جار التحميل...
والسبب في أهمّيته أنّ الفرد وحده يحتاج إلى وقت طويل للتوصُّل إلى حلّ، وقد يتعرّض للعديد من المشاكل إذا لم تكن قراراته مدروسة جيّداً، وعندما تتوصّل مجموعة من الأشخاص المُكلَّفين بمشكلة ما إلى حلّها، فإنَّ حلّهم يكون سريعاً ونتائجهم أفضل، وقد تبدو استراتيجيات أو طرق العصف الذهني غريبة وغير فَعّالة، إلّا أنّها مُثمِرة فعلاً.
وكما أنّ هناك أساليبَ تعلُّم مختلفة، وطرقاً مُفضّلة لأداء الأعمال تختلف من شخص إلى آخر، فإنّ لكلّ شخص طريقته المناسبة للعصف الذهني أكثر من غيرها، إلّا أنّ الشيء المشترك بينها والأكثر أهمية هو اتِّباع قاعدة "الكمّية على الجودة" مهما بدت الأفكار غير واقعية؛ لأنّ الهدف يتمثّل بإنشاء مجموعة كبيرة من الأفكار بما يكفي لاختيار أفضلها، أو دمجها للحصول على أفضل حلٍّ أو استراتيجية، ويكفي إحضار أوراق وبعض أقلام التظليل للبدء بإحدى استراتيجيات العصف الذهني المُدرَجة تالياً:
الكتابة الذهنية (Brainwriting) استراتيجية غير لفظيّة؛ إذ يُطلَب من كلّ عضو في المجموعة كتابة عِدَّة أفكار على أوراق الملاحظات اللاصقة دون الإفصاح عن هويّته لهدَفَين؛ أحدهما منع أيّ تحيّز شخصي تجاه الأفكار، والآخر توفير وسيلة تلائم الأعضاء الانطوائيين للاستمرار بالمساهمة في طرح أفكارهم، ويُمكن ضبط مُؤقّت، أو تحديد حدّ أدنى لعدد الأفكار المطلوبة من كلّ مشارك، والنتيجة هي الحصول على مجموعة واسعة من الأفكار التي لم تكن لتظهر لو مارس الفريق عملية العصف الذهني بشكل جماعيّ لفظيّ.
وبعد ذلك، تبدأ مشاركة الأفكار عشوائيّاً مع بقيّة المجموعة؛ إذ تُمرَّر الأوراق إلى الأعضاء المُجاورين ليُقدِّموا تعليقاتهم على كلّ فكرة؛ إما بقبولها، أو بتعديلها، ويُمكن فرز الأفكار بواسطة قائد الفريق، أو فريق الإدارة، والهدف الأسمى من هذه الاستراتيجيّة فصل عملية توليد الأفكار عن جلسة المناقشة؛ إذ عند الانتهاء تُكتَب الأفكار المُختارة جميعها على السبّورة البيضاء؛ للبدء بمناقشتها.
تُستَخدَم استراتيجية الأسباب الخمسة أو "اللِّماذات الخمسة" (Five whys)؛ لتحليل الأسباب الجذرية المُسبِّبة للمشكلة، وتُشجِّع هذه الاستراتيجية على إجراء حوار مفتوح يؤدّي إلى إنتاج أفكار جديدة تتعلّق بالمشكلة، ويُمكن استخدامها فرديّاً أو جماعيّاً، وهي بسيطة تعتمد فقط على تكرار خمسة أسئلة تبدأ بكلمة "لماذا؟"، وبعد الإجابة عن كلّ سؤال، يكون السؤال الذي يليه "لماذا؟"؛ لمنع تكرار ظهور المشكلة مرة أخرى، وتُستخدَم كثيراً لاستكشاف الأخطاء وإصلاحها، وتحسين الجودة، وحلّ المشكلات البسيطة، أو الصعبة إلى حدّ ما.
