جار التحميل...
وللإدلاء برأي بَنّاء، لا بُدّ أن تكون الملاحظات مَبنيّة على الثقة المُسبَقة بين الأطراف، ولا يُمكن للثقة أن تنشأ من مُجرَّد التصريح بها تجاه الآخرين، بل هي عملية مُستمِرّة تتولَّد من مواقف عملية، مثل: الاستماع لهم عند وقوعهم في مشكلة، واتِّخاذ الإجراءات اللازمة للمساعدة.
يُعرف النقد البَنّاء (Constructive criticism) بأنَّه نوع من أنواع التغذية الراجعة التي تُقدّم ملاحظات أو توصيات مُحدَّدة يُمكن تنفيذها لتحسين العمل، ومع ذلك، يُمكن للنقد التطرُّق إلى الأمور الجيِّدة أيضاً، بل إنّ هذه تُعَدّ من أبرز معايير النقد البَنّاء.
يُوازن النقد البَنّاء بين الملاحظات الإيجابية والسلبية؛ فمن المحتمل جدّاً أن يحمل الفرد الوجهَين معاً؛ فمثلاً، يُمكن للموظّف الذي يصل إلى عمله مُتأخِّراً أن يُسلِّم مشروعاته في مواعيدها الصحيحة دائماً، أو رُبّما امتلك ميزة فريدة تُمكِّنه من حل المشكلات في مجال مُعيَّن؛ لذا، من الضروري دائماً الإشارة إلى تلك الملاحظات الإيجابية، دون الاقتصار فقط على تقديم الملاحظات السلبية.
ومراعاة هذا المبدأ في تقديم الملاحظات يُخفِّف حِدَّة النقد، ويُشجِّع على تحسين أوجه القُصور وتطويرها، وتعزيز نقاط القوَّة الموجودة بالفعل.
ومن الأمثلة على ذلك، قول: "قدَّمتَ عرضاً جيّداً أثناء الاجتماع، وأوضَحت نقاطَك التي ترغب في إيصالها على نحو واضح، ورغم ذلك، أرى أنَّك تحدَّثت بسرعة جَعَلتْ من الصعب على بعض الحضور متابعتك، فهلّا يُمكنك التباطُؤ بعض الشيء، وإجراء بعض التوقُّفات؛ كي يتمكَّن الجميع من فهم المعلومات التي تُشاركها؟، وعموماً كان عملك رائعاً، ومع قليل من التعديلات، سيُصبح أفضل".
ليكون النقد بَنّاءً، على الناقد احترام وجهات النظر المختلفة، وفهم الخلفية التي جاء منها الشخص ودفعته إلى العمل على نحو مُعيَّن، ثمّ تقديم النقد بما يتلاءم مع هذا السِّياق وهذه الظروف؛ لتكون الملاحظات في النهاية موضوعية وغير مُنحازة.
يُعَدّ الوضوح أحدَ معايير النقد البَنّاء؛ ويكