر على الآخرين فقط؛ إذ إنّ عدم القدرة على التحكُّم في العواطف ينعكس سلباً على الصحة النفسية والجسدية للإنسان؛ فالشعور بالحزن الشديد يمكن أن يُنهِك الصحة، ويجلب المعاناة والألم، أمّا العيش في حالة من الخوف المُستَمِرّ، فيمنع صاحبه من خوض تجارب جديدة، وتحقيق الأحلام والطموحات، وهذا يعني أنّ إتقان فنّ إدارة الانفعالات يُعزّز جودة الحياة بشكل عامّ، ويجعل الإنسان أكثر قوّة ومرونة في مواجهة تحدِّيات الحياة المختلفة.
وجدت دراسة أُجرِيت عام 2018، ونُشِرت بواسطة معاهد الصحة الوطنية الأميركية NIH، أنّ التنفُّس العميق يساعد جسم الإنسان على الاسترخاء، واستعادة التوازن العام؛ من خلال تنشيط جزء مهمّ من الجهاز العصبي يُعرَف باسم الجهاز العصبي السمبتاوي (Sympathetic nervous system).
ويجدر بالذِّكر أنّ أوّل ما يمكن فعله لإدارة الانفعالات والتحكُّم فيها محاولة الهدوء، والسيطرة على رُدود الأفعال؛ من خلال أخذ نَفَس عميق، ويمكن اعتماد طريقة خاصَّة لذلك تتمثّل باستنشاق الهواء ببُطءٍ لمُدّة 4 ثوانٍ، ثمّ حبس النَّفَس لمدّة 4 ثوانٍ أخرى، وبعدها إخراج الهواء من الصدر ببُطء تدريجيّاً عبر الفم لمُدّة 4 ثوانٍ كذلك، وحبس النَّفَس مُجدَّداً لمدّة 4 ثوانٍ، مع تكرار هذه الخطوات مرّة إلى 3 مرّات على الأقلّ، ممّا يساعد في تهدئة الجسم، وغمره بالأكسجين المنعش.
قد يشعر البعض في لحظات الانفعال الشديدة بالتشتُّت والانفصال عن الواقع، لذا يمكن الاستفادة من الحَواسّ الخمس؛ لاستعادة السيطرة على الموقف وتهدئة النفس؛ فمثلاً، يمكن ترديد أغنية معيّنة، أو رَشّ القليل من الماء البارد على الوجه، ممّا يؤدّي بالعقل إلى التركيز على الحاسّة المُرتبِطة بالحدث بدلاً من التركيز على العاطفة التي تُهيمِن على الموقف.
ومن أفضل التقنيات التي يمكن استخدامها تقنية 5-4-3-2-1؛ من خلال صياغة مجموعة من الأسئلة، والإجابة عنها، وذلك على النحو الآتي:
اذكر 5 أشياء يمكنك رؤيتها بعينَيك.
اذكر 4 أصوات يمكنك سماعها.
اذكر 3 أشياء يمكنك لمسها بيدك.
اذكر شيئين يمكنك تذوُّقهما بلسانك.
اذكر شيئاً واحداً يمكنك شَمّه بأنفك.
ومن خلال التركيز على هذه الأسئلة، والبحث عن إجابات عنها، يمكن تهدئة العقل والجسد على حَدّ سواء، والحفاظ على الحضور الذهني والنفسي في البيئة الواقعية، وإدارة الانفعال بشكل أفضل.
وجدت دراسة أُجرِيَت عام 2019، ونُشِرت بواسطة معاهد الصحة الوطنية الأميركية NIH، أنّ ممارسة التأمُّل لمُدّة 8 أسابيع بما يعادل 13 دقيقة يوميّاً، يمكن أن يكون ذا تأثيرات إيجابية في الصحة العقلية والجسدية، بما في ذلك تحسين المزاج، والتحكُّم في العواطف والانفعالات بشكل أفضل.
ويمكن أن تُسهِم ممارسة تمارين التأمُّل المُتنوّعة في تقليل التوتّر، وزيادة الشعور بالراحة والاسترخاء، والتعرُّف إلى المخاوف الشخصية، وتقليل عملية التفكير فيها، وبالتالي تحسين القدرة على إدارة الانفعالات وضبطها.
من أهمّ الأساليب التي يجب اتِّباعها أيضاً لإدارة الانفعالات بفعاليَّة قبول المشاعر المختلفة بدلاً من تصنيفها إلى مشاعر إيجابية أو سلبية؛ فهذا تُتيح المجال للإحساس بهذه المشاعر والتعايُش معها دون الشعور بالذنب أو الخجل، وهذا بدوره يجعل التعامل معها أمراً أسهل وصِحِّياً أكثر، بدلاً من قمعها أو تجاهلها وإنكارها.
ولتطبيق ذلك، يمكن اعتماد تقنيات عديدة، منها: تدوين المشاعر في دفتر خاصّ، أو في الهاتف المحمول، أو تسجيل فيديو مُتعلِّق بها مثلاً؛ إذ إنّ وجود سِجِلٍّ لتلك المشاعر يمكن أن يساعد الشخص في العودة إليها وقراءتها أو مشاهدتها مُجدَّداً، والتفكير فيها بعُمق وتفهُّم بعد تفريغها؛ وتُعزِّز هذه العملية فهم الذات بشكل أفضل، كما تُمكِّن الإنسان من التعامل مع مشاعره بوَعي أكبر.
وختاماً، يمكن للأشخاص الذين يواجهون صعوبة كبيرة في التعامل مع انفعالاتهم وإدارتها بشكلٍ صحيح التواصل مع أحد المُتخصِّصين؛ لمساعدتهم في تعلُّم أساليب واستراتيجيات أكثر تساعد في إعادة تنظيم أفكارهم والتحكُّم في انفعالاتهم المختلفة.
المراجع
[1] healthline.com, How to Become the Boss of Your Emotions
[2] medicalnewstoday.com, How to manage your emotions: Some strategies to try
[3] psychcentral.com, 6 Ways to Manage Your Emotions and Improve Your Mood
[4] betterup.com, Emotional regulation: Skills, exercises, and strategies
[5] langleygroup.com.au, 10 Strategies For Managing Emotions