جار التحميل...
يُطلَق على الخوف من التحدُّث أمام الجمهور عِلميّاً اسم (Glossophobia)؛ ويعني رُهاب اللِّسان، أو رُهاب الكلام؛ وهو أحد أنواع اضطرابات القلق المُستمِرّة والمُفرِطة، ويتَّسِم بالخوف الشديد من التحدُّث أمام الجمهور.
وتشمل أبرز أعراض هذا الرُّهاب ضعف نبرة الصوت، أو التأتأة، بالإضافة إلى أعراض جسدية أخرى، مثل: التعرُّق، والصُّداع، وزيادة مُعدّل ضربات القلب، وصعوبة التنفُّس، والشدّ العضليّ، والشعور بالحاجة إلى التبوُّل، ويتطلَّب علاجه تشخيصاً دقيقاً؛ لأنّ هذه الأعراض قد تكون مرتبطة بحالةٍ مرضية أخرى، وعادة ما يكون العلاج سلوكيّاً معرفيّاً (CBT) يشمل التعرُّف إلى الأفكار والمشاعر السلبية التي تُسهم في الخوف من التحدُّث أمام الجمهور، وتشجيع المُصاب على تغييرها واختيار أفكار أخرى أكثر إيجابيّة.
وقد يتجنَّب المُصابون بهذه الأعراض التحدُّث في الأماكن العامّة أيضاً، ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤثّر ذلك في أدائهم ونجاحهم في الدراسة أو مكان العمل؛ لأنّ غالبية الوظائف تتطلّب مستوى مُعيَّناً من التحدُّث أمام الجمهور، مثل المشاركة في الاجتماعات، أو تقديم العروض التقديمية للعملاء، وإذا كان الرُّهاب شديداً، فلن يكون المُصاب قادراً على أداء هذه المهامّ الضرورية.
يُمكن التحكُّم في أعراض رُهاب التحدُّث أمام الجمهور وتقليلها؛ من خلال خطوات عملية مدروسة، وتشمل الآتي:
عند التجهيز للخطاب، يجب أن يكون المُتحدِّث مُتمكِّناً من موضوعه؛ كأن يكون الموضوع ضمن اهتماماته أو يُثير شَغَفه؛ إذ سيكون من الأسهل عليه التحدُّث فيه وإثارة اهتمام الآخرين به، كما سيسمح للآخرين بالشعور بصدق المعرفة التي يريد مشاركتها، ويكون الاستعداد أيضاً بمعرفة الفئة العُمرية للجمهور، ومستوى تعليمه، وتوقُّع نتائج إيجابية، وتناول الطعام قبل الخطاب بساعات وليس قبله مباشرة، مع تقليل الكافيين؛ لأنَّه يزيد التوتُّر، والنوم ساعات كافية في الليل، والوصول إلى القاعة قبل بدء الخطاب مباشرة.
لا يعني التدريب حفظ الخطاب بحذافيره؛ لأنّ الحفظ يُعطي إحساساً زائفاً بالأمان، ويمنع التفكير بعفوية أثناء الخطاب، ومن شأنه أن يُحدِث ارتباكاً كبيراً عند نسيان عبارة أو فكرة، أو عند أيّ سؤال خارجي من الحضور، لذا من الأفضل أن يكون التدريب من خلال كتابة الأفكار الرئيسة فقط على ورقة جانبية، أو في العرض التقديمي، والتدرُّب على التحدُّث بطريقة ارتِجاليّة بدلاً من التركيز على كلّ كلمة.
وقد يكون التدريب عن طريق إلقاء الخطاب أمام المرآة؛ إذ يسمح للمُتحدِّث بملاحظة تعابير وجهه، وحركات جسمه، ومظهره العامّ، أو تسجيل مقطع فيديو بكاميرا الهاتف أثناء التدريب، ممّا يُمكِّنه من تحسين الأشياء التي لا تُعجِبه في طريقة تقديمه؛ كنبرة الصوت، أو النَّظر في اتِّجاه واحد طيلة الوقت، كما يُمكن إلقاء الخطاب أمام مجموعة من الأصدقاء أكثر من مرّة إلى حين تلاشي مشاعر الخوف القوية.
