جار التحميل...
ينبغي التعامل مع الأبناء بحذر شديد، ومحاولة عدم جعلهم ضحايا للنزاعات الزوجية، فالطلاق مسألة تخصّ الوالِدَين بشكل خاصّ، ولا ينبغي أن يتحمّل الأطفال أيّ جزء من تبعاته السلبية أو أعبائه، وفيما يلي توضيح تأثير الطلاق على الأبناء، وبعض النصائح والتوجيهات للتقليل من حِدَّة هذا التأثير.
قد يؤثر الطلاق على الأبناء سلباً في العديد من الجوانب المختلفة؛ ففي الجانب الأكاديمي، قد يصعب على الأبناء التركيز على دراستهم بسبب الارتباك والتشتُّت الناجم عن التغيُّرات الأُسَرِيَّة، أمّا في الجانب الاجتماعي، فقد يُواجهون صعوبة في التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين، وقد يميلون إلى العُزلة الاجتماعية والوحدة.
ومن الجانب العاطفيّ، قد يُعاني الأبناء من مشاعر مُتعدِّدة، مثل: الغضب، والحزن، والقلق، والشعور بالذنب، وقد يصعب عليهم التكيُّف مع التغييرات الجديدة في حياتهم؛ كالانتقال إلى منزل جديد أو مدرسة جديدة، وفي بعض الحالات قد يلجؤون إلى ممارسة سلوكات سلبية؛ كالتدخين، أو تعاطي المُخدّرات، كوسيلة للتعامل مع هذه الضغوطات.
أمّا في الجانب الصِّحِّي، فقد تزداد احتمالية إصابة الأبناء بالأمراض أو الاكتئاب؛ بسبب الضغوط النفسية والجسدية الناجمة عن الطلاق، كما قد يفقدون الثقة بمفهوم الزواج والأسرة المُستَقِرَّة، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هذه الآثار ليست حَتمِيَّة، وأنَّ بإمكان الأُسَر التعامل مع الطلاق بطريقة إيجابيَّة وداعمة للأبناء؛ بتوفير الدعم النفسي اللازم لهم.
تأثير طلاق الأبوَين على الأبناء مسألة حَسّاسة تستوجب اتِّخاذ التدابير والإجراءات الفَعّالة للتخفيف من حِدَّته؛ بهدف توفير بيئة مُستَقِرَّة وآمِنة للأبناء؛ لضمان صحَّتهم النفسية، وفيما يلي بعض التوجيهات للوالدين فيما يتعلَّق بكيفية التصرف في هذه الفترة الصعبة:
ينبغي على الوالِدَين المُنفصِلَين الامتناع عن جعل أبنائهم وسيلة لتبادل الرسائل فيما بينهم؛ فهذا يضعهم في موقف مُحرِج؛ إذ يجدون أنفسهم في خِضَمّ الصِّراعات بينهما، وقد يؤدّي هذا الأسلوب إلى المزيد من سوء الفهم ونقص التواصل الفعّال، ويمكنهم عوضاً عن ذلك التواصل المُباشِر معاً، أو استخدام التقنيات الحديثة المُتاحة؛ كتطبيقات التواصل، أو حتى الاتِّصال الهاتفي إن لم يرغبا في التواصل المباشر وجهاً لوجه.
تذكير الأبناء المُتواصل بأنَّ طلاق والِدَيهم ليس ذنبهم ولا بسببهم من الأمور الحَيويَّة التي يجب على الآباء التركيز عليها خلال هذه المرحلة؛ لتجنيبهم لَوم أنفسهم أو الشعور بالذنب، والإشارة العابرة إلى هذا الأمر لا تكفي، بل يحتاج الأبناء إلى سماع هذه الرسالة بشكل مُتكرِّر ومُتواصِل، وخاصَّة الأطفال الصِّغار؛ فهم لا يستطيعون رؤية المواقف من منظور الآخرين، الأمر الذي يؤدّي إلى إلقائهم باللوم على أنفسهم عند طلاق والِديهم.
