جار التحميل...
وفي المُقابل، يبدأ الأطفال بفهم معنى السرقة، والتمييز بين الخطأ والصواب في الثالثة إلى السابعة من عمرهم، لذا لا بُدَّ من إيلاء الموضوع أهمِّية كبيرة، وعدم الاستهانة بالعواقب على المدى الطويل، وإنَّما السَّعي إلى فهم هذا السُّلوك، ومُعالَجَته بجِدِّيةٍ وحِكمةٍ؛ باتِّباع الطُّرُق والأساليب الآتية في المنزل:
يُشكِّل فهم الدوافع والأسباب التي تقف خلف سلوك السرقة عند الطفل جزءاً مُهِمّاً من حلّ المشكلة، لذا يَقَع على عاتق الوالِدَين التواصل جيداً مع طفلهم، والاستماع إلى ما يدور في ذهنه، وترك الحرية له في التعبير عن مشاعره ووجهة نظره، بالإضافة إلى سؤاله عن الأسباب التي دفعته للقيام بذلك.
وبصورة عامَّة، تتمثَّل أبرز أسباب السرقة لدى الطفل بعدم استيعابه مفهوم الملكية الشخصية والسرقة، أو يمكن أن تكون بدافع الغيرة وإيذاء أحد الزملاء في المدرسة، وفي بعض الحالات قد يكون بسبب الشُّعور بالحِرمان والرغبة في الحصول على أشياء لا يستطيع امتلاكها، وكذلك التأثُّر بسُلوك الأقران، ومحاولة تقليدهم، والتعرُّض لصدماتٍ نفسية تُسبِّب مُشكِلات في التحكُّم بالانفعالات والسرقة القهرية، مثل انفصال الوالِدَين، أو حالات الوفاة، بالإضافة إلى المُعاناة من مشكلاتٍ سلوكيَّة تتضمَّن تصرُّفاتٍ مُتهَوِّرة، مثل اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD).
تنمية الوازِع الدينيّ لدى الأطفال من أهمّ الأساليب التربوية التي تُسهِم في بناء جِيلٍ مُسلِم واعٍ بالأخلاق والقِيَم الإسلامية، وقادِر على التمييز بين الصَّواب والخطأ، لذا تقع على عاتِق الوالِدَين مسؤوليَّة غَرس مَحبَّة الله -عزَّ وجلَّ- والرسول -عليه الصلاة والسلام- في نفوس أبنائهم، وتربيتهم على الصدق، والأمانة، والإحسان إلى الآخرين، بالإضافة إلى مُراقَبة سلوكاتهم، وتقديم النصيحة لهم، وتعويدهم مُمارَسة الشعائر الدينية منذ الصِّغر؛ كالصلاة، والصَّدَقة.
كما يُمكن استخدام أسلوب الرِّفق واللِّين، والترغيب والترهيب؛ لتعليم الطِّفل أنَّ السرقة تُسبِّب غضب الله -عزَّ وجلَّ- منه، وتوجيهه إلى استِشعار مُراقَبة الله له، وتنمية مفهوم الحلال والحرام لديه؛ من خلال سَرد بعض القصص، وحَثِّه على مُشاهَدة أفلام الكرتون التي تتطرَّق إلى موضوع السرقة من ناحية دينيَّة بما يتناسَب مع سِنِّه.
يُمكن تعليم الطفل معنى الملكية الشخصية؛ من خلال تخصيصه ببعض الممتلكات في المنزل؛ كالألعاب أو القصص، وتعليمه الطريقة الصحيحة للتعامل معها، وتحمُّل مسؤولية العناية بها والمُحافَظة عليها، وفي المُقابِل، حَثّه على احترام خصوصيات الآخرين، وعدم العبث بمُمتَلَكاتهم قبل طلب الإذن منهم لاستخدامها، تماماً كما يُريد منهم أن يحترموا مُمتَلَكاته.
أمّا إن استعار الطفل بعض الأغراض والألعاب من أطفالٍ آخرين، فيجب إفهامه أنَّ إعادتها إليهم أمر ضروريّ، ورَبط الامتناع عن ذلك بمفهوم السرقة وبأنَّه اعتداء على مُمتَلَكات الآخرين، كما أنّ ذلك سيُفقِدهم الثِّقة به، فيمتنعون عن التعامل معه فيما بعد.
ولمُساعَدة الطفل على فهم مفهوم السرقة بشكلٍ أفضل، وتكوين فكرة واضحة لديه عن السرقة وأثرها في الآخرين، يُمكِن طَرح سؤال عليه حول شُعوره إن تعرَّض هو من قَبل لسرقة أحد أغراضه المُفضَّلة، وإفهامه أنَّ غيره أيضاً سيشعُر بالحزن والإحباط عندما يُسرَق شيء من أغراضه.