ويُشار إلى أنّ اختيار فكرة واحدة والاستمرار في طرح سؤال "لماذا؟" من شأنه أن يقود إلى اتِّباع مسار واحد، أو عدد محدود من المسارات؛ فمثلاً، عند طرح مشكلة لماذا تأخَّرت طباعة الكتاب؟، ستكون الإجابات: "نفاد حبر الطابعة"، أو "نفاد أوراق الطباعة"، أو "انقطاع الكهرباء"، وبعد ذلك، يبدأ السؤال عن السبب بعينه، مثل: "لماذا نفد حبر الطابعة دون الانتباه إلى أنّه على وشك النفاد"، ثمّ سؤال "لماذا لم ينتبه المُوظَّف إلى كمّية الحبر قبل البدء بالطباعة؟"، وبعد تحديد سبب جذريّ واحد على الأقلّ بعد السؤال خمس مرّات، تبدأ مناقشة إجراءات إصلاحه؛ لمنع تكرار المشكلة لاحقاً.
تعتمد استراتيجية النجمة السُّداسية (Starbursting) على إجابات أدوات الاستفهام الرئيسية (مَن؟ وماذا؟ ومتى؟ وأين؟ ولماذا؟ وكيف؟)؛ لطرح أسئلة عميقة متنوّعة؛ بهدف الوصول إلى حلّ دون تكرار الأفكار، وتكون برسم نجمة سُداسية على سبّورة كبيرة، أو على أوراق المُشارِكِين كلٌّ على حِدة، بحيث تُدوَّن المشكلة في المنتصف، بينما يتضمّن كلّ جزء من النجمة أحد الأسئلة، مثل: ماذا يُريد العملاء؟، ومتى ستكون المنتجات جاهزة؟، وكيف سيكون توزيع المنتجات؟، ومن سيكون أفضل مُعلِن للمُنتَج؟، وهكذا.
استراتيجية الخرائط الذهنية (Mind mapping) طريقةٌ بصريةٌ لا تستخدم الكلمات فقط للعصف الذهني؛ بل تُستخدم أيضاً لمساعدة المجموعات في التركيز على السؤال أو المشكلة، وربط النقاط المختلفة معاً، والاستمرار في إيجاد الروابط ذات الصِّلة بين الأفكار والحلول المختلفة، ولإجرائها، تُكتَب المُشكلة في وسط الورقة، ثمّ يُرسَم خطّ منها باتِّجاه كلّ فكرة، ومن كلّ فكرة تتشعَّب خطوط أخرى باتِّجاه حُلولها، وهكذا إلى أن تمتلئ الورقة أو السبّورة بالأفكار المُتشعِّبة، ثمّ يبدأ فرز الحلول؛ لاختيار أنسبها وأكثرها فائدة.
تُضفي استراتيجية تبادل الأدوار (Rolestorming) عنصراً من المرح والمشاركة في عملية العصف الذهني؛ فبدلاً من التفكير من وجهة نظر خاصّة، يتخيّل المشاركون أنفسهم في أدوار غيرهم؛ كرؤسائهم، أو مُعلِّميهم، أو حتى الشخصيات المشهورة؛ كي يستطيعوا التحرُّر من القيود والموانع الخاصّة بهم، والحصول على أفكار جديدة ورؤى فريدة؛ فمثلاً، يُمكن أن تكون لدى كلّ عضو في الفريق دقيقتان تقريباً للتعرُّف إلى الشخصية التي سيؤدّي دورها، و10 دقائق لتبادل الأفكار التي تعكس الشخصية المختارة، وقد تتكوّن الجلسة من جولتَين؛ ليتمكَّن كلّ عضو من أداء دور شخصيِّتَين.
في استراتيجية روبن للعصف الذهني (Round robin brainstorming)، يجلس المشاركون على طاولة مُستديرة، ويشارك كلُّ عضو في الاجتماع بكتابة فكرة واحدة في كلّ جولة، ثمّ يقرؤها للفريق، ولا يجوز أن يقول أحد عندما يأتي دوره "لقد ذُكِرت فكرتي سابقاً"، بل يُؤجَّل دوره إلى حين انتهاء المشاركين؛ ليكون لديه وقت للتفكير بشيء جديد، وتُعاد الجولة أكثر من مرّة إلى أن تنتهي أفكار الفريق كلّها، ثمّ تبدأ مرحلة نقد الأفكار، والمُميَّز في هذه الاستراتيجية أنّها لا تسمح بالمناقشة أثناء طرح الأفكار.
