جار التحميل...
ما المقصود بالكرونوفوبيا؟
الكرونوفوبيا "Chronophobia" هي الخوف المُفرِط وغير المنطقي من مرور الوقت، إذ يشعر المصابون به بقلق وتوتُّر شديدَين لدى تفكيرهم في تقدُّم الزمن، والمستقبل المجهول، وقد يتجنَّبون النظر إلى الساعات والتقويمات، أو التخطيط للمستقبل، ويشعرون أنَّ الوقت يمُرّ مروراً سيِّئاً، ويخافون من الغموض والتغيُّرات غير المُتوقَّعة التي قد تحدث مع مرور الزمن، وغالباً ما يشعرون بنفاد الوقت وعدم كفايته لإنجاز ما يرغبون فيه.
وقد تظهر أعراض الكرونوفوبيا جسدياً، ونفسياً، وسلوكياً؛ فقد يُعاني المُصابون به من نوبات هَلَع، وخفقان في القلب، وجفاف في الفم، وغَثَيان، ورَعشة، لدى تفكيرهم في الوقت، وهم يتجنَّبون المواقف التي تُذكِّرهم بمرور الزمن، مثل الأعياد والمناسبات؛ ممّا يدفعهم إلى العُزلة الاجتماعية، والمُماطلة في إنجاز المَهامّ، ويُؤدّي إلى اضطرابات النوم، والشُّعور بالتشوُّش وعدم الاتِّزان.
ويُشار إلى أنّ هناك بعض الفئات التي تُعَدّ أكثر عُرضة للإصابة بالكرونوفوبيا، مثل: السُّجناء، وكِبار السِّنّ، والأشخاص الذين يُعانون أمراضاً مُزمِنة أو حالات صِحِّية خطيرة، وأولئك الذين يتعرَّضون لصدمات نفسية، أو يُعانون اضطرابات القلق الأخرى؛ إذ يشعرون بثِقَل الوقت، وعدم القدرة على التحكُّم فيه.
كيفية التعامل مع الكرونوفوبيا
يمكن التعامل مع الكرونوفوبيا، وتخفيف حِدَّتها؛ باتِّباع بعض السلوكات والطرق العلاجية التي تساعد الفرد على التحكُّم في مخاوفه، وإدارة أعراض القلق المُرتبِطة لديه بمرور الوقت، وفي ما يأتي أبرزها:
التأمُّل واليوغا: تقنيات للاسترخاء وتهدئة العقل
يمكن السيطرة على القلق المُرتبِط بالكرونوفوبيا من خلال التأمُّل واليوغا؛ بممارسة تمارين خاصَّة للتنفُّس واليقظة الذهنية؛ لتهدئة العقل، وتقليل التوتُّر المُرتبِط بمرور الوقت؛ فمن خلالها يتعلَّم الشخص التركيز على الحاضر، والتحكُّم في أفكاره؛ ممّا يُخفِّف حِدَّة المخاوف المُرتبِطة بالوقت، ويُعزِّز الشُّعور بالهدوء والاستقرار النفسي.
التمارين الرياضية: وسيلة فاعلة في تخفيف التوتُّر والقلق
تُعَدّ التمارين الهوائية وسيلة فاعلة في التعامل مع الكرونوفوبيا؛ إذ تُخفِّف التوتُّر والقلق المُرتبِطَين بالخوف من مرور الوقت، وتُحفِّز إفراز هرمونات الإندورفين "Endorphins" التي تُعزّز الشعور بالراحة والسعادة، وتُحسِّن جودة النوم، وتزيد الثقة بالنفس؛ ممّا يُقلِّل حِدَّة أعراض القلق المُرتبِطة بالكرونوفوبيا.
ويمكن للأشخاص الذين يُعانون هذا الاضطراب ممارسةُ بعض الأنشطة، مثل: المشي السريع، أو الجري، أو ركوب الدرّاجات، أو السباحة بانتظام؛ ممّا يُساعدهم في التركيز على اللحظة الحالية، وتقليل التفكير المُفرِط في مرور الوقت.
ولا تقتصر فوائد ممارسة الرياضة في التعامل مع الكرونوفوبيا والتوتُّر على التمارين الهوائية فحسب، بل تشمل في الغالب أشكال النشاط البدني جميعها؛ إذ تُعزّز الشُّعور العامّ بالصحَّة والرفاهية، وتُقلِّل الآثار السلبية للتوتُّر.
العلاج بالتعرُّض: أسلوب لمواجهة المخاوف تدريجياً
العلاج بالتعرُّض طريقة فاعلة لمُعالَجة الخوف المرضي من شيء مُحدَّد: مثل الخوف من الوقت "الكرونوفوبيا"، ويتمثَّل هذا العلاج بتعليم المريض تقنيات الاسترخاء؛ كالتنفُّس العميق، وإرخاء العضلات، ومن ثَمَّ تطبيق ما يُسمَّى بـ"نَزع الحساسية المنهجيَّة"؛ أي مساعدة الفرد على مواجهة المواقف التي تُثير قلقه تدريجيّاً؛ لتقليل استجابات الخوف لديه.
