جار التحميل...
وبناءً على ذلك، فإنّ التفكير الناقد لا يعني السلبية، أو التركيز على الأخطاء، وإنَّما يعني القدرة على توضيح الأفكار -وليس مُجرَّد قبولها كما هي- بأسلوب يُساعد على تفسير المشكلة أو المعلومات؛ بهدف اتِّخاذ قرار حكيم، ويُمكن للتفكير الناقد أيضاً تعزيز مهارات حلّ المشكلات، وزيادة الوعي بالذات.
ويُمكن استخدام هذه المهارة المعرفية في أيّ مجال؛ كمجالات التعليم، والأعمال، والتصميم الهندسي، أو الردّ على مقالة أدبية، أو فهم الدوافع السياسية المُتعلِّقة بشأن ما، أو غيرها.
أمّا معايير التفكير الناقد، فهي على النحو الآتي:
تتمثَّل أهمية الوضوح -بوصفه شرطاً من شروط التفكير الناقد- بإزالة أيّ شُكوك أو غُموض في العبارات؛ فهي إن لم تكن واضحة، لن يكون بالإمكان تحديد مدى دِقَّتها، أو مدى ارتباطها بالموضوع مَحَلّ النظر، ومن ثَمَّ لن يكون هناك شيء يُمكن التفكير فيه بشأنها؛ فهماً، أو إيجاباً، أو سلباً.
ومن الأمثلة على الأسئلة غير الواضحة: ما الذي يُمكن فعله فيما يتعلَّق بنظام التعليم في الدولة؟، ولجعله واضحاً، يمكن تحديده أكثر، مثل: ما الذي يُمكن للمُعلِّمين فِعله في الدولة؛ لضمان تعلُّم الطلاب المهارات والقدرات التي تُمكِّنهم من فهم العالَم من حولهم فهماً أفضل يجعل منهم أشخاصاً فاعلين فيه؟.
ومن أبرز الأسئلة التي يُمكن طرحها لجعل العبارة أكثر وضوحاً: هل بالإمكان توضيح هذه النقطة أكثر؟، أو هل بالإمكان الحصول على مثال يُوضِّحها؟، أو هل بالإمكان التعبير عن هذه النقطة بأسلوب مختلف؟.
تعني الدِّقَّة خُلُوّ الشيء من الأخطاء أو المعلومات المُحرَّفة، وتضمُّنه معلومات حقيقية وصحيحة، وتتمثَّل دِقَّة العبارة بتصوير الأشياء التي تضمَّنتها على النحو الذي وردت فيه فعلاً، دون زيادة أو نُقصان، أمّا انعدام الدِّقَّة، فيعني انعدام القدرة على الاستناد إليها للخروج بحُكم صحيح؛ لعدم صِحَّتها أساساً، ومن الأمثلة على العبارات غير الدقيقة رغم اعتبارها واضحة: "تَزِن معظم الكلاب ما يزيد عن 136كيلو غرام تقريباً"، وهذه المعلومة غير صائبة.
ومن الأسئلة التي يُمكن طرحها بموجب التفكير الناقد؛ لتقييم مدى دِقَّة العبارات، كيف يمكن التحقُّق من صِحَّة هذه المعلومات؟، وهل يُمكن الثِّقة بهذه المعلومات استناداً إلى المصدر الذي أُخِذت منه؟، وهل يُمكن تدعيم هذه الادِّعاءات بالمزيد من الأدِلَّة؟".
لا بُدّ أن تكون العبارة مُحدَّدة ومُتضمِّنة ما يكفي من التفاصيل؛ للتفكير فيها تفكيراً سليماً؛ إذ تُعَدّ جملة: "يُعاني فلان من زيادة الوزن" -مثلاً- جملةً غير مُحدَّدة؛ فليس في الوُسع معرفة ما إذا كان يُعاني من زيادة قدرها بضعة كيلو غرامات فقط أو أكثر من ذلك بكثير، ومن ثَمَّ لن يكون بالإمكان فهمها فهماً يُسهِم في تقديم نصيحة، أو مُعالَجة المشكلة، أو الخروج بأيّ حُلول أو قرارات حكيمة.
وللحصول على عبارات أكثر تحديداً، يُمكن طرح أسئلة، مثل: هل يُمكن الحصول على مزيد من التفاصيل عن هذه القضية؟، وهل يُمكن للعبارة أن تكون أكثر تحديداً؟.
لتكون العبارة خاضعة لمعايير التفكير الناقد، لا بُدّ من البحث في مدى ارتباطها الوثيق بالموضوع مَحَلّ النظر؛ إذ لا يمكن الاستفادة من الجُمَل غير ذات الصِّلة، أو البناء عليها، حَتّى وإن توفَّرت فيها شروط التفكير الناقد الأخرى.
ومثال ذلك، اعتقاد الطلّاب أنّ عليهم الاعتماد على مقدار الجُهد الذي يبذلونه في دورة مُعيَّنة لرفع درجاتهم فيها، وفي الحقيقة، لا علاقة للجُهد المبذول بالدرجة التي يستحِقّونها، وإنَّما بمدى تحقيق الأهداف المَرجُوَّة من الدورة.
