جار التحميل...
وبمعنى آخر، يُعَدّ الحزن الاستباقي رَدّ فعل يسبق حدوث الفعل نفسه، والذي يكون مصيبة أو حَدَثاً مُؤذِياً من الناحية النفسية، مثل: فراق شخص عزيز، أو وفاته، أو خسارة فرصة ثمينة، أو فقدان الوظيفة، أو غيرها من الأحداث التي يختبر فيها الشخص مشاعر قاسية تُزعِجه وتُرهِقه عاطفيّاً.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك بعض النصائح المُهِمَّة التي تُسهِم في التعامل مع الحزن الاستباقي، والحَدّ من تأثيره في الشخص، ومنها الآتي:
من الطبيعي أن يتأثّر الإنسان بما يُصيبه من الأحداث الصعبة، إلّا أنّ عَيش الحزن مرَّتين؛ قبل وقوع المُصاب، وبعده، مُرهِق ومُؤذٍ أكثر، ومُحطِّم للنفسية التي تستحِقّ الاهتمام والرعاية، ولا ذنب لها في ما يُمليه القَدَر عليها من اختبارات قاسية ومواقف صعبة، ولا يُقصَد بذلك وجوب كبح المشاعر، وتجاهُلها، أو إخفاؤها، وإنَّما السيطرة عليها، ووضعها في نصابها الصحيح.
ولا بُدّ من التذكُّر دائماً أنّ الحياة ستستمِرّ، والحُزن الاستباقي لن يمنع حدوث المُصاب، لكنَّه سيخلق أضراراً صِحِّيَّة ونفسية تزيد حجم المعاناة، ولمنع ذلك، ينبغي اتِّباع استراتيجيات الرعاية الذاتية، ومنها: التركيز على الأهداف، والانشغال بها، والحصول على قِسطٍ كافٍ من الراحة والنوم، وممارسة التمارين الرياضيَّة بانتظام، بالإضافة إلى تمارين الاسترخاء والتأمُّل، واستخدام أساليب الترفيه المختلفة، واتِّباع نظام غذائي صِحِّي، وغيرها من أنماط الحياة الصحِّيَّة.
لكلّ شخص في هذا الكون قَدَر محتوم لا يُمكن الهروب منه؛ خيراً كان أو شرّاً، سعيداً أو حزيناً، إلّا أنّ حُسن الظنّ بالله -عزّ وجلّ-، والتوكُّل عليه، يُعزِّز الشعور بالطمأنينة والسلام الداخلي، ويُساعد على التكيُّف وتقبُّل الأمور التي قد تحدث مهما كانت، ويُخفِّف القلق والحزن بشأن المستقبل والمجهول؛ إذ يُدرك المؤمن أنّ الله هو القادر على كلّ شيء، وأنّ ما يُصيبه كلّه خير له.
ولا ننسى ضرورة استذكار النِّعَم التي وهبها الله لنا؛ فالذاكرة قادرة على مراجعة صفحات الماضي، واستعادة المواقف السعيدة التي يُمكن أن تُخفِّف وطأة الحزن، وفي الوقت ذاته، المُضِيّ قُدُماً، والتفاؤل بالخير، واليقين بأنّ الله سيجعل بعد كلّ عُسر يُسراً، ومن كلّ ضيق مَخرجاً، وأنّ الحزن والمشاعر السلبيّة لن تدوم بإذن الله.
يميل بعض الأشخاص إلى التشاؤم، والانطوائية، والحزن الاستباقي، والغرق فيها، وخاصَّةً عندما يكونون على يقين بأنّ المصيبة قادمة وأنّ الحُزن آتٍ لا محالة، وهنا، يُنصَحون بفهم هذه المشاعر جيِّداً، وتقبُّلها، ومحاولة التركيز على الأشياء التي يُمكن التحكُّم فيها، واغتنام الوقت المُتاح؛ لتخفيف شِدَّة المُصيبة وتأثير الصدمة قبل حدوثها فعلاً.