تُعَدّ مرحلة ما بعد الطلاق من المراحل الصعبة والمُربِكة للأبناء كما هي مُربِكة للوالِدَين؛ فالأطفال يمرّون بهذه التجربة في وقت ما يزالون فيه في طور تشكيل شخصيّاتهم وفهم علاقتهم بالعالَم المُحيط، لذا يمكن أن يمنح توفير قدر من الاستقرار والروتين اليومي المُنتظَم، مثل: الاستيقاظ في الوقت نفسه يوميّاً، أو تناول الوجبة نفسها في يوم مُحدَّد من الأسبوع، الطفلَ شعوراً بالأمان والسيطرة على الأمور، ويساعده على معرفة ما يمكن توقُّعه في حياته اليومية، فلا يشعر بالتشتُّت والضياع.
ومع ذلك، لا بُدّ من مُراعاة الفُروقات الفردية بين الأطفال عند تطبيق مثل هذه الأعمال الروتينيَّة؛ فالأطفال الصِّغار قد يشعرون بالراحة باتِّباعهم نظاماً مُعيَّناً قبل النوم مثلاً، بينما قد يشعر الأطفال الأكبر سِنّاً بالضيق والقُيود إذا فُرِضت عليهم روتينات صارِمة لا تتناسب مع أعمارهم.
كما يجب أن يحافظ الوالِدان على الأسلوب والقواعد وتوقُّعات السلوك نفسها مع الأبناء؛ فهذا يمنحهم الشعور بالاستقرار والنظام وبأنّ حياتهم لم تتغيَّر كُلِّياً.
من الضروري للغاية أن يحافظ الآباء على موقف الحِياد والنزاهة تجاه شريكهم السابق عند الحديث عنه أمام الأبناء بغضّ النظر عن مشاعرهم الحقيقية نحوه؛ فالكثير من الأطفال في سِنّ مُبكِّرة ينظرون إلى والديهم كامتداد لشخصيّاتهم، لذا قد يُفسِّرون التحدُّث عن أحد الوالِدَين بأسلوب سلبيّ على أنَّه توجيه انتقادات لهم هم شخصيّاً.
وبدلاً من ذلك، ينبغي تشجيع الأبناء على قضاء الوقت مع كلا الوالِدَين بشكل مُتَساوٍ ومنُصِف، والسعي إلى تحقيق طلاق ودّيّ وهادئ قدر الإمكان؛ حِفاظاً على مصلحة الأبناء النفسية والعاطفية.
إتاحة الفرصة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم وآرائهم بشأن الطلاق وغيره من الأحداث المهمة في حياتهم أمر بالغ الأهمية، لذا يُعَدّ الاستماع الفعّال والاهتمام الصادق من قِبل الوالِدَين بمشاعرهم أساسيّاً لتعزيز شعورهم بالمَحبَّة والدعم خلال هذه الفترة الصعبة، وعند تشجيع الأطفال على التحدُّث عن مشاكلهم ومخاوفهم، يتمكَّن الوالِدان من فهم تجاربهم ومشاعرهم وتقديم الدعم اللازم لهم.
ومن المهمّ أيضاً أن يكون للآباء دور فَعّال في طرح الأسئلة التوجيهية وتوجيه النقاش بشكل بَنّاء؛ لمساعدة الأطفال على فهم التغييرات والتحدِّيات التي يمكن أن يُواجهوها، وعلاوة على ذلك، يجب أن يكون هناك تركيز على تقديم الدعم العاطفي والتشجيع للأبناء في كلّ خطوة من الطريق، ممّا يساعدهم على التأقلُم مع الظروف الجديدة بثِقَة واطمئنان نابعانِ من أنَّ والِدَيهم مُتواجِدان إلى جانبهم دائماً.
تفادي الخلافات بين الوالِدَين أمام الأبناء استراتيجية ذات أهمية بالغة في تقليل الآثار السلبية للطلاق على نفسيَّتهم؛ فالمشاحنات والنزاعات الظاهرة أمامهم قد تترك آثاراً عميقة على استقرارهم النفسي وتُؤثّر على شعورهم بالأمان والاستقرار، لذا يتعيَّن على الوالِدَين بذل الجهود للحفاظ على بيئة هادئة ومُستَقِرَّة أمام الأطفال، والحرص على حل المشكلات بطريقة بنّاءة بعيداً عن الأبناء، وتقديم نموذج إيجابيّ يسهم في تعزيز الصحة النفسية والعاطفية لهم.