يُساعِد تعليم الطفل الاعتراف بأخطائه وتصحيحها على تكوين شخصية قويّة تتمتَّع بالأخلاق والقِيَم التي تتناسب مع المجتمع المسلم المُحافِظ، ويكون ذلك بإعادة الأغراض والأموال المسروقة إلى أصحابها، والاعتذار منهم بلباقة، وهذه خُطوة ضروريَّة لإشعار الطفل بالمسؤولية التي تقع عليه؛ من خلال احترام خصوصية الآخرين ومُمتَلَكاتهم، وعدم الاعتداء عليها، بالإضافة إلى التعاطُف معهم، وتجنُّب إيذائهم.
وعلى سبيل المثال، قد يسرق الطفل بعض الحلوى من البقالة، وهنا يُمكن إقناعه بأنَّ هذا العمل خاطئ بإخباره أنَّ هذه الحلوى مصدر رزق للبائع، وهو يبيعها ليكسب المال ويُطعِم أطفاله الصغار، لذا يجب إعادتها له في أقربٍ وقت، أو تعويضه بمبلغٍ ماليّ من المصروف الشخصي.
يزيد تعزيز السلوك الإيجابي لدى الأطفال من رغبتهم في ممارسة المَزيد من التصرُّفات الجَيِّدة، وتجنُّب السلوكات السيِّئة والخاطئة، مثل السرقة؛ فعلى سبيل المثال، عندما يجد الطفل في حقيبته المدرسية -عن طريق الخطأ- أحد الأغراض الخاصَّة بزملائه ويُخبِر والِدَيه بذلك لإعادتها، فلا بُدَّ من شُكره على أمانته وصِدقه، وقول عبارات إيجابيَّة له، مثل: "كم أنا فخورة بك"، أو "أحسنت، بارك الله فيك"، كما يُمكِن تعزيز سلوكه الإيجابيّ بالمُكافَآت؛ سواء المادِّية، أو المعنوية، مثل إعطائه وقتاً إضافيّاً للَّعِب والتنزُّه، وزيارة الأماكن التي يُحبُّها.
يُمكن استخدام أسلوب العِقاب؛ لمنع الطفل من تكرار السرقة، وتعديل سلوكه؛ كتكليفه بأعمالٍ إضافية لإنجازها في المنزل، مثل تنظيف الحديقة الخارجية، أو كَنس الأرضيّات، كما يُمكن حِرمانه من بعض الامتيازات لفترةٍ مُعيَّنة، مثل الألعاب الإلكترونية، أو مُشاهَدة التلفاز، أو أيّ شيء آخر يُحِبُّه بصورة عامَّة، ويمكن أن يُطلَب منه تقديم هدية بسيطة من مصروفه الشخصيّ لصديقه الذي سَرَق منه شيئاً ما.
ويجدر بالذِّكر أنَّه ينبغي التعامل مع الموقف بهدوء، والابتعاد عن العُنف والإيذاء البدنيّ، بالإضافة إلى ضرورة اتِّحاد الأهل في ذلك، وعدم مَيل أحدهم إلى تخفيف العقاب أو إلغائه؛ لضمان الحصول على النتيجة المطلوبة.
وختاماً، يَكمُن سِرّ تقويم السلوكات الخاطئة لدى الأبناء في الهدوء والصبر؛ فالتربية عملية طويلة تحتاج إلى وقتٍ وجُهدٍ كبيرَين من الأهل، فإن عاد الطفل إلى السرقة ولم يستَجِب لمُحاولة تعديل السلوك، فيُنصَح حينها بالاستعانة بأخصّائِيّ نفسيّ؛ لتحديد الاستراتيجيات الفَعّالة لحَلّ المشكلة.
ويُمكن للأهل السيطرة على بعض العوامل والمُؤثِّرات التي تُحيط بأطفالهم، وتُؤثِّر في نُمُوّهم الصِّحِّي وتنشئتهم الأخلاقية، ممّا يدفعهم إلى مُمارَسة سلوكاتٍ خاطئة، مثل السرقة؛ كاختيار مكان سَكَن آمِن، وفيه جِيران خلوقون وصالِحون، وأخيراً لا بُدّ أن يتذكَّر الأهل بأنَّ عليهم أن يمثّلوا قدوة إيجابيّة لأطفالهم في تصرُّفاتهم جميعها.
المراجع
[1] verywellfamily.com, What to Do If Your Child Steals
[2] askdrsears.com, 8 Ways to Prevent and Discipline Stealing
[3] familyeducation.com, Why Kids Steal and How to Deal With It (Age-by-Age Guide)
[4] sharjah.ac.ae, ظاهرة السرقة عند األطفال وخطورتها على المجتمع
[5] psychologytoday.com, 12 Reasons Children Steal and 12 Ways to Stop It