جار التحميل...
وبما أنَّنا علمنا أنّ شعور السعادة يرتبط بهرمونات مُعيَّنة في أجسامنا، فكيف نرفع من مستوياتها لتمنحنا هذا الشعور؟
تؤثِّر ممارسة التمارين الرياضية بانتظام إيجاباً على الرفاهية العاطفية والنفسية؛ بالتأثير على الهرمونات والنواقل العصبية في الجسم؛ فعند ممارسة التمارين الرياضية، يجري إفراز الإندورفين الذي يرتبط بالشعور بالنشوة والسعادة، ورفع مستويات الدوبامين والسيروتونين، ممّا يزيد الشعور بالمُتعة وتحسين المزاج.
وفيما يتعلَّق بالمدَّة الزمنية اللازمة لممارسة التمارين الرياضية التي تُعزِّز إفراز هرمونات السعادة، فبالرغم من أنّ أيّ مقدار من الأنشطة الجسدية سيكون مفيداً، إلّا أنّ دراسة نُشِرَت عام 2022 على موقع (PubMed Central)، وجدَت أنّ ممارسة مستوى عالٍ من التمارين الرياضية المُتوسِّطة إلى عالية الكثافة باستمرار؛ كالجري، وركوب الدرّاجة الهوائية، تؤدّي إلى زيادة أكبر في هرمون الإندروفين الذي يمنح شعور السعادة، وبالتالي يُنصَح بالحصول على ما لا يقلّ عن 30 دقيقة من التمارين الهوائيَّة في كلّ مرَّة؛ للاستفادة القُصوى من فوائد الإندورفينات واللياقة البدنية، إضافة إلى ممارسة الرياضة في الهواء الطَّلق وتحت أشعَّة الشمس المُعتدِلة؛ بهدف تحفيز إطلاق هرمون السيروتونين تحديداً.
إنّ المشاركة في الأنشطة المُمتِعة؛ كزيارة أماكن جديدة، أو الحصول على تدليك مُريح، أو ممارسة أيّ نوع من الأنشطة مع الأصدقاء أو العائلة؛ كالطَّبخ، ومشاركة الوجبات مثلاً، يمكن أن يساعد على إنتاج هرمونَي السيروتونين والإندورفين اللذَين يُعَدّان أساسِيَّين للشعور بالسعادة، والتخفيف من شعور التوتُّر والضغوط اليوميَّة.
كما أنَّ الضحك مع الآخرين، ومشاركة المواقف المُضحِكة معهم؛ كمُشاهَدة فيديوهات مُضحِكة، أو قراءة النِّكات، من الأمور المُوصى بها؛ لتأثيرها الإيجابيّ على الصحَّة العقلية والعاطفية، وقدرتها على تخفيف مشاعر القلق والتوتُّر، وتعزيز الروابط الاجتماعية، ممّا يُحفِّز إنتاج هرمونات السعادة، وأبرزها الأكسيتوسين.
علميّاً، يمكن أن تساعد الأشعَّة فوق البنفسجية (UV)، والحصول على فيتامين "د" من الشَّمس، على تحفيز إنتاج السيروتونين الذي يضطلع بدور مُهِمّ في تنظيم المزاج، والشعور بالراحة والسعادة.
لذا، يُنصَح بقضاء بعض الوقت في الهواء الطَّلق، والتعرُّض للشمس -حوالي 15 دقيقة على الأقلّ عدَّة مرّات في الأسبوع-؛ لزيادة إنتاج السيروتونين، مع التنويه إلى ضرورة تجنُّب التعرُّض لأشعَّة الشمس في الفترة الواقعة بين الساعة 10:00 صباحاً والساعة 3:00 عصراً؛ لأنَّ تأثيرها السلبيّ يطغى على الإيجابيّ في هذه الفترة، إلى جانب الحرص على استخدام واقي الشَّمس؛ للحَدّ من مخاطر التعرُّض المُفرِط لأشعتها.
لممارسة التأمُّل فوائد صحِّيّة مُتعدِّدة، منها تحسين النوم، وتقليل التوتُّر؛ إذ ربطت العديد من الدراسات التأمُّل بإنتاج هرمون الدوبامين الذي يُعَدّ جزءاً من نظام المكافأة في الدماغ، ويسهم في تحسين المزاج والشعور بالرضا، وإفراز الإندورفينات التي تمنح شعور الراحة والسعادة، ومنها دراسة نُشِرت عام 2019 في موقع (PubMed Central).
ولا تُعَدّ ممارسة التأمُّل صعبة كما تبدو؛ إذ يمكن البدء بذلك في أيّ وقت بمُمارَسات بسيطة؛ كالتركيز على التنفُّس ببطء وبعُمق، أو اختيار مكان هادئ للجلوس فيه براحة تامَّة، وقد يكون التأمُّل بجَذب الأفكار الإيجابية، ودفع الأفكار السلبيَّة وعدم الاكتراث لها.
