جار التحميل...
هل تعلم أنّ هناك وزيراً لمعالجة قضايا الوحدة في المملكة المتحدة!
عام 2017 تمّ تعيين أول وزير للوحدة في العالم، وهي ترايسي كرواتش، وجاء هذا القرار بعد تقرير صدر من لجنة جو كوكس "Jo Cox" لمكافحة الوحدة عام 2017، ذكر أن ما يقارب 9 ملايين مواطن في المملكة المتحدة يعانون من الوحدة؛ أي ما يقارب 14% من سكانها آنذاك، ونتجت عن ذلك خسارة اقتصادية لأصحاب العمل سنوياً بما يصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار؛ نتيجة تراجع إنتاجية الأشخاص الذين يعانون من الوحدة أو حتى غيابهم عن أعمالهم.
الشعور بالوحدة لا يقتصر على فئة محددة من الناس، بل هو تحدٍّ عالمي يؤثر في الصحة النفسية والجسدية، مما يؤدي في النهاية إلى تراجع الإنتاجية في العمل والحياة اليومية، وقد يؤدي أيضاً إلى تفكك العلاقات الاجتماعية، لذا من الضروري أن نبحث عن حلول وأفكار للتغلب على هذا الشعور المؤلم.
الوحدة لا تعني بالضرورة الانعزال أو العزلة، لكنها قد تكون فرصة لتحسين العلاقة مع الذات وتطوير النمو الشخصي، فمن الضروري تحسين العلاقة مع النفس قبل التركيز على العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، لذا استفد من الوقت الذي تمضيه بمفردك للاسترخاء، وإعادة شحن طاقتك، وتعزيز الاتصال مع ذاتك.
اكتشف الأنشطة التي تمنحك الراحة والسعادة أثناء وحدتك، سواء كان ذلك من خلال القراءة، أو مشاهدة التلفاز، أو الاستمتاع بالطبيعة، أو تعلم مهارات جديدة، وباختيارك الأنشطة التي تناسبك وتعزز رفاهيتك ستكتسب القدرة على الاستمتاع بالوقت المنفرد وممارسة التأمل، ليس هذا فقط بل يساعدك بعد ذلك على الاستمتاع مع الآخرين.
نتساءل أحياناً لماذا نشعر بالوحدة ونحن نمتلك العائلة والكثير من الأصدقاء؟ قد تكون قلة تواصلنا معهم وعدم تعمقنا في العلاقات هي السبب.
لذا يجب اختيار الأشخاص الذين نثق بهم ومشاركتهم مشاعرنا وأفكارنا، وعدم الخوف من التعبير عن وحدتنا لهم؛ إذ يمكن أن يشعرنا هذا بالتحسّن ويذكرنا بأننا لسنا وحيدين، ويدفع الآخرين إلى مساعدتنا، وإذا كان من الصعب مشاركة المشاعر مع الآخرين يمكن البدء بخطوات صغيرة، مثل فتح محادثات مع الأشخاص الجدد أو القدامى، والتحدث عن اهتماماتك معهم، ويمكن أيضاً التدوين في دفتر مذكرات كخطوة تمهيدية.
وجد الباحثون في دراسة نشرها موقع "ResearchGate" لعام 2021 أنّ الأشخاص يلجؤون إلى وسائل التواصل الاجتماعي عندما يشعرون بالوحدة، لكنّ مشاعرهم تزداد سوءاً بعد تصفحهم لها.
عندما نتصفح منصات التواصل الاجتماعي نرى الكثير من الناس يشاركون صورهم في فعاليات مع عائلاتهم وأصدقائهم، ممّا يثير فينا شعوراً بالوحدة والتعاسة، لكن يجب أن نتذكر دائماً أنّ الصور التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي لا تعكس الحياة الحقيقية للأشخاص، ومن السهل أن نقع في فخ المقارنة.
لذا، يُنصح باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بحكمة، والتذكر دائماً أنّ قيمة حياتنا لا تقاس بمقارنتها بحياة الآخرين، وإنما تكمن في تقدير ما نمتلكه والاستمتاع باللحظات الجميلة في حياتنا اليومية.
