جار التحميل...
ويُعَدّ التوازن بين العمل والحياة الخاصَّة مِعياراً مُهِمّاً للنجاح على الصعيدَين؛ المهني، والشخصي، وتجدر الإشارة إلى اختلاف الظروف والاحتياجات بين الأفراد؛ ممّا يعني عدم وجود قاعدة ثابتة تتعلَّق بكيفية الوصول إلى هذا التوازن، إلّا أنّ الهدف في النهاية يتعلَّق بإيجاد السعادة داخل إطار العمل، وخارجه.
تحسين الصحّة النفسية من الجوانب الأساسية التي تتحقَّق بتحقُّق التوازن بين العمل والحياة الخاصَّة؛ فعندما يتمكَّن الفرد من تحقيق التوازن، فإنَّه يُقلِّل مستويات التوتُّر والضغط الناتجَين عن العمل المُتواصل دون أوقات راحة، إلى جانب التمكُّن من قضاء وقت كافٍ مع العائلة والأصدقاء، والانخراط في الأنشطة الترفيهية أو الهوايات؛ الأمر الذي يُعزِّز الشعور بالرضا والسعادة، وهذا بدوره يُسهِم في تحسين الصحَّة النفسية، ومواجهة تحدّيات الحياة والعمل بفاعلية وإيجابية أكثر.
ويساعد هذا التوازن أيضاً على تجنُّب الإرهاق والاحتراق الوظيفي الذي قد يُؤدّي إلى اضطرابات نفسية، مثل: القلق، والاكتئاب؛ فالعمل المُتواصِل دون راحة قد يُؤدّي إلى الشُّعور بالحصار أو ثِقَل الأعباء؛ ممّا يُؤثِّر سَلباً في حالته المزاجية، واستقراره النفسي.
لذا، يُنصَح دائماً بتخصيص وقت مُحدَّد للعمل بعيداً عن الحياة الخاصَّة، ودون السماح باستنزاف الوقت كُلِّه في العمل المُرهِق، ولا بُدّ من تجنُّب الرسائل الخاصَّة بالعمل أثناء الاستراحة أو خارج أوقات العمل الرسميَّة؛ لتفادي الانغماس في شؤونه من جديد.
وإلى جانب ذلك، ينبغي على الشركات أن تلتزم بالمرونة عند توزيع المَهامّ، وجدولتها بما يُناسب ظروف المُوظَّف، ويسمح له بقضاء وقته الخاصّ، ويمكن الاعتماد على العمل عن بُعد في المواضع التي تسمح بذلك، ولا بُدّ أيضاً من تخصيص أيّام مُحدَّدة للإجازات؛ لإتاحة الوقت الكافي للمُوظَّفين للراحة أو السفر إن كانوا يرغبون في ذلك؛ ممّا يُعزِّز صِحَّتهم النفسية، ويزيد تركيزهم أثناء العمل.
يُسهِم التوازن بين العمل والحياة في تجنُّب الإرهاق الجسدي الناتج عن العمل المُستمِرّ دون راحة؛ إذ يمكن أن يؤدّي الإرهاق إلى الشعور بآلام في العضلات والظهر، وإجهاد عامّ يُؤثِّر في الأداء اليومي.
وعندما يتمكَّن الفرد من الموازنة بين عمله وحياته الخاصَّة، فإنَّه يتجنَّب تلك الآثار، ويصبح قادراً على تخصيص وقت كافٍ لممارسة النشاط البدني، مثل: التمارين الرياضية، والمشي، أو الاسترخاء، وهذا بدوره يُعزِّز صِحَّة القلب والأوعية الدموية، ويساعد على تقوية العضلات، وتحسين اللياقة العامَّة؛ ممّا يُقلِّل مخاطر الإصابة بالأمراض المُزمِنة، مثل: السُّمنة، وارتفاع ضغط الدم، والسكَّري.
