جار التحميل...
وتجدر الإشارة إلى أنّ اكتساب الطفل المهارات الحياتية في السنوات الأولى من حياته يكون مَبنيّاً على الملاحظة والتقليد؛ فكُلَّما مثَّل الأبوان قدوة إيجابية لأطفالهم، ساعد ذلك في أن يُصبحوا أشخاصاً صالِحين خَيِّرِين نافِعِين لوالِديهم، وأسرتهم، ومجتمعهم.
ومن هنا، لا بُدّ أن يُركِّز الوالدان كثيراً على السُّبُل والاستراتيجيات التي تُشجِّع الأبناء على الاقتداء بهما، وأبرزها ما يأتي:
يُسهِم اهتمام الأبوَين بالسِّمات والأخلاق التي يُبدِيانها أمام ابنائهما في تشكيل شخصيّاتهم، وقِيَمهم الأخلاقية في وقت يكثر فيه وجود المُؤثِّرات المختلفة التي قد يقتدون بها، ومن أبرز هذه السِّمات ما يأتي:
الصدق صفة حَسَنة ينبغي على الأطفال التحلّي بها، وتحلّي آبائهم بها يزيد ثقتهم بهم، ويُعزِّز التواصل بينهم؛ فملاحظة الطفل أنّ والِدَيه يتمتَّعان بهذه السِّمة تُشعِره بالأمان والراحة عند حاجته إلى التحدُّث إليهما لحَلّ مشكلاته، ومخاوفه.
أمّا النزاهة، فتُعلِّم الطفل التمييز بين الصواب والخطأ، والالتزام بالمبادئ، والقِيَم الحميدة، وتجنُّب الغِشّ والظلم والكذب، وتُساعده في اتِّخاذ قرارات أفضل عندما يكبر ويُطلَب منه تحمُّل المسؤولية أكثر تجاه أفعاله.
لأنّ الحياة دائمة التغيُّر، وتحمل كثيراً من الصعاب والتحدّيات، فإنّ مواجهتها بمرونة أكبر، وتكيُّف حقيقي وإيجابي، يُمكِّن من حلّ المشكلات بأفضل الأساليب.
ويمكن أن يلاحِظ الطفل أسلوب والِدَيه في التعامل مع مثل هذه المواقف الصعبة؛ حتى يألَفَ رُدود الأفعال هذه، وتُصبح سلوكاً طبيعياً لديه، مع الانتباه إلى أنّ هذا لا يعني عدم الواقعية، بل النظر إلى الأمور بوصفها تحدّيات ينبغي التعامُل معها، وفرصاً للتعلُّم وتنمية المهارات المُهمَّة.
ووفقاً لتقرير نُشِر عام 2023 في قاعدة البيانات سيغ (SAGE Journals) المُتخصِّصة في نشر المقالات البحثية من مختلف المجلات العلميَّة، فإنّ المرونة النفسية التي يمتلكها الآباء يُمكن أن تتنبّأ بمدى امتلاك الأطفال لها مستقبلاً؛ إذ يجري تناقُلها عبر الأجيال.
بتفهُّم الوالِدَين مشاعِر الآخرين التي يُظهرونها، وإبدائهم التعاطف معهم؛ بتوجيه بعض الكلمات التي تدلّ على مدى احترامهم وتقديرهم، مثل قول: "شكراً"، أو "من فضلك"، أو إظهار ابتسامة بسيطة فقط، يُمكن للطفل اكتشاف مدى أهمّية التعاطف مع المُحيطين به، والتعامُل معهم باحترام وتقدير، فينعكس أسلوب التعامل هذا عليه مستقبلاً، ويساعده على تكوين علاقات اجتماعية وأُسَرية قوية وناجحة.
وعندما يسمح الأبوان للطفل بالتعبير عن مشاعره بحُرِّية، وإظهار الاهتمام بما يقوله، والتعاطف معه، سيساعده على التعرُّف إلى مشاعره، والتعبير عنها تعبيراً صحيحاً، ويُنمّي قدرته على التعرُّف إلى مشاعر الآخرين، والاعتراف بها، واحترامها، والتعامل معها جيِّداً أيضاً.
القدرة على التحكُّم في النفس، وتهدئة الذات عند التعرُّض للمواقف المُحفِّزة للغضب والانفعال، تُمكِّن من السيطرة على رُدود الأفعال؛ لذا، على الوالِدَين الانتباه أكثر إلى وسائل الاستجابة للمشكلات المختلفة في حياتهم اليومية، وتجنُّب التوتُّر والإحباط؛ ممّا يساعد الطفل على التعبير عن غضبه وعواطفه السلبيّة بأساليب صِحّية وسليمة مع مرور الوقت.