لنكن ممتنين بما لدينا، ففي دراسة أجريت عام 2019 نشرها موقع "Pubmed" المختص بنشر الأبحاث العلمية أوضحت أنّ تدوين النِعَم يومياً سواءً الإنجازات أو الأشخاص أو الصفات الشخصية أو العلاقات يقلل من الشعور بالوحدة.
وجدت دراسة أجريت عام 2021 نشرها موقع "JAMA Psychiatry" المتخصص بالأبحاث العلمية أنّ مكالمة هاتفية داعمة عاطفياً ومنتظمة لمدة 10 دقائق قد تساهم في تخفيف الشعور بالوحدة.
لذلك حتى وإن لم يكن بالإمكان لقاء الأشخاص المهمين لدينا يمكننا التواصل معهم عبر المكالمات الهاتفية، حتى لو لمدة قصيرة لمناقشة الأمور العامة أو الشخصية، وعدم الاكتفاء بإرسال الرسائل النصية؛ إذ إنّ التحدث مع من نحب له تأثير إيجابي قوي لا يُستهان به.
كيف يمكن للتطوع أن يقلل شعور الوحدة؟ يشير الدكتور وجيه وليم إسحاق أستاذ طب النفس أنّ فعل الخير تجاه الآخرين فعال جداً في إفراز الهرمونات المسؤولة عن تحسين المزاج ورفع مستوى السعادة في الجسم، بالتالي فإنَّ المبادرة لمساعدة الآخرين سيعود على المُبادِر بالفائدة في الصحة النفسية، ويمنحه أيضاً فرصة للتعرف إلى أشخاص جدد، إضافة إلى تعزيز ثقته بنفسه وشعور الامتنان والرضا لديه، وهذه الميزت جميعها من الصعب أن تجتمع مع شعور الوحدة.
نشر موقع وكالة البحوث الطبية الرئيسية في الولايات المتحدة (NIH) نتائج أبحاث تشير إلى أنّ امتلاك حيوان أليف يُسهم في تقليل الشعور بالوحدة وتحسين المزاج.
تمنح الحيوانات الأليفة شعور الحب بلا مقابل، وبالرغم من عدم قدرتها على التحدث، إلا أنها تضيف للمكان مرحاً وحياة، لذا إن كنت من محبي الحيوانات الأليفة جرّب أن تتبنى إحداها، مثل القطط أو الكلاب أو الطيور؛ فهذا قد يساعد حقاً على تقليل الشعور بالوحدة.
نشرت مجلة لانسيت "The Lancet" للطب النفسي دراسة عام 2021 توضح العلاقة بين الشعور بالوحدة وأعراض الاكتئاب، وأظهرت أنهما يعززان بعضهما إلى حد كبير، فكلما زاد شعورك بالوحدة زاد الاكتئاب لديك، والعكس صحيح.
يُنصح بطلب المساعدة من معالج نفسي إذا شعرت بوحدة مستمرة، خاصة عند إحساسك بأعراض الاكتئاب أو الرهاب الاجتماعي، ففي بعض الأحيان تكون الاستعانة بالخبراء ضرورية لتوجيهنا وتصحيح أفكارنا بطرق عملية للتخلص من المشكلات النفسية والوقاية منها.
ختاماً من المفيد إدراك أنّ الأفكار السابقة قد لا تكون جميعها مناسبةً لك؛ فالأمر يختلف من شخص إلى آخر، لذا يمكن تجربة ما يتناسب مع ظروفك، وإن لم تصبح الأمور أفضل لا تضغط على نفسك، أجّل تطبيق هذه الفكرة، أو جرّب شيئاً آخر حتى تتأكد من الطريقة المناسبة للتخلص من الشعور بالوحدة.
وتذكّر أنه مهما كان شعورك بالوحدة صعباً فهو لن يدوم، لكنه قد يحتاج منك القليل من الوقت والجهد حتى تتخلص منه.