جار التحميل...
كما قد يكون الفضول سبباً في السعادة، حتى وإن كانت سعادة لحظيّة، فالإنسان فضوليّ تجاه التجارب الممتعة والمشوّقة، إضافةً إلى أنّ الفضول يُخفّض مستويات القلق، وذلك لدوره في إشباع تلك الغريزة في الرغبة الدائمة في معرفة المزيد عن الأشياء.
والفضول سمة فطريّة تجاه المعرفة والفهم، وهي القوة الدافعة وراء تطوّر الأفراد، والمحفزة للتعلّم، والمؤثرة في اتخاذ القرارات وحل المشكلات، ولم تخمد شعلة الفضول لدى الإنسان قطّ، لدرجة أنّه أصبح فضولياً تجاه فضوله نفسه، فبحث في ماهيته، وأسبابه، وحاول الوصول لأعمق الجذور بخصوصه.
يُعرَّف الفضول (Curiosity) لغوياً بأنّه الرغبة المُلحّة للتعرّف إلى شيءٍ ما، وفهم أسباب حدوثه، ومعرفة المزيد من المعلومات عنه، وبمعنى آخر يُمكن القول إنّه "وسيلة لجمع المعلومات"، على سبيل المثال عند رؤية علبة مغلقة، فإنّ الفضول سيُشعل رغبةً شديدةً في معرفة ما يوجد في داخلها، أو عند زيارة أحد المعالم التاريخية، فإنّ الفضول سيدفع إلى طرح الأسئلة حول كيفية بناء هذا المَعلَم، وإلى متى يعود تاريخ بنائه.
ومن منظور علم النفس، يُوصَف الفضول بأنّه "الدّافع نحو إدراكٍ أفضل"، كما لا يتعلق بإشباع حاجةٍ فورية، مثل الجوع أو العطش؛ بل هو دافع داخلي، نابعٌ من أعماق النفس.
ومن الجدير بالذكر أنّ الجميع يتّسم بالفضول، لكن بدرجاتٍ متفاوتة، كما أنّ الفضول غالباً يرتبط بالذكاء والقدرة على حلّ المشكلات، وبالتالي الأداء العالي ضمن البيئة المحيطة أياً كانت، ويؤدي إلى النموّ المعرفيّ، إذ إنّ العلاقة بين الفضول والمعرفة طردية، فكلما تعلّم الإنسان أكثر، زاد الفضول لتوسيع مساحة المعرفة لديه أكثر أيضاً.
هناك دوافع عِدّة خلف الفضول لدى الإنسان، وقد جرى تصنيف هذه الأسباب ضمن خمسة أبعاد كما يلي:
يكون الدافع وراء الفضول هنا هو استكشاف الأشياء، وتكوين معرفة جديدة بطريقةٍ ممتعة ومسلية، بغض النظر عن العواقب، هو فضول مبنيّ على المغامرة والمخاطرة نوعاً ما، لكنّه ممتع، مثلاً فضول البعض للغوص في البحر والتعرّف إلى كائناتٍ بحريّة جديدة، أو السفر إلى مدينةٍ جديدة لمعرفة المزيد عن تاريخها.
على عكس الفضول المرتبط بالاستكشاف والمتعة، أحياناً يكون الفضول بسبب شعور داخليّ بالقلق والتوتر بسبب نقص المعلومات عن موضوعٍ معين، إذ يتجاوز الفضول كونه مجرد رغبة في معرفة معلومات إضافيّة، إلى كونه حاجة مُلحة لسدّ الفجوات والنقاط المُبهمة حول شيءٍ ما، من الأمثلة على ذلك محاولة حل مشكلةٍ ما شخصية، أو في العمل، أو محاولة فهم موضوعٍ صعب في إحدى المواد الدراسية.
قد يكون سبب الفضول هو الرغبة في استكشاف الأفكار الجديدة، دون الاعتماد على تجارب سابقة، إذ يكون الاستكشاف هنا مبنيّاً على المخاطرة، دون خوف من الفشل، والوعي بالمشاكل المحتملة، والاستعداد للتعامل مع الضغط، وتحمل القلق والتوتر الناتج عنه، ومن الأمثلة على ذلك الفضول للمغامرة في فكرة مشروعٍ رياديّ جديد لم يسبق لأحدٍ أن قام به، إذ ستكون هناك تحديات تُسبّب القلق والتوتر، لكنّها ستُسهم في التعلّم من التجربة والتطوّر.
يرجع هذا الدافع في الفضول إلى الحاجة لبناء العلاقات وتكوين الروابط مع الآخرين، واكتساب المعرفة من خلالها، عن طريق الاطلاع على الثقافات الأخرى، ووجهات النظر المختلفة، أي أنّه يعتمد على العلاقات مع الآخرين أساسياً، على عكس الفضول القائم على "الحساسية من عدم المعرفة" الذي يعتمد على الاستقلالية.
ومن الأمثلة على ذلك التعرّف إلى الطلاب الأكبر سنّاً في الجامعة؛ للاستفادة من تجاربهم السابقة في المواد الدراسية والامتحانات، أو محاولة تعلّم لغة معينة عن طريق التبادل اللّغوي مع أشخاصٍ ناطقين بها.
لا يرتبط دافع الفضول هذا بالرغبة في معرفة المعلومات، لكنّه مرتبط بتجربة الشعور بحدّ ذاته، إذ تأتي دوافع الفضول هنا من الرّغبة في تجربة مشاعر التشويق، والإثارة، والمغامرة، دون ارتباطها بتكوين معرفة أو خبرة جديدة، مثل تجربة القفز بالمظلات وتسلّق الجبال.
على الرغم من فوائد الفضول المتعددة، وأهميته في تحفيز العقل على التفكير، وتعزيز قدرته على الاستكشاف المستمر، إلّا أنّ له أيضاً جانباً مظلماً، يتمثل في الرغبة في معرفة التفاصيل عن كل شيء، مما قد يدفع إلى تبنّي أفكار زائفة وقبولها فقط لسدّ النقص في المعلومات.
وعموماً حثّ الإسلام على الفضول الإيجابي الذي يدفع إلى العلم النافع لتطوير الذات والمجتمع ككل، وفي المقابل حذّر من الفضول السلبي الذي يؤدي إلى التطفّل على حياة الآخرين، وكذلك تبني معلوماتٍ مغلوطة ومخالفة للعقيدة والحقائق الإيمانية.
المراجع
[1] ncbi.nlm.nih.go, The psychology and neuroscience of curiosity
[2] oxford-review.com, the 5dc dimensions of curiosity and the curious people
[3] psychologytoday.com, What Are the Five Dimensions of Curiosity?
[4] authentichappiness.sas.upenn.edu, strength is Curiosity
[5] greatergood.berkeley.edu, Six Surprising Benefits of Curiosity