جار التحميل...
ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب؛ إذ تُعَدّ من الصفات الشخصية المحمودة في الإسلام؛ لما لها من أثرٍ إيجابي في الالتزام بالعبادات التي تتطلّب مجهوداً؛ كالصيام والحجّ، والتغلُّب على العادات السيّئة؛ كالغيبة، والنميمة، كما أنّها إحدى العلامات الفارقة بين مَن يستسلم عند مواجهة العقبات، وبين أصحاب الهِمَّة الذين يستمِرّون في المُضِيّ قُدُماً؛ لأنَّهم يُدركون أنّ هناك فرصاً أخرى أفضل في انتظارهم.
قوّة الإرادة (Willpower) مصطلحٌ يُستخدَم للتعبير عن العَزم والإصرار والانضباط الذاتي، وهي المُثابَرة في ممارسة عملٍ ما على الرغم من التحدِّيات والصعوبات التي تُعيق التقدُّم فيه.
ويجدر بالذكر أنّ علماء النفس يُعرِّفونها بأنّها مرادفة لتعبير ضبط النفس، وتمثّل تحديداً القدرة على رفض الانغماس في الرغبات، ومقاومة الإغراءات قصيرة المدى؛ بهدف تحقيق أهداف مُعيَّنة على المدى البعيد، وتُعرف أيضاً بأنّها القدرة على تجاوز فكرة أو شعور أو دافع غير مرغوب فيه في الوقت الراهن، والتحلّي بالصبر والحِلم بدلاً من العصبية أو الغضب تجاه أمرٍ ما.
تؤثّر قوّة الإرادة في أداء الكثير من الأمور المهمّة في الحياة، ومن أبرزها ما يأتي:
تُتيح قوّة الإرادة السيطرة على الكثير من الأعمال اليومية، وإنجاز المهامّ والمسؤوليات المطلوبة بهِمَّةٍ وعَزم دون تسويفٍ أو مُماطَلة، كما أنّها أمرٌ حاسمٌ عند الشُّروع في رحلة تنمية الذات وتحسينها؛ إذ تمنح رؤية واضحة للرَّغبات، والأفكار، والعواطف، والسلوكات، واختيار روتين وعادات يومية تتماشى مع ما يخدم رحلة التطوّر، بما في ذلك التحكُّم أكثر في رُدود الأفعال والمشاعر تجاه المواقف اليومية الصعبة، ومقاومة الإغراءات، والتركيز على تحقيق الأهداف مهما كانت بسيطة، مثل الالتزام بممارسة الرياضة اليومية، أو القراءة والمطالعة.
ويجدر بالذكر أنّ ممارسة السلوكات المرغوبة والمطلوبة باستمرار يساعد في تحويلها تدريجيّاً إلى عاداتٍ تلقائية، ويُسهِّل الحفاظ عليها مع مرور الوقت.
من مُميّزات امتلاك قوّة الإرادة أنّها تُمكِّن من بلوغ الأهداف وتحقيق الغايات على الرغم من العقبات والصعوبات التي تظهر في الطريق، كما أنّها تجعل الطريق واضحاً، وترسم أهدافاً مُحدَّدة في الحياة؛ من خلال إمكانية التفكير والتخطيط؛ سواءً على المدى القريب، أو البعيد، والتصرُّف وفقاً لذلك قبل اتِّخاذ أيّ إجراء، كما أنَّها تمنح الثقة للاستمرار والمثابرة؛ من خلال معرفة الحدود والقدرات الشخصية، ومعرفة ما يجب تعزيزه، والقوّة لمواجهة التحدِّيات، ولا يتعلَّق الأمر فقط بامتلاك القوة لاستكمال الأهداف، أو التطلُّع إلى ما بعدها، بل يتعلّق أيضاً بالقدرة على عدم فعل الأشياء غير المفيدة، أو التي لا تخدم التطوّر حاليّاً.