وعند الخوف من مرور الوقت، قد يشمل العلاج إعادة خلق مواقف تُذكِّر الشخص بمرور الوقت، بحيث تُرتَّب هذه المواقف من الأقلّ إلى الأكثر إثارة للقلق، ويُعرَّض المريض لها حتى يعتاد عليها، ويمكن أن يجري ذلك في الواقع، أو بالتخيُّل المُوجَّه.
وفي التخيُّل المُوجَّه، يُوجِّه المُعالِجُ المريضَ إلى تخيُّل المواقف المُثيرة للقلق بتفاصيلها وكأنَّه يعيشها فعلياً؛ ممّا يساعده في التعامل مع المخاوف وفكرة مرور الوقت براحة أكثر وقلق أقلّ.
العلاج المعرفي السلوكي: تغيير الأفكار والسلوكات السلبية
يُركِّز العلاج المعرفي السلوكي على تغيير الأفكار والسلوكات السلبية المُرتبِطة بالخوف من الوقت؛ إذ يساعد المُعالِجُ المريضَ على تحديد الأفكار غير الواقعية التي تزيد قلقه، مثل "لن أتمكَّن أبداً من تحقيق أهدافي في الحياة بسبب مرور الوقت بسرعة"، ثمَّ تحديد أفكار أكثر إيجابية وواقعية بدلاً منها، مثل "لديَّ الوقت لتحقيق بعض أهدافي المُهِمَّة".
ويتعلَّم المريض من خلال هذا العلاج أيضاً كيفية تحدّي أفكاره السلبية، وتطوير استراتيجيات أفضل للتعامل مع القلق، وهذا النوع من العلاج يمكن أن يُكمل العلاج بالتعرُّض؛ ممّا يُقلِّل القلق المُرتبِط بمرور الوقت، ويمكنه تطبيق بعض هذه التقنيات بنفسه، مثل: تدوين الأفكار السلبية وتحدّيها، وممارسة تمارين الاسترخاء.
مع التنويه إلى ضرورة فهم أنَّ العلاج الذاتي قد لا يكون بالفاعلية نفسها التي يضمنها العلاج مع مُتخصِّص، وخاصَّة في الحالات الشديدة أو المُعقَّدة؛ لذا، يُنصَح باستشارة المُتخصِّص؛ للحصول على أفضل النتائج، وضمان السلامة النفسية.
العلاج النفسي: فهم أعمق للمخاوف وتطوير استراتيجيات التعامل
يُعَدّ العلاج النفسي وسيلة فاعلة لعلاج الكرونوفوبيا؛ إذ يساعد المُعالِجُ الفردَ في فهم مخاوفه والتغلُّب عليها؛ من خلال جلسات مُنتظَمة تهدف إلى تطوير استراتيجيات للتعامل مع القلق المُرتبِط بمرور الوقت.
ويختلف هذا النوع من العلاج عن العلاج المعرفي السلوكي بوصفه أكثر شمولية؛ إذ يتناول العلاج النفسي جوانب عِدَّة من حياة الشخص، وتاريخه، وعلاقاته، بينما يُركِّز العلاج المعرفي السلوكي على تغيير الأفكار والسلوكات المُرتبِطة مباشرة بالخوف من الوقت.
العلاج الدوائي: للسيطرة على الأعراض الحادَّة
على الرغم من عدم وجود دواء مُخصَّص لعلاج الكرونوفوبيا، فإنَّ بعض الأدوية قد تسيطر على نوبات الهَلَع، أو تُعالِج اضطرابات الصحّة النفسية المُصاحِبة؛ كالاكتئاب، أو الاضطرابات المزاجية المُرتبِطة بالخوف من الوقت، ويُعَدّ العلاج الدوائي جزءاً من خُطَّة علاجية شاملة تضمّ أساليب العلاج النفسي الأخرى؛ إذ يُخفِّف الأعراض الحادَّة للقلق؛ ممّا يساعد المريض على المشاركة أكثر في العلاجات النفسية.
ولا بُدّ هنا من ضرورة استخدام الأدوية تحت إشراف طبّي دقيق، مع التنويه إلى أنَّها ليست حَلّاً دائماً، بل وسيلة تُسهِّل العلاج والتعافي من الكرونوفوبيا، ويُنصَح بمناقشة الخيارات الدوائية مع مُقدِّم الرِّعاية الصحِّية؛ لضمان فعالية العلاج، وسلامة المريض.
وفي الختام، يُنصَح بالتعامل مع الكرونوفوبيا بجدِّية، وطلب المساعدة المهنية عند الحاجة؛ فمع الدعم والعلاج المُناسِبَين، يمكن تحسين نوعية حياة المُصابين به، ومساعدتهم في التغلُّب على مخاوفهم المُرتبطة بمرور الوقت.
المراجع
[1] clevelandclinic.org, Chronophobia (Fear of Time)
[2] choosingtherapy.com, Chronophobia (Fear of Time): Symptoms, Treatments, & How to Cope
[3] verywellhealth.com, Understanding Chronophobia: A Fear of Passing Time
[4] healthline.com, What are the Symptoms of Chronophobia and Who’s at Risk?
[5] wellandgood.com, If the Passing of Time Totally Freaks You Out, You May Have Chronophobia