وعلى سبيل المثال، إن كان سبب الحزن مرض شخص عزيز، أو الخوف من فقدانه ووفاته، فيُمكن استغلال الوقت وإمضاؤه برفقته، وخلق الحِوارات الإيجابيَّة والذكريات الجميلة قبل وداعه، ويمكن أيضاً تهيئة النفس قبل التخلّي عن شيء قَيِّم وخسارته، مثل الوظيفة؛ بإيجاد غيرها، والتأقُلم والتكيُّف المُسبَق.
يحتاج الشخص في الأوقات الصعبة من حياته إلى يد دافئة تربت على كتفه، وتُهوّن عليه الحُزن والألم، وإلى طرف آخر يُشاركه أوجاعه، فيبوح له بمشاعره دون خجل، أو خوف، أو تردُّد؛ فالسكوت ليس دائماً من ذهب، ولم يُخلق الإنسان كي يعيش وحيداً؛ ممّا يعني أنّ الحصول على مساعدة الأسرة أو الأصدقاء المُقرَّبين أمر لا غنى عنه، وخاصَّة عند الشدائد والمِحَن؛ لما له من تأثير كبير في نفسية الشخص، وطريقة تفكيره، وسلوكاته.
وفي دراسة نُشِرَت في مجلّة سيج الأكاديمية (Sage Journals) عن الحزن الاستباقي، وتأثير الدعم الاجتماعي في المُصابين به عام 2018، وشملت 120 مُصاباً يتوقَّعون وفاة شخص عزيز عليهم؛ بسبب مرض مُزمِن، أظهرت النتائج فوائد الدَّعم الاجتماعي وأثره الإيجابي الكبير في نُمُوّ شخصيات هؤلاء الأشخاص وتطوُّرها؛ عبر تحسين طرق تكيُّفهم، ومساعدتهم على التأقلُم أسرع.
تُؤثِّر المشاعر التي ترتبط بالحزن الاستباقي في مزاج المُصاب، وتُعكِّر صفوه، وتُسبِّب له التوتُّر والقلق، في حين أنّ اليقظة الذهنية (Mindfulness)، التي يُقصَد بها الوعي باللحظة الحالية، تُعزِّز التركيز على الحاضر، وتزيد قدرة الشخص على الشعور بها، والتفكير تفكيراً منطقيّاً يجعله يَعي أنّ المشاعر السلبية التي تنتابه سابقة لأوانها ولا قيمة لها الآن، ولا يجب أن تُسَيطر على حياته وتأسِره للأبد.
ومن جهة أخرى، يمكن لاستذكار الماضي الجميل والذكريات السعيدة التي رافقت أشخاصاً يُمكن فقدانهم وعدم التمتُّع بصحبتهم لاحِقاً أن يشعر الشخص بالامتنان والسعادة؛ لأنَّه حَظِي بأوقات جميلة بصُحبتهم ولو لمُدَّة قصيرة، ولأنّ ذكرياتهم وآثارهم الحَسَنة باقِية حتى وإن غادروا.
وختاماً، سواء أكان الحزن استباقيّاً، أم في أوانه، فإنَّها مشاعر بشرية لا يُمكن إنكارها، أو تجاهلها، وقد تُصيب الصغار، والبالِغين؛ لذا، لا ينبغي الخجل منها، أو التفكير في أنَّها اضطراب أو مشكلة كبيرة؛ فالحكمة تَكمُن في كيفية التعامل معها بما لا يُسبِّب أضراراً نفسية تدوم طويلاً، وعُموماً، لا بُدّ من التذكُّر دائماً أنّ الحياة مليئة بالمواقف الجميلة واللحظات الحاسمة والمُشوِّقة التي تنتظر منّا أن نعيشها، وكلّ مُرٍّ سوف يمُرّ مهما طالَت مُدَّته.
المراجع
[1] verywelllmind.com, Anticipatory Grief Is Actually a Thing—What to Know About It
[2] health.clevelandclinic.org, Anticipatory Grief: Symptoms and How To Cope
[3] healthline.com, How ‘Anticipatory Grief’ May Show Up During the COVID-19 Outbreak
[4] verywellhealth.com, Coping With Anticipatory Grief
[5] psychologytoday.com, What Is Anticipatory Grief?