جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,
اعطف ولكن بذكاء

كيفية حماية أنفسنا من التعرض لإجهاد التعاطف

28 أكتوبر 2024 / 12:39 AM
كيفية حماية أنفسنا من التعرض لإجهاد التعاطف
download-img
يُمثِّل إجهاد التعاطف "Compassion Fatigue"، ويُعرَف أيضاً بإرهاق التعاطف، حالة من الإنهاك العاطفي والجسدي تُصيب الأشخاص الذين يتعرَّضون باستمرار لمُعاناة الآخرين، ويكونون في مواقف تتطلَّب تعاطُفاً معهم، ورعاية لهم، وهو شائع بين المهنيِّين، مثل: المُستَشارين، والعاملين في مجال الرعاية الصحِّية، ومُقدِّمي الرِّعاية.

ويمكن أن يُؤدّي هذا الإرهاق إلى ضعف القدرة على التعاطف أو الشعور بالتعاطف مع الآخرين، وفي ما يأتي بعض الطرق الفعّالة للوقاية منها، وإدارتها بكفاءة:

التثقيف الذاتي: درع الوقاية من إرهاق التعاطف

يُعَدّ اكتساب المعرفة بإرهاق التعاطف خطوة أساسية للوقاية منه؛ فالإلمام بعلاماته وأعراضه يُشكِّل حِصناً مَنيعاً ضِدّ تفاقُمه، وتتنوَّع هذه الأعراض بين الإرهاق المُزمِن؛ سواء أكان عاطفياً، أم جسدياً، وتراجُع مشاعر التعاطف، وصولاً إلى الشُّعور بالذنب؛ نتيجة الخوف من رعاية الآخرين، وقد تظهر أعراض أخرى أيضاً، مثل: القلق، والشُّعور بالانفصال عن الذات، وفرط الحساسية أو فقدانها تجاه المواقف العاطفية، بالإضافة إلى اضطرابات النوم، وفقدان الوزن.

ويمتدّ تأثير إرهاق التعاطف ليشمل صعوبات في اتِّخاذ القرارات، وتوتُّرات في العلاقات الشخصية، مع تراجع ملحوظ في التوازن بين العمل والحياة الشخصية؛ لذا، تُعَدّ المراقبة الذاتية المستمرَّة، وتقييم مستوى الإرهاق، استراتيجية فاعلة في إدارة هذه الحالة.

ومن الجدير بالذكر أنّ خطر إرهاق التعاطف لا يقتصر على بيئة العمل فحسب، بل يمتدّ ليشمل الظروف الحياتية الأخرى؛ فالأشخاص الذين يتولَّون مسؤوليات رعاية إضافية في المنزل قد يكونون أكثر عُرضة لهذه الحالة؛ ممّا يستدعي تبنّي استراتيجيات وقائية شاملة تأخذ في الاعتبار مختلف جوانب الحياة.

إعادة صياغة الأفكار: مفتاح الإيجابية

تُعَدّ إعادة صياغة الأفكار السلبية من الأساليب الفعّالة في مواجهة إجهاد التعاطف؛ إذ تساعد هذه التقنية في جعل الأفكار المتشائمة أكثر إيجابية وتوازُناً، ويتضمَّن ذلك ملاحظة الأفكار السلبية عند حدوثها، ثمّ تقييمها موضوعيّاً، وصياغة أفكار أكثر تفاؤلاً ومنطقية منها، وتُعَدّ هذه الممارسة جزءاً أساسياً من العلاج المعرفي السلوكي، ويمكن تطبيقها ذاتيّاً في الحياة اليومية، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الممارسة أثبتت فعاليّتها في علاج الاكتئاب والقلق.

فمثلاً، قد يقول مُمرِّض: "أنا لا أستطيع مساعدة المرضى بصورة كافية؛ فمعاناتهم ما زالت مُستمِرَّة، وهذا يُشعِرني بالفشل"، وهي فكرة مُتشائمة لا بُدّ من إعادة صياغتها لتُصبح إيجابية؛ بالقول مثلاً: "أنا أُقدِّم أفضل ما لديّ لتحسين راحة هؤلاء المرضى، وتخفيف آلامهم قدر المُستَطاع؛ فوجودي بجانبهم، ودعمي لهم، يُحدِث فارقاً إيجابيّاً".

ويرتبط التفكير الإيجابي بالعديد من الفوائد الشخصية، بما في ذلك تحسين الصحة الجسدية والعاطفية، وزيادة الكفاءة الذاتية، وتحقيق الرضا الوظيفي بصورة أكبر، ومن الجدير بالذكر أنَّ التفاؤل مهارة يمكن تعلُّمها واكتسابها بغضّ النظر عن الظروف السلبية التي قد يمرّ بها الفرد في حياته.