عند الاستعداد للخطاب، ينبغي الحرص على تضمينه أسئلة للجمهور؛ فهم جزء منه، كما أنّ تكرار الأفكار المهمّة على مسامعهم أمر ضروريّ جنباً إلى جنب مع التواصل البصري الفعّال؛ حتى لا يظهر المُتحدِّث منفصلاً عن جمهوره، بالإضافة إلى أنّ طرح القصص أداة تواصل قوية؛ لأنّها تُتيح للأشخاص التواصل مع تجربة من الحياة الواقعية، ولأشخاصٍ حقيقيّين، ويُمكن استخدامها لتوضيح النقاط الرئيسة، على ألّا يكون محتواها فُكاهيّاً أو ساخِراً جدّاً، أو يُشوِّه سُمعة أحد.
مع أنّ الجمهور جزء أساسي من الخطاب، إلّا أنّه لا ينبغي على المتحدث التركيز على كلّ ما يصدر عنهم، أو التفكير في آرائهم وردود أفعالهم طوال الوقت، وإلّا سيفقد تركيزه واستعداده للخطاب.
لا يُعَدّ الخوف مُجرَّد رَدّ فعل طبيعي على التحدُّث أمام الجمهور، بل يُمكنه تعزيز الأداء عند التعامل معه بشكل صحيح؛ فالتفكير مثلاً في أسوأ الاحتمالات التي يُمكن أن تحدث أثناء الخطاب، ومحاولة السيطرة على الموقف؛ بتجنُّبه أو تجنُّب التفكير فيه، يزيد الأمر سوءاً؛ إذ لا شيء يُرسِّخ الأمر في الذهن أكثر من محاولة تجنُّبه، لذا من الأفضل التفكير في المواقف السلبية التي قد تحدث، والتخطيط لكيفية التعامل معها بدِقَّة، وعند حدوثها بالفعل، لن يكون لها وقع مقلق بشكل ملحوظ.
وهناك طريقة أخرى للتغلُّب على مشاعر الخوف من التحدُّث أمام الجمهور من خلال إعادة صياغة الأفكار بطريقةٍ إيجابية أكثر، ومُخاطَبة الذات بالقول مثلاً: "أنا مُتحدِّث جيّد، ولديّ القدرة على إلقاء خطابٍ مُميَّز، والجمهور لن يَجِدني مُمِلّاً ولن يُلاحظ قلقي"، الأمر الذي يزيد الثقة بالنفس، ويُقلِّل الخوف أمام الناس.
يُمكن تقليل القلق والتوتُّر قبل البدء بالخطاب؛ من خلال التنفُّس بعُمق، وبشكل مختلف عن الطريقة الاعتيادية؛ كممارسة الشهيق البطيء، ثمّ الزفير الأبطأ، مع فترات قصيرة من قَطع النفس بينهما.
كما يُمكن ممارسة تمرين التنفُّس (4-7-8) الشائع أيضاً؛ لتهدئة الأعصاب، ويتمثّل في ممارسة الشهيق من خلال الأنف مع العَدّ إلى الأربعة، ثمّ حبس الأنفاس مع العَدّ حتى السبعة، ثمّ أخذ الزفير بقوّة مع العَدّ حتى الثمانية، كما لا بُدّ من الاسترخاء، أو أداء تمارين رياضية خفيفة؛ لتحسين تدفُّق الدم في الجسم، وإخراج الطاقة المكبوتة، وعند البدء بالخطاب، ينبغي التحدُّث ببُطء وهدوء؛ لأنّ الشخص القلِق يتحدَّث سريعاً.
وختاماً، التحدُّث أمام الجمهور مهارة لا تُقدَّر بثمن؛ لأنَّها تُمكِّن الأفراد من التواصُل بفعالية مع الجمهور؛ سواء كانوا مجموعة صغيرة، أو حَشداً كبيراً؛ فالخطابة في جوهرها تنقل رسالة المُتحدِّث بوضوحٍ وثقة وتأثير، وبالتالي تُعزِّز مهارات الاتِّصال، وتُمكِّن الأفراد من إيصال أفكارهم بدِقّة ووضوح، ممّا يُعزّز الثقة بالنفس والرضا عن الذات وبناء الشخصية القويّة ككل، وهذا يسهم في التغلُّب على الخوف في المواقف الأخرى.
[1] verywellmind.com, Glossophobia or the Fear of Public Speaking
[2] osmosis.org, Glossophobia
[3] briantracy.com, How Overcome Your Fear Of Public Speaking
[4] psychologytoday.com, Overcoming the Fear of Public Speaking
[5] healthline.com, Glossophobia: What It Is and How to Treat It