من الخطوات الرئيسة التي يمكن اتِّخاذها لتخفيف تأثير الطلاق على الأبناء إعطاؤهم فرصة لقضاء وقت مع والِدَيهم بشكل مُنفَصِل؛ إذ من شأن هذا الوقت المُخصَّص أن يُعزِّز الشعور بالأمان والمَحبَّة لديهم؛ فهو يظهر لهم أنَّهما مُلتزِمان بعلاقتهم معهم على الرغم من الانفصال، لذا ينبغي تخصيص أوقات مُحدَّدة كلّ يوم أو أسبوع للقاء الوالِدَين، مع التركيز على أن يكون هذا الوقت مُخصَّصاً للأبناء بشكل كامل، ممّا يُسهم في بناء الثقة والارتياح فيما بينهم.
من الأمور البالغة الأهمية تجنُّب إرغام الأبناء على الاختيار بين والِدَيهم أو التحيُّز لصالح أحدهما؛ سواء تعلَّق الأمر بمسألة تحديد مكان الإقامة الرئيس، أو اختيار الطرف الذي سيقضون العطلات برفقته، أو حتى ما يتعلَّق بالقرارات اليومية البسيطة؛ فهذه المسائل والمناقشات يجب أن تكون محصورة بين الوالِدَين فقط، ولا يجب إشراك الأبناء فيها.
والأبناء بطبيعتهم يسعَون دائماً إلى إرضاء كلا الوالِدَين وتجنُّب التسبُّب في إزعاج أو إحزان أيٍّ منهما، لذا لن يؤدّي إجبارهم على الاختيار بينهما أو التحيُّز لأحدهما إلّا إلى زرع مشاعر القلق والتوتُّر في نفوسهم، وسيترك آثاراً نفسية سلبية عليهم حتى بعد بلوغهم سِنّ الرُّشد وتكوينهم أُسَرهم الخاصَّة.
وينبغي على الآباء التحلّي بالصبر والحكمة في التعامل مع الأبناء خلال هذه المرحلة الحَسّاسة، وعدم أخذ تصرُّفاتهم أو ردود أفعالهم على المحمل الشخصيّ؛ فهم لا يقصدون الإساءة إلى أيّ طرف، بل يحاولون التعامل مع الوضع الجديد فقط، وهم قد يُسيئون التصرُّف أحياناً لقِلَّة خبرتهم في الحياة.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الطرق السابقة قد لا تنجح جميعها -في بعض الأحيان- في التعامل مع الأبناء خلال هذه الفترة الصعبة، وقد يكون من الضروري طلب المساعدة من مُستَشار أو مُعالِج نفسيّ، وخاصَّة إذا واجه الأبناء صعوبات كبيرة في التعامل مع مشكلات الطلاق؛ إذ من الممكن أن يُنظِّم المُعالِج النفسي جلسات إرشادية فردية للأبناء، وجلسات إرشادية أُسَرِيَّة لمُساعَدة أفراد الأسرة جميعهم على فهم مشاعرهم وكيفية التعامل معها بشكل أفضل.
وختاماً، على الرغم من الآثار السلبية المحتملة للطلاق على الأبناء، إلّا أنّ التعامل معها بالطريقة الصحيحة والمناسبة يمكن أن يُؤدّي إلى نتائج إيجابيَّة على المدى البعيد؛ إذ يمكن أن تتحسَّن العلاقة الأُسَرِيَّة بشكل عامّ إن جرى الطلاق بطريقة هادئة وسلميَّة بعيداً عن الخِلافات والنِّزاعات، ممّا يُساعد الأبناء على النُّمُوّ والتطوُّر السليم.
والابتعاد عن بيئة الصراعات والمُشاحَنات المُستَمِرَّة بين الوالِدَين يُسهِم بشكل كبير في تعزيز الصحة النفسية للأبناء، ويحميهم من الآثار السلبية للعيش في جَوّ مشحون بالتوتُّر، كما أنَّ الوالِدَين المُنفَصِلَين السعيدَين يكونان أكثر قدرة من الوالِدَين المُتزوِّجَين التعيسَين على تلبية الاحتياجات العاطفية والنفسية لأبنائهما، وتوفير البيئة الملائمة لنُمُوّهم السليم.
المراجع
[1] familymeans.org, What Are the Effects of Divorce on Children?
[2] cooperfamilylawfirm.com, Separation and Divorce: Tips to Minimize the Negative Impact on Children
[3] leapfrogdivorce.com, How To Minimize The Effects Of Divorce On Children
[4] pvalaw.com, 5 Key Strategies to Minimize the Negative Impact of Divorce on Children
[5] gbfamilylaw.com, Minimizing the Negative Impact of Divorce on Children