النوم الجيِّد عنصر أساسيّ للصحَّة العامَّة، وعدم الحصول على كمِّية كافية منه يمكن أن يُؤثِّر على التوازن الهرمونيّ في الجسم، بما في ذلك هرمون الدوبامين الذي يؤثِّر على المزاج والصحَّة البدنية؛ لذا يُشجَّع عادةً على تخصيص 7 إلى 9 ساعات من النوم كلّ ليلة؛ لاستعادة توازن الهرمونات في الجسم.
ويُنصَح الأشخاص الذين يجدون صعوبة في النوم بالنوم والاستيقاظ في الوقت نفسه يوميّاً؛ لتنظيم ساعة النوم البيولوجية في الجسم، وتجهيز بيئة مريحة للنوم، مثل: تخفيف الإضاءة، والابتعاد عن الإزعاج والمُشتِّتات، إضافة إلى تقليل كمّية الكافيين الداخلة إلى الجسم، خاصَّة في المساء.
يُمثِّل العِناق بين الأشخاص؛ كالزوج والزوجة، أو الأم وأطفالها، أو الأخوة أو الأصدقاء، وسيلة للتعبير عن الحبّ والعناية والارتباط العاطفي.
وعلميّاً، يمكن أن تساعد وسائل التعبير عن الحبّ، وخاصَّة العِناق، في تحفيز إفراز العديد من الهرمونات المُرتبِطة بالسعادة والرضا العاطفيّ من الدوبامين، والأكسيتوسين، والإندورفين، والتي تُحفِّز بدورها مشاعر السعادة والارتباط بين الأشخاص.
يؤثِّر التوتُّر المُستمِرّ والإجهاد سلباً على الصحَّة العقلية والجسدية، كما قد يؤدّي إلى انخفاض مُستَوَيات الهرمونات المُرتبِطة بالسعادة، مثل الدوبامين، والسيروتونين، وبالتالي زيادة الشعور بالحزن، والتوتُّر، والاكتئاب.
وعليه، فإنَّ من المهمّ الحصول على استراحة قصيرة من مُسبِّبات التوتُّر؛ سواء بالجلوس فقط، أو بمُمارسة بعض الأنشطة المُمتِعة والمُريحة، فمن شأن هذا الأمر أن يساعد الجسم على استعادة التوازن، وزيادة إفراز هرمونات السعادة، وبالتالي تحسين المزاج، والشعور بالراحة والسكينة.
قد تؤثِّر بعض الأطعمة على مُستَوَيات هرمونات السعادة؛ الدوبامين، والإندورفينات، والأكسيتوسين، والسيروتونين؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن تُحفِّز الأطعمة الحارَّة إطلاق الإندورفينات، بينما قد ترتبط الأطعمة الغنيَّة بالتريبتوفان، مثل الدجاج، والديك الرومي، والمأكولات البحرية، بزيادة مُستَوَيات السيروتونين، إضافة إلى التأثير الإيجابيّ للأطعمة النباتية، مثل: بذور اليقطين، والسمسم، والفستق، واللوز، ومُنتَجات الألبان الغنيَّة بالبروبيوتيك، وبعض أنواع الفاكهة؛ كالتوت، والموز، والأفوكادو، على إفراز هذه الهرمونات.
حسب ما نشره موقع (Harvard Health Publishing) التابع لكُلِّية الطبّ في جامعة هارفارد، فإنَّ تناول مُكمِّلات هرمونات السعادة بالنسبة لمعظم الأشخاص ليس ضروريّاً، وهو يُحذِّر من اللُّجوء إلى تناولها مباشرة دون استشارة الطبيب المُختَصّ؛ فالطبيب هو المسؤول عن تأكيد وجود مشكلة أو نقص فعليّ في هذه الهرمونات؛ إذ يمكن أن تُسبِّب بعض المُكمِّلات آثاراً جانبيَّة غير مرغوب فيها، وفي بعض الحالات يمكن تكون خطرة على الصحَّة، وعليه، يُوصَى باتِّباع الطُّرُق الطبيعيَّة التي تزيد مُستَوَيات الهرمونات التي تمنح شعور السعادة والرضا، والتي ذُكِر أبرزها سابقاً، إضافة إلى استشارة الطبيب في الحالات الصَّعبة.
وفي الختام، يجب إدراك أنَّ السعادة في مُتناوَل اليد، وهي تعتمد على اختيارات الفرد وسلوكاته؛ لذا من المهمّ البحث عن الأنشطة التي تزيد من الشعور بالسعادة والتركيز عليها؛ للحفاظ على الصحَّة العقلية والعاطفية.
[1] geisinger.org, Boost your happy hormones the natural way
[2] healthline.com, How to Hack Your Hormones for a Better Mood
[3] samitivejhospitals.com, 8 key factors behind the production of happiness hormones
[4] health.harvard.edu, Feel-good hormones: How they affect your mind, mood, and body
[5] parkinsonsnsw.org.au, Four Happy Hormones