جار التحميل...
ويتساءل الكثيرون عن الأسباب التي تدفع إلى هذا السلوك؛ إذ توجد العديد من الأسباب والدوافع النفسية والاجتماعية المختلفة التي تدفع الأشخاص إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين، وفيما يأتي أبرزها.
إنّ أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع الأشخاص إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين هو السعي إلى التطوّر وتحسين الذات؛ إذ يستخدم البعض إنجازات الآخرين نماذجَ يُحتذى بها لرفع مستوى تقدمهم ونجاحهم الشخصي، وتُعدُّ المقارنة الإيجابية أداة تحفيزية تدفع الفرد إلى تحقيق أهدافه، وتطوير قدراته الشخصيّة؛ فعند رؤية أشخاص آخرين يُحقّقون نجاحات وإنجازات، يمكن أن يولّد ذلك رغبةً قويةً في تحسين النفس، ومحاولة الوصول إلى مستوى متقدّم من الإنجاز.
إضافة إلى ذلك، تُتيح مقارنة النفس بالآخرين الفرصة للتعلّم من تجارب الآخرين، وتحديد نقاط القوة والضعف الشخصيّة، ثم تحديد المجالات التي تحتاج إلى تطوير، ومن خلال دراسة طرق نجاح الآخرين وتحدياتهم، يمكن للأفراد اكتساب رؤى جديدة، وتحسين استراتيجيّاتهم الخاصة.
تهدف مقارنة النفس بالآخرين في بعض الأحيان إلى تعزيز الثقة بالنفس؛ فحين يُلاحِظ البعض أنهم يتفوّقون على شخص ما في جانب معين، يشعرون بالرضا والثقة بالنفس، ويمكن أن يكون هذا النهج محفِّزاً، ويدفع الأفراد إلى تحسين أدائهم وتحقيق أهدافهم، ومع ذلك يُمكن أن يؤدي هذا النوع من المقارنة إلى شعور زائف بالتفوُّق، إذا لم يُحقق الأفراد ما يطمحون إليه فعلاً.
تدفع وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بعض الأشخاص إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين؛ فمعظم المحتوى الذي يُشارَك على هذه المنصات يعرِض الحياة المثاليّة والنجاحات الاستثنائيّة فقط، ما يدفع البعض للسعي إلى التفوق، أو تقليد الآخرين، إلّا أنّه يمكن أن يكون لهذا النوع من المحتوى تأثير سلبي أيضاً، خاصةً عندما لا يتمكَّن الأفراد من التمييز بين الواقع الفعليّ والصورة المثاليّة المعروضة.
أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الأشخاص يُقارنون أنفسهم بالآخرين هي الحاجة إلى فهم ذاتهم وتقييمها؛ إذ يسعى البعض عادةً إلى تقييم مكانتهم في المجتمع، وقياس مستوى نجاحهم من خلال اللجوء إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين، خاصةً بأقرانهم أو أصدقائهم؛ لتحديد مدى تقدُّمهم ونجاحهم، وقد يُمكِّنهم ذلك من بناء صورة واضحة عن أنفسهم، ما يُعزِّز شعورهم بالأمان الاجتماعيّ.
يضع المجتمع بما فيه من عائلات وأصدقاء معايير صارمة للنجاح، ويُبرز أشخاصاً مُعيَّنين رموزاً يجب أن يُحتذى بهم، وهذه المعايير قد تُشكِّل ضغطاً نفسيّاً على الآخرين؛ إذ يجدون أنفسهم في مقارنة مستمرّة مع أولئك الأشخاص محاولين تلبية هذه التوقعات، ولا يقتصر ذلك الضغط المستمرُّ على تحقيق النجاحات المادية والمهنية فحسب، بل يمتدُّ ليشمل الجوانب الشخصيّة والاجتماعيّة أيضاً.
وتعدُّ الرغبة في القبول الاجتماعي والاعتراف من الآخرين أحد الدوافع الرئيسة لتلبية تلك الضغوطات ومواكبتها؛ فالسعي إلى إثبات أنّ الشخص جزء من المجتمع وأنه مقبول من الآخرين يُمكن أن يؤدِّي إلى مقارنات مستمرَّة مع الأشخاص الذين يُظنُّ أنهم يحظون بمكانة اجتماعيّة أفضل.
فضلاً عن ذلك، قد تكون المقارنة سلوكاً مكتسباً منذ الصغر؛ فالتربية لها دور كبير في تشجيع المقارنة بوصفها مقياساً للنجاح والتفوق، وغالباً ما تكون هذه المقارنات ناتجة عن عادات قديمة لم يستطع الشخص التغلّب عليها، وتطوَّرت مع مرور الزمن، ويجدر بالذكر أنّ الأطفال الذين ينشؤون في بيئات تُشجِّع على المقارنات غير الصحيّة قد يجدون صعوبة في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتحقيق استقلاليَّّتهم في بعض الأحيان.
حينَ يشعر الأفراد بعدم الرضا عن أنفسهم فإنهم قد يميلون أحياناً إلى النظر إلى الآخرين بصفتهم مرايا تعكس مستوى نجاحهم أو فشلهم، وعلى الرغم من ذلك فإنّ مشاعر الرضا عن الذات تنبع من داخل الشخص وبناءً على معتقداته ونظرته إلى نفسه، فإذا كانت نظرته إلى الحياة إيجابيّةً ومليئةً بالفرص؛ فإنّه سيرى الإمكانيّات في كل مكان، أمَّا إذا كانت النظرة سلبيّة ومتشائمة؛ فقد يصعب عليه رؤية الفرص المُتاحة.
إضافة إلى ذلك، قد تؤدي مقارنة النفس السلبيّة بمن يُعدُّون أكثر تفوقاً إلى الشعور بالغيرة أحياناً، ما يزيد مشاعر عدم الأمان؛ لذا لا بدّ من تعزيز الرضا بالنفس، وفهم أنّ هذه المشاعر ليست دليلاً على نقص حقيقي، بل هي انعكاس لمشاعر داخليّة يمكن إدارتها.
ختاماً، تعدُّ مقارنة النفس بالآخرين ظاهرة طبيعيّة تنبع من دوافع متعددة، لكن من الضروري فهم تأثيرها في الفرد، والتفاعل الواعي معها، وتقليل تأثيرها السلبي؛ لتكون مقارنة صحيّة وسليمة، وقد يتطلّب ذلك صبراً واستمراريّة؛ للحصول على النتائج المرجوّة، لذا يُنصح بتحديد أهداف شخصيّة واضحة، والاحتفاء بالإنجازات الفرديّة، كما تعدُّ ممارسة الامتنان اليومي أداة فعّالة لتقدير النعم، وتعزيز الرضا الداخلي، ومن ثمّ تعزيز الثقة بالذات.
المراجع
[1] shs-conferences.org, Social Comparison on Social Media Platforms: A media and communication Perspective
[2] openup.com, Comparing Yourself to Others: Why You Do It and What to Do Instead
[3] ideas.ted.com, Comparing yourself to others is a sure route to misery — 5 ways to turn it into action instead
[4] thrivingcenterofpsych.com, Why Do Humans Compare Themselves to Others (And How to Stop)?
[5] psychologytoday.com, Social Comparison Theory | Psychology Today