في عملية العصف الذهني السريع (Rapid ideation)، يُعطَى كلّ مشارك قلم تخطيط وورقة مُلوّنة؛ لكتابة المشكلة المطلوب إيجاد حلّ لها، وأوراقاً بيضاء لكتابة الحلول الممكنة، ويجب أن يكتب كلّ مشارك أكبر عدد ممكن من الأفكار في فترة زمنية يُحدّدها مدير الجلسة أو رئيس الفريق قبل أن تبدأ مرحلة مناقشة الأفكار أو انتقادها أو الشروع في تنفيذها، وتحتاج هذه الاستراتيجية إلى تحديد وقت قصير (لا يزيد عن خمس دقائق) والالتزام به، وهذا يمنع التفكير بالحلول الروتينية، أو طويلة الأجل.
تعتمد استراتيجية العصف الذهني العكسي (Reverse brainstorming) على مبدأ "الوقاية خير من العلاج"؛ إذ يفكّر المشاركون في المشكلات التي يُمكن مواجهتها أثناء تنفيذ المشروع أو العمل، وكيفية تفاقمها كلّما تقدَّم المشروع، ممّا يؤدّي إلى إيجاد رؤى مُبتكَرة تساعد على تجنُّبها، على الرغم من أنّ بعض المشكلات يصعب التنبّؤ بها؛ لأنّها تطرأ لاحقاً، ومن الأسئلة التي يُمكن طرحها مثلاً: "كيف نجعل العميل يتعامل معنا مرّة واحدة فقط؟"، أو "كيف نضمن فشل المشروع؟"، ثمّ استخدامها كنقطة انطلاق للتفكير في الحلّ عند وقوع المشكلة.
تعتمد استراتيجية السلّم (Stepladder brainstorming) على مشاركة أعضاء الفريق بشكل منفصل؛ لضمان أنّ أفكار كلّ فرد منهم تمثّل أفكاره الخاصّة، ولا تتأثّر بأيّ شخص آخر، وتوفّر المشاركة بانتظام؛ ممّا يقلّل المُقاطَعات، ويُشجّع على الاستماع النَّشِط، وتكون من خلال تقديم رئيس الفريق للمشكلة، ثمّ نقاشه لها مع عُضوَين في المجموعة، ثمّ إشراك عضو جديد في المناقشة، وبعد أن يأخذ وقته يأتي عضو جديد آخر، وتستمرّ العملية إلى أن يشترك أعضاء الفريق كلّه، وأخيراً تتشارك المجموعة بأكملها في مناقشة كاملة تتضمّن الأفكار ووجهات النظر المُشترَكة جميعها.
يُعَدُّ تحليل سوات الرُّباعي (SWOT analysis) تمريناً لتوليد أفكار استراتيجية فريدة من نوعها، وخاصّة عند تركيز التفكير على نقاط مُعيّنة، وهي: نقاط القوّة (Strengths)؛ لمعرفة كيفية الهَيمنة على المنافسين، ونقاط الضعف (Weaknesses)؛ للتعرّف إلى العيوب أو المخاطر المحيطة بالعمل فعليّاً، والفرص (Opportunities) التي يمكن الاستفادة منها، والتهديدات (Threats) التي قد تضرُّ االعمل لاحقاً؛ أي أنّ الفريق يتمكّن من الإحاطة بالمعلومات كلّها؛ لفهم احتياجات السوق، وكيفية التعامل معها.
وختاماً، يلتقي الابتكار بالتعاون في جلسة العصف الذهني، ولكلّ أسلوب من أساليب العصف الذهني القدرة على تغذية خيال الفريق، والتوصُّل إلى حلول رائدة، ولتكون الجلسة مثمرة، لا بُدّ من توفّر عِدّة أمور فيها، مثل: التحديد الدقيق للمشكلة التي يجب التركيز عليها أكثر من غيرها، وإعطاء الوقت الملائم للفريق لتحضير أفكارهم، واستخدام أكثر من تقنية لاستحداث الأفكار، والبدء سريعاً بتنفيذ الأفكار الخلّاقة بعد الخروج بها.
المراجع
[1] lucidchart.com, When inspiration strikes: 12 effective brainstorming techniques
[2] edrawmind.wondershare.com, 14 Effective Brainstorming Techniques That Work
[3] lucidspark.com, 5 group brainstorming techniques for winning teams
[4] atlassian.com, Brainstorming techniques
[5] asana.com, 29 brainstorming techniques: effective ways to spark creativity