يُعَدّ ضبط النفس جوهر قوّة الإرادة، ومن أهمّ ما يُسهم في تحسين المستوى الدراسي؛ لأنّ حلّ الواجبات ومتابعة الدروس أوّلاً بأوّل يُعَدُّ تحدّياً للطلّاب جميعهم من مختلف الفِئات العُمرية، لذا فإنّ من يمتلك قوّة إرادة تدفعه إلى الجلوس ساعات طويلة للدراسة، ومقاومة ما يُشتِّته عنها، ويَعُدُّ أيّ تحَدٍّ فرصةً للنُّمُوّ والتعلُّم، من شأنه أن يتفوّق ويتقدَّم دِراسِيّاً.
تُعَدّ قوّة الإرادة مفيدةً لمختلف المِهنيِّين؛ سواء كانوا رُوّاد أعمال، أو تُجّاراً، أو مُوظَّفين؛ لأنّ القدرة على الالتزام بضبط النفس تتناسب طردِيّاً مع زيادة حجم الأداء وتميُّزه، كما أنَّ الرغبة في النجاح تُحفِّز وضع أهداف مهنية وخُطط قابلة للتنفيذ والالتزام بها، وبالتالي تَكمُن أهمّيتها في وقف المُماطَلة، ومُحارَبة الكسل في الإنجاز، ورفع الإنتاجيّة؛ بتشجيع النفس على فعل ما يجب فِعله بدلاً من تمنّي فِعله فقط، بالإضافة إلى أهمّيتها في البحث الدائم عن فرص التطوير وصقل المهارات المهنية، ممّا يفتح المجال للتقدُّم والحصول على فرص وظيفية أفضل.
من الشائع جدّاً أن يحتاج أيّ شخص في فترةٍ من فترات حياته إلى الالتزام بنظامٍ غذائيٍ مُحدَّد، وخاصَّة عند التعامل مع الحالات المرضية المُزمِنة، مثل: السكّري، وارتفاع ضغط الدم، والتهاب المفاصل، وامتلاك قوّة الإرادة جزءٌ مهمّ جدّاً يساعد على الالتزام بالتعليمات الطبِّية، وتقليل وقت العلاج، ويُشار إلى أنّ كلّ فرد يحتاج إلى قوّة الإرادة كي يلتزم بحياة صِحِّية دون وجود حالة مرضية حتّى؛ من خلال اختيار الأطعمة الصحِّية، وتقليل تناول الأطعمة المَقلِية المليئة بالدهون، أو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية لممارسة التمارين، أو تقليل تناول السكّر والحلويات، أو غير ذلك.
وختاماً، تُعَدُّ قوّة الإرادة مَورداً محدوداً، وقد تكون ضعيفة عند البعض وقابلة للاستنزاف؛ لأنَّها تتأثّر بالعواطف التي تتحكَّم في مُستَويات التحفيز والعزم والإصرار، كما أنّ التعب وقِلَّة النوم يُؤثّران سلباً في قوّة العزيمة، بالإضافة إلى التجارب الفاشلة السابقة العالِقة في الذهن، وممارسة الأعمال والروتين نفسه يوميّاً دون محاولة الخروج من منطقة الراحة أو حتى تجربة أمور جديدة، والمبالغة في إرضاء الآخرين، كُلّها أمور تُضعِف قوّة الإرادة وتُؤثّر فيها سلباً.
ويُشار إلى أنّه لا حاجة إلى القلق من عدم امتلاك ما يكفي من قوّة الإرادة؛ إذ يمكن اتِّخاذ كثيرٍ من التدابير العملية لتحسينها، مثل: التركيز على المستقبل وعدم الانشغال بالماضي؛ بوضع أهداف مُحدَّدة وقابلة للتحقيق، وربطها بقِيَمٍ جوهريّة؛ لأنَّ تحقيق الأهداف مهما كانت صغيرة؛ كتقليل وقت استخدام الهاتف، أو الاستيقاظ قبل ساعة من الموعد اليوميّ، يُنمّي الإرادة والإصرار لتحقيق الأهداف الكبيرة، بالإضافة إلى التذكُّر دائماً أنّ الفشل أمرٌ وارد، والهدف منه هو التعلُّم من الأخطاء والمُضِيّ قُدُماً، وليس الاستسلام.