يُعزِّز التطوُّع وتقديم العون للآخرين فهم الطفل بأنّ العالم الخارجي مهمّ أيضاً؛ فالمشاركة في الأعمال الخيرية، مثل: تقديم الطعام للمُحتاجين، أو الإسهام في الأعمال المجتمعية؛ كمساعدة كبار السِّنّ في عُبور الشارع، من أعمال التطوُّع والإيثار التي يجب أن يتعلَّمها الأطفال من الآباء.
ولا بُدّ من تعليم الطفل أيضاً أنّ التطوُّع والعطاء لا ينحصر في الأمور المادِّية فقط، بل إنّ ما يُقدِّمه للآخرين من وقت، ومشاعر، ومعلومات، مهمّ أيضاً، حتى لو كان بسيطاً وصغيراً، وهو خطوة تجعل العالم مكاناً أفضل.
ليتمكَّن الأبوان من إيصال ما يرغبان في أن يتحلّى به أبناؤهما من صفات حميدة، لا بُدّ أن يُوفِّرا قنوات تواصل مفتوحة وفَعّالة فيما بينهم؛ ويتحقَّق ذلك بإظهار التقدير والاحترام المُتبادَل أثناء الحِوار، وإبداء التفهُّم للاستقلالية التي يحتاجون إليها مع مرور الوقت، والإنصات لهم عندما يتحدَّثون أو يُعبِّرون عن أفكارهم بتركيز دون إصدار الأحكام عليهم.
وتجدر الإشارة إلى أنّه كُلَّما كانت العلاقة أقوى مع الطفل، كان التأثير أكبر، ولتعزيز العلاقة معه، وتقويتها، يجب قضاء مزيد من الوقت برفقته، ومشاركته النشاطات التي يُفضِّلها، ومنحه الحُبّ والحنان الذي يحتاج إليهه دون شروط، وهذا لا يتعارض مع الجدية والحزم عند الحاجة؛ تجنبًا لتربية طفل مدلل للغاية.
يُراقب الأبناء دائماً ما يقوله آباؤهم، ويفعلونه؛ لذا، على الآباء الالتزام بما يُقدِّمونه من نصائح وإرشادات؛ كي يتمكَّن الأبناء من الالتزام أيضاً؛ فعلى سبيل المثال، لا بُدّ للآباء من اتِّباع نظام غذائيّ صِحِّي قبل توجيه الأبناء الطفل إلى اتِّباع الأمر ذاته، ولا بُدّ لهم من الالتزام بقوانين استخدام الهاتف الذكي، والسلوكات الخاصَّة به، قبل التحدُّث مع الطفل بشأن الأمر نفسه.
ما إن يبدأ الطفل بتقليد السلوكات والصفات الجيِّدة، أو يُظهر أيّ سِمة من السِّمات المرغوب فيها، فإنّ لتشجيعه على ما فعله دور كبير في استمرار هذه السلوكات المُكتسَبة وتكرارها في المرّات القادمة؛ بالتعزيز المعنوي؛ كالمدح والثناء الإيجابي، أو التعزيز المادّي؛ كالمكافأة بهديّة يُفضِّلها، أو رحلة ممتعة، وهذا التشجيع يُشعِر الطفل بمدى حُبّ أبوَيه، ودعمهما له، ويُقوّي الترابط بينهم.
ومن جانب آخر، ينبغي تجنُّب التركيز على الإخفاقات إن أخطأ الطفل، وتشجيعه على النهوض من جديد، وتعليمه كيفية الاستفادة من الأخطاء، والتعامل مع النفس بتسامح أكبر، مع ضرورة عدم رفع سقف التوقُّعات، وتكليفه بتحقيق إنجازات أكبر من قدراته؛ كي لا يشعرَ بعدم الكفاءة، أو الضغط الشديد.
وختاماً، يُحاول الآباء دائماً التقرُّب إلى أبنائهم أكثر، إلّا أنّهم قد ينخرطون أثناء ذلك في بعض السلوكات التي تعود بنتائج سلبية؛ كالإفراط في مدح الطفل، أو تدليله على نحو مُبالَغ فيه؛ ممّا يُفسد سلوكاته وطِباعه دون قصد، ويجعله غير قادر على تحمُّل المسؤولية أو التصرُّف على نحوٍ صحيح.
لذا، يُعَدّ اتِّباع أسلوب مُعتدِل في التربية، مع تطبيق النصائح المذكورة في الأعلى، الأسلوب الأمثل لتربية أبناء صالِحِين وناجحين في الحياة.
المراجع
[1] educatormomhub, How To Be A Good Role Model To Kids-15 Characteristics
[2] centerforparentingeducation, BEING A ROLE MODEL – THE PROMISE AND THE PERIL
[3] verywellfamily, Role Model the Behavior You Want to See From Your Kids
[4] parenting.firstcry, Parents as Role Models – Shape Your Child’s Life in a Positive Way
[5] icareforkids, Attributes to Look for in Your Child’s Role Models