جار التحميل...
يُشير الذكاء الثقافي (Cultural Intelligence) إلى القدرة على الفهم العميق والتواصل الفعّال مع الثقافات المختلفة، واستيعاب عاداتهم ومعتقداتهم، وفهم لغة أجسادهم، وكيف يُعبّرون عن عواطفهم
ولا يقتصر مفهوم اختلاف الثقافة على الشعوب والبلاد، بل يشمل أيضاً الاختلاف الثقافي بين الأجيال أو بين الأقسام في بيئة العمل الواحدة، أو حتى الاختلاف الذي يشعر به موظف جديد يحاول الاندماج مع ثقافة الشركة التي انضم إليها، حيث تكون لكل مجموعة ثقافية المعاني والإشارات والسلوكيات التي تتميز بها.
فيما يلي مجموعة من النقاط التي توضح أهمية الذكاء الثقافي:
يُتيح الذكاء الثقافي التعبير عن الأفكار والمشاعر بطريقةٍ تتناغم مع الخلفيات الثقافية المتنوعة، مما يُسهم في إيصال المعلومات وفهمها بفعالية، حتى في ظل وجود حواجز لغوية أو اختلافات في العادات والتقاليد، ويساعد أيضاً في استيعاب المعاني الضمنية خلال التفاعلات والمحادثات.
على سبيل المثال من الشائع في بعض الدول استخدام الإشارات غير اللفظية أو تعابير الوجه للتعبير عن الرفض، مثل هزّ الرأس، أو الصمت، أو التردد في الإجابة، بينما في دولٍ أخرى يُعبَّر عن عدم الرضا بشكلٍ واضحٍ وصريح باستخدام الكلمات ودون أيّ تلميح، مثل قول: "لم تعجبني هذه الفكرة"، وفهم هذه الاختلافات الدقيقة يُعزز التواصل، ويمنع سوء الفهم الذي قد ينتج عنه الكثير من الأخطاء أو النزاعات.
وهذا التواصل الفعّال يقود إلى بناء شبكة علاقات قوية، سواءً كانت علاقات شخصية أو في العمل؛ لأنّه سيكون هناك تقارب في القيم، وفهم وتعاطف مع وجهات النظر المختلفة، ويخلق أفراداً أكثر قدرة على النقاش والتفاوض، ويميلون إلى تجنّب إصدار الأحكام السريعة على الآخرين.
قد يُواجه البعض موقفاً يَستخدم فيه أحد الأصدقاء أو زملاء العمل من ثقافةٍ مختلفة العناق كشكلٍ من أشكال الترحيب، بينما يُفسّر البعض هذا التصرّف على أنّه تدخل في المساحةِ الشخصية.
لكن من يتمتع بذكاءٍ ثقافيٍ عالٍ لن يستجيب بشكلٍ دفاعي، أو يُصدر حكماً سريعاً على مثل هذه المواقف، بل سيسعى لفهم الدواعي الثقافية لهذا السلوك، وفيما إذا كان عادةً مُتعارفاً عليها في ثقافة هذا الزميل مثلاً أم لا، بدلاً من التهرّب أو الشعور بعدم الارتياح، وهذا التفاعل الإيجابي مع الاختلافات السلوكية يُعزز التفاهم، ويفتح أبواباً لبناء علاقاتٍ أفضل أساسها الودّ والاحترام.
يكون الأفراد ذوو المستوى العالي من الذكاء الثقافي أكثر قدرة على فهم وتقييم المواقف التي تتضمن وُجهات نظر متعددة والتكيّف معها، مما يُحسّن لديهم مهارة اتخاذ القرارات، ويصبحون أكثر قدرة على التعامل مع متطلبات العمل المختلفة.
على سبيل المثال قد يُفضِّل بعض المديرين في ثقافةٍ ما الالتزام بالمواعيد النهائية بدقة، بينما يُفضِّل آخرون نهجاً أكثر مرونة، من خلال فهم هذه الفروق الثقافية، يستطيع الأفراد ذوو الذكاء الثقافي التكيّف مع أسلوب عمل المدير وثقافته، واتخاذ قرارات تتماشى مع توقعاته، مما يُعزز فرصهم في النجاح في المشاريع، وتحقيق نتائج إيجابية.
إنّ التنوع الثقافي الذي يسوده التفاهم والتناغم بين خلفياتٍ متعددة، يُعدّ بيئة مثالية تُحفّز الابتكار والإبداع، من خلال الانفتاح على وجهات النظر والتعاون لتقديم حلول وأفكار إبداعية تغطي جوانب متعددة، وهذا ما يجعل الذكاء الثقافي مهارة مهمة، لا سيما في بيئة العمل والشركات، حيث تمنح الفرد ميزة تنافسية، وقدرة على دخول أسواق جديدة، وتلبية احتياجات الثقافات والأذواق المختلفة.
علاوةً على ذلك فإنّ أماكن العمل التي تركز على الذكاء الثقافي تُصبح أكثر جذباً لأصحاب المواهب المتنوعة، وأكثر قابلية للاحتفاظ بهم، حيث يشعر الموظفون في مثل هذه البيئات بالتقدير والفهم، مما يُعزز رغبتهم وقدرتهم على التطوّر والإبداع.
ختاماً، يُمكن تطوير الذكاء الثقافي بطرقٍ متنوعة، مثل تعلّم لغة الثقافات الأخرى، وقراءة كتب حول الثقافات المختلفة والأدب العالميّ، وكذلك السفر، وزيارة أماكن جديدة، والتحدّث مع الأشخاص من مختلف الخلفيات، وبشكلٍ عام توجد العديد من الموارد التعليمية التي تساعد على تعلّم الذكاء الثقافي، بما في ذلك الكتب والدورات التدريبية.
ومثل أيّ مهارة أخرى، يتطلب تطوير الذكاء الثقافي الصبر والمرونة والرغبة الحقيقية في التعلّم، ويُمكن البدء بممارسته بطرقٍ بسيطة مثل إجراء محادثات قصيرة مع أفراد من ثقافات مختلفة، حيث تُعدّ مبادرة لطيفة تُعزز التواصل وتَخلق أجواءً من القُرب والفهم المُتبادل.
المراجع
[1] hbr.org, Cultural Intelligence
[2] glion.edu, Understanding Cultural Intelligence
[3] extension.psu.edu, Cultural Intelligence in the Workplace
[4] klepper.edu.au, Cultural Intelligence in Business: Why It Matters and How to Develop It
[5] diversitas.co, Why Cultural Intelligence is so Important