يُؤدّي إعطاء المُوظَّف مساحة شخصية إلى زيادة مستوى إنتاجيته وكفاءته على نحو غير مُباشِر؛ ويُعزى ذلك إلى قدرته على الالتزام بتأدية واجباته المهنية دون تشتُّت ناجم عن ضغط العمل، أو العَجز عن تأدية المسؤوليات الأخرى؛ فالتوازن بين العمل والحياة الخاصَّة يُشجِّع الأفراد على التعاون مع المؤسسة التي ينتمون إليها، ويقودهم إلى الشُّعور بالولاء لها، ويدفعهم نحو تحقيق أهدافها، وهذا نابع من رغبتهم في الاستمرار معها بالطبع.
ومن ناحية أخرى، يبحث أصحاب الكفاءات عن المؤسسات التي تحترم حياة العاملين الشخصية عند التقدُّم إلى وظائف جديدة؛ فالعمل ضمن بيئة كهذه يُعَدّ داعماً للإنجاز ومُستقطِباً للمهارات، وهذه الميزة تُسهِم في الحفاظ على المُوظَّفين القُدامى أيضاً؛ لشُعورهم بالرضا وعدم الاستياء؛ ممّا يعني عدم وجود مُبرِّر للبحث عن مؤسسة أخرى، وهذا كلُّه ينعكس إيجاباً على الأداء وتحقيق الأهداف والإنجازات.
ويمكن أن يكون التوازن بين العمل والحياة الخاصة مفيداً في تحقيق إنجازات أخرى تخدم الحياة المهنية للموظف، وتساعده على التميّز بين زملائه، فيحظى بالوقت اللازم لتوسيع نِطاق معرفته والحصول على خبرات في مجالات مُتنوِّعة؛ بتوجُّهه نحو العناية باهتماماته وممارسة هواياته بشغف، أو الحصول على دورات تدريبية في مجالات مُعيَّنة، أو غير ذلك.
وقد أشار تقرير صادر عن مؤسسة (Mind share partners) عام 2021 إلى أنّ الموظفين الذين يعانون ضغوطات مهنية في العمل، ولا يتمتَّعون بمُستوَيات مُرضِية من الرفاهية، غير قادرين على أداء واجباتهم بطاقاتهم كُلِّها؛ بسبب سيطرة مشاعر التوتُّر عليهم، بالإضافة إلى شُعورهم الكبير بالإجهاد.
يُعَدّ بناء العلاقات المَتينة مع الأهل والأصحاب من الاستثمارات الضرورية للإنسان؛ ففضلاً عن دورها في تحسين حالته المزاجية، فهي تُمكِّنه من الحصول على الدعم اللازم للتأقلُم مع الأزمات، والتعامل معها، إلّا أنّ الحصول على مثل هذه العلاقات يتطلَّب وقتاً كبيراً لا يملكه المُنغمِسون في العمل مُدَّة طويلة؛ لذا، يُنصَح دائماً بإعطاء الأولوية للحياة الاجتماعية، والاستمتاع بالتفاصيل كلِّها أثناء الانخراط فيها؛ فالحياة الجيدة لا تتعلَّق بالنجاح المهني فحسب.
ولا بُدّ أن تكون المؤسسات متعاونة مع مُوظَّفيها؛ ممّا يُتيح لهم تأدية أدوار فاعلة ضمن إطار العائلة، ويُقوّي الروابط الأُسَرية؛ فمثلاً، إن كان المُوظَّف أباً لطفل مريض وزوجته مُوظَّفة أيضاً، يُمكن أن يُعطى إجازة تسمح له بقضاء الوقت في المنزل على أن يُعوِّضه في يوم آخر، وكذلك الأمر عند تخرُّج الطفل من الحضانة؛ إذ يمكن السماح لوالِدَيه بمغادرة المؤسسة مُدَّة زمنية بسيطة، ثمّ العودة إلى استئناف العمل بعد انتهاء الحفل.
المراجع
[1] theaccessgroup.com, Family and work life balance: Why it’s important
[2] healthdirect.gov.au, Work-life balance
[3] personatalent.com, Work-Life Balance: Why It’s Important And How To Achieve It
[4] abacademies.org, The Role of Work-Life Balance, Achievement Motivation on Organizational Commitment through Satisfaction Athletes in Indonesia
[5] ca.indeed.com, Why Work-Life Balance Is Important (With Benefits and Steps)