والتفكير الناقد في هذا السِّياق يتطلَّب الإجابة عن أسئلة عِدَّة، مثل: كيف يُؤثِّر مثل هذا الأمر في الحصول على هذه النتيجة؟، وهل يُمكن شَرح العلاقة بين هذه النقطة والموضوع الذي يُمثِّل مِحوَر الحديث؟، وكيف يرتبط هذا السؤال بالقضية المطروحة؟.
تنطوي العبارة الخاضعة للتفكير الناقد على العُمق بالضرورة؛ إي إدراكها التعقيدات الحقيقية في موضوع ما، والحيثيات المُرتبِطة به؛ فمثلًا، تُعَدّ قضية تعاطي المُخدِّرات بين المراهقين مشكلة اجتماعية خطيرة؛ لذا، فإنّ نًُصح الأطفال بتجنُّبها؛ عبر التعبير عن حَلّها بقول: "قل لا فقط"، تعبير سطحيّ يتجاهل تحدِّيات المشكلة.
ولاكتساب تفكير عميق في القضايا المختلفة، يمكن طرح أسئلة عِدَّة لتنمية التفكير الناقد العميق، مثل: هل هذه العبارة بسيطة أم عميقة؟، وما الذي يجعل هذا الموضوع عميقاً؟، وكيف يُمكن التعامل مع التعقيدات المُرتبِطة بهذه القضية؟.
يتطلَّب التفكير الناقد وجود عامل "الاتِّساع" بوصفه شرطاً لتحقُّقه؛ ويعني ذلك أن تتَّسِع الآراء المُتعلِّقة بالموضوع مَحَلّ النظر لتضمَّ وجهات النظر المُتعدِّدة، أو الأُطُر المرجعية المختلفة وواسعة النِّطاق، بما يُمكِّن من تحقيق رؤية شاملة بدلاً من الرؤية المصورة في منظور واحد.
ويُمكن تحقيق هذا الشرط؛ بطرح أسئلة، مثل: ما هي وجهات النظر ذات العلاقة بهذا الموضوع؟، وما هي وجهات النظر التي جرى تجاهلها حتّى الآن وينبغي إعادة التفكير فيها؟، وهل هناك حاجة إلى البحث عن المزيد من وجهات النظر؟.
إنّ العبارات التي تتكوَّن من مجموعة من الكلمات والمفاهيم المُترابِطة معاً ترابُطاً منطقيّاً ومعقولاً خالياً من التناقُضات، من شأنها توفير تفكير نقدي منطقي يخرج بأفكار حكيمة وسليمة، ومن الأسئلة التي يُمكن توجيهها للتركيز على المنطق أثناء التفكير في قضية ما: هل تتناسب هذه المعلومات معاً منطقيّاً؟، وهل هذه النقطة معقولة؟، وهل تتوافق الفقرة الأولى من المقال مع الفقرة الأخيرة فيه منطقيّاً؟.
يتطلَّب التفكير النقدي التركيز على المعلومات والمفاهيم والأفكار الأكثر أهمِّية وصِلة بموضوع ما؛ إذ لا تحمل الأفكار جميعها الأهمّية ذاتها حتى وإن كانت جميعها ذات صلة بالقضية الأساسية، ومثال ذلك أنّ على الطلبة التركيز على طرح أسئلة عِدَّة، مثل: ماذا يعني أن أكون شخصاً مُتعلِّماً؟، وماذا يجب أن أفعل لأصبح مُتعلِّماً؟، بدلاً من التركيز على أسئلة، مثل: ماذا عليّ أن أفعل للحصول على درجة الامتياز في هذه الدورة؟، أو ما الذي ينبغي عليّ فعله لإرضاء هذا المُعلِّم؟.
ولا بُدّ من الحرص على الالتزام بسِياق الأهمِّية عند التفكير النقديّ؛ لذا، لا بُدّ من الإجابة عن أسئلة عِدَّة، مثل: ما هي المعلومات الأكثر أهمِّية لحَلّ هذه المشكلة؟، وما مدى أهمِّية هذه الفقرة في هذا السِّياق؟، وهل هذه هي الفكرة الرئيسة التي ينبغي التركيز عليها؟.
يُشترَط في التفكير الناقد أن يكون خالياً من أيّ تحيُّز، أو خِداع، أو حِيَل، أو محسوبية، أو مصالح شخصية أنانية، أو ظلم، وأن يتعامل بعَدل ومُساواة مع الآراء المُقدَّمة كافَّة دون الرجوع إلى مشاعر الأفراد، أو مصالحهم؛ لأنَّ حدوث هذا يعني أنّ كلّ شخص سيتحيَّز تلقائيّاً لرأيه الخاصّ؛ ممّا يعني انعدام القدرة على التفكير في القضية تفكيراً ناقِداً موضوعيّاً يُمكنه الخروج بنتائج مُحايِدة وفاعلة.
المراجع
[1] criticalthinking.org, Defining Critical Thinking
[2] monash.edu, What is critical thinking?
[3] utc.edu, Basic Elements of Critical Thinking
[4] valenciacollege.edu, Universal Intellectual Standards
[5] files.eric.ed.gov, Critical Thinking: Intellectual Standards Essential
to Reasoning Well Within Every Domain of Human
Thought, Part Two