جار التحميل...
يقوم الحوار في أساسه على النقاش المتبادل بشكل منظم وهادئ، وحتى يحقق هذا المفهوم المعاني الراقية التي ينطوي عليها ويكون ناجحاً وهادفاً، لا بد من تطبيق آدابه، فما هي آداب الحوار؟ وما أهميتها لنجاح الحوار مع الآخرين؟
إنّ التركيز في الحوار والاهتمام بالطرف المتحدث من أهم آداب الحوار، فعندما يُظهر الشخص الانتباه لما يقوله الطرف الآخر، فإنه يظهر له الاحترام والتقدير، مما يعزّز هذا من فرص نجاح الحوار وتحقيق أهدافه، ويمكن إظهار الاهتمام بالطرف المتحدث أيضاً عبر لغة الجسد، مثل النظر المباشر إليه، وتوجيه الانتباه بتحريك الرأس أو الإشارات البسيطة، بالإضافة إلى التفاعل بما يعبّر عن فهم وتقدير المحادثة.
من الأخطاء الشائعة في الحوار العبث في الهاتف أو التشتت والتحدث مع شخص آخر خارج الحوار دون استئذان، فهذا يُظهر عدم الاحترام للطرف المتحدث، وغالباً ما يسبب له الانزعاج، وكما قالت الكاتبة والصحفية سيليست هيدلي: "إذا كنت تريد الخروج من الحوار، فاخرج، ولكن لا تكن موجودًا في المنتصف؛ جسدك هنا وعقلك في مكان آخر".
يعد الاستماع بشكل فعّال وممارسة مهارة الإنصات إلى الآخرين من الأمور المهمة خلال الحوار، فهذا يساعد على فهم أبعاد الفكرة، وقصد الطرف الآخر في الحوار، والرسالة التي يريد إيصالها، وهنا سيكون الحوار موضوعياً ومبنياً على استيعاب الآخر، وليس انتظار وقت الهجوم وإثبات الرأي المعاكس فقط.
وقد وضّح ستيفن كوفي في كتابه العادات السبع للناس الأكثر فعالية، حين قال: "معظمنا لا يستمع بهدف الفهم، بل نستمع بهدف الرد على الآخر"، فكثير من الأشخاص بالفعل يستمعون بشكل جيد، إلا أنهم يبقون منشغلين بكيفية تدبير حجة معاكسة لما يتحدث به الطرف الآخر، وهنا غالباً سيصل الأمر إلى الجدال الذي تحدثنا عنه سابقاً، على عكس الحوار الذي يركّز على فهم الآخر وما يريد إيصاله.
يمكن أن تؤدي مقاطعة الآخرين وكثرة الكلام دون الاستماع إلى إحداث خلل في عملية الحوار وتقليل فعاليته، فعملية الحوار تتطلب التوازن بين التعبير عن الأفكار والاستماع لآراء الآخرين، لذا فإنّ مقاطعة حديث الشخص الآخر أو عدم إتاحة الفرصة له للتعبير عن وجهة نظره يعبر غالباً عن عدم الاحترام، وقد يقلّل من رغبته بالمشاركة في الحوار.
كما أنّ الحوار الناجح مبني على تبادل الأدوار في الحديث، والتزام كل شخص بدوره، وتفادي الثرثرة التي تجعل أحد الأطراف يقاطع الآخر بهدف تسليط الضوء على نفسه فقط، دون التركيز على الموضوع الرئيسي.
يسهّل التعاون في الحوار عملية تبادل الأفكار ويجعل التواصل والحوار أكثر متعة، والنتائج أكثر إفادة وفعالية، فلا يجب محاورة الآخرين وكأن المعلومات لا شك فيها، أو التحدث بطريقة متعجرفة وكأنّ الطرف الآخر لا يفقه شيئاً في الموضوع، فمن الطبيعي في الحوار أن تختلف وجهات النظر، لذا يجب أن يستمع الناس لبعضهم البعض، ويتعاونوا على إدارة الحوار من ناحية الوقت وطرح الأفكار ومناقشتها بعقلانية للوصول إلى نتائج مفيدة.
تعد العفوية ميزة قيّمة في الحوار، ولكن يجب استخدامها بحكمة وتوازن، فحتى ينجح الحوار يتطلب دراسة ما يجب قوله وما يجب الاحتفاظ به؛ وذلك حفاظاً على مشاعر الآخرين وخصوصياتهم، أو حتى مراعاة لقدراتهم وحدود معرفتهم، كما من المهم التذكر أنّ الهدف من الحوار ليس الفوز بالنقاش أو التفوق على الآخرين، بل بناء التفاهم وتبادل الآراء بشكل موضوعي ومتكافئ.
لذلك، يجب تجنب فتح مواضيع النقاش التي قد تكون محرجة أو غير ملائمة، على سبيل المثال في بعض الأحيان لا يُحبّذ فتح موضوع نقاش مع شخص لا يمتلك أي معلومة حول الأمر، بهدف التفوق عليه، أو استبعاده والتقليل من شأنه.
الاحترام هو عنصر أساسي في آداب الحوار وأخلاقياته، ويجب أن يتجلى في كل جوانب التواصل بين الأفراد؛ سواء اللفظية، أو الجسدية، أو بالتواصل البصري، لذا يجب إظهار الاحترام من خلال طريقة التحدث والنظر إلى الطرف الآخر؛ كاستخدام الكلمات التي تعبر عن الاحترام والتقدير، مثل "بعد إذنك"، "شكراً على مشاركة رأيك"، والكلمات التي تظهر التفهم والاهتمام بآراء الآخرين مثل "عفواً، هل تقصد كذا وكذا"، "نعم، لقد فهمت ماذا تقصد".
كما يظهر الاحترام أيضاً في طريقة التعامل مع الآخرين أثناء الحوار، مثل تجنب التعدي على خصوصيتهم، أو لمسهم دون إذنهم.
إنّ آداب الحوار هي مفتاح للعلاقات الناجحة، وسرّ من أسرار البقاء الإنساني بمستوى حياة أرقى وأفضل، حيث إن الالتزام بآداب الحوار يساعد على كسب ودّ واحترام الآخرين، بل ويترك انطباعاً جيداً لديهم، وهو ما يمكن أن يضمن علاقات صحية وهادفة في مختلف مجالات الحياة.
كما أنّ جعل الحوار محاطاً بالآداب المذكورة سابقاً يمكن أن يجعله مثرياً لكل الأطراف، إما بحل المشكلات، أو تصحيح فكرة، أو كسب معلومة، ففي النهاية يعد الحوار الفعّال سبباً للتواصل، وتقرُّب الناس من بعضهم، حتى وإن اختلف الأطراف في وجهات النظر.
ليس هذا فحسب، فأحياناً تفتح هذه العلاقات الهادفة أبواباً أخرى غير المعرفة والتواصل وبناء العلاقات، مثلاً؛ قد يكون الالتزام بآداب الحوار فرصة جيدة لشغل الموظف إحدى الوظائف المتاحة، فقط لأنّ مهاراته الاجتماعية وقدرته على التواصل بفعاليّة لفتت الانتباه إليه وجعلته مرشحاً مثالياً للفرص الوظيفية المختلفة.
المراجع
[1] sidecarglobal.com, 10 Basic Rules for Great Conversations
[2] allen-faulton.medium.com, A Guide to Conversational Etiquette
[3] pumpum.app, 10 rules for open dialogue in your relationship
[4] rd.com, 12 Golden Rules of Conversation
[5] commonsenseethics.com, The 7 Rules of Good Conversation According to Cicero