وضع الحدود العاطفية: توازن بين التعاطف والاستقلالية

يتطلَّب التعامل مع الأشخاص الذين يُعانون من الصدمات أو المشكلات النفسية قدراً كبيراً من التعاطف والمشاركة العاطفية من جانب مُقدِّم الرعاية، وتُعَدّ هذه الصفات أساسية لبناء علاقات داعمة وقوية، إلّا أنَّها قد تُؤدّي إلى فقدان التوازن النفسي إذا تجاوزت حدود المعقول؛ لذا، من الضروري وضع حدود واضحة بين الذات، وبين أولئك الذين تجري مساعدتهم؛ حتى لا تُحمَل آلامُهم وتجاربهم كما لو كانت خاصَّة بمُقدِّم الرعاية نفسه.

وصحيح أنّ تحقيق ذلك صعب في البداية، وخاصَّة عند قضاء وقت طويل معاً، أو عند وجود علاقة وثيقة كتلك التي تربط بين أفراد العائلة، إلّا أنّ التحدّي يكمن في الحفاظ على التواصل العاطفي، مع إدراك أنَّ كلّ شخص يُمثِّل كياناً منفصلاً بذاته، ويساعد هذا الوعي في الحفاظ على المسافة المناسبة بين مُقدِّم المساعدة، ومُتلَقِّيها، ومن المُهِمّ ايضاً فهم تجربة الشخص الآخر، والتعاطف معها دون تبنّيها كُلّياً؛ فالهدف هو تقديم الدَّعم، مع الحفاظ على الاستقلالية العاطفية.

العناية بالذات: حصن منيع ضدّ إجهاد التعاطف

تُعَدّ العناية بالذات من أهمّ الركائز للوقاية من إجهاد التعاطف؛ إذ يميل الكثيرون ممَّن يُكرِّسون جهودهم لخدمة الآخرين إلى تجاهل احتياجاتهم الشخصية، بينما يتمتَّع الأفراد الذين يُولون رعاية أنفسهم اهتماماً كافياً بمناعة أقوى ضدّ الضغوط النفسية وإرهاق التعاطف.

ومع أنَّ أساليب العناية بالذات قد تتباين من شخص إلى آخر، إلّا أنَّها تشمل عموماً عناصر أساسية عِدَّة؛ كضرورة الالتزام بنظام غذائي متكامل ومتوازن، وتؤدّي المُواظَبة على ممارسة التمارين الرياضية دوراً حيوياً أيضاً في تعزيز الصحة الجسدية والنفسية.

ومن المُهِمّ أيضاً الحرص على الحصول على قسط وافر من النوم المُريح بانتظام، إضافة إلى ضرورة إيجاد توازن سليم بين مُتطلَّبات العمل، وأوقات الراحة والاستجمام، ويُشكِّل الاهتمام بالاحتياجات العاطفية وتلبيتها جزءاً لا يتجزّأ من المنظومة الفَعّالة للعناية بالذات، وبهذه الطريقة، يمكن للفرد أن يبني حِصناً مَنيعاً يحميه من إجهاد التعاطف، ويُحافظ على سلامته النفسية والجسدية على المدى البعيد.

التأمُّل والوعي: أدوات فعّالة للتوازن النفسي

يُعَدّ التأمُّل، والوعي الذهني، واليوغا، من المُمارَسات الفعّالة في تحقيق الاستقرار النفسي، وإدارة الضغوط؛ إذ يشمل التأمُّل تركيز الذهن على لحظة الحاضر دون إصدار أحكام، بينما يُركِّز الوعي الذهني على الانتباه الكامل إلى التجارب الحالية، أمّا اليوغا، فتجمع بين التمارين الجسدية، والتنفُّسية، والتأمُّلية.

وتساعد هذه الممارسات مجتمعة على تهدئة العقل، وتخفيف التوتُّر الجسدي، وتُسهم في تطوير القدرة على مراقبة الأفكار والمشاعر دون الانغماس فيها؛ ممّا يُؤدّي إلى زيادة الوعي الذاتي، وتحسين القدرة على التحكُّم في ردود الأفعال العاطفية.


وفي الختام، يُنصَح بالسَّعي إلى الحصول على الدعم النفسي المهني عند الشعور بالضعف العاطفي أو الإجهاد الشديد؛ إذ يمكن للمُعالِج النفسي المساعدة في معالجة المشاعر، وتطبيق استراتيجيات فعّالة؛ لمكافحة إجهاد التعاطف، والحفاظ على توازن صِحِّي بين العمل والحياة الشخصية.

 

المراجع 

[1] centreofexcellence.com, What is Compassion Fatigue, and How Do You Prevent It?
[2] goodtherapy.org, The Cost of Caring: 10 Ways to Prevent Compassion Fatigue
[3] naeyc.org, Preventing Compassion Fatigue: Caring for Yourself
[4] chconline.org, The Cost of Caring: 10 Ways to Prevent Compassion Fatigue
[5] phoenix-society.org, Preventing Compassion Fatigue: Caring for Ourselves While Caring for Others

October 28, 2024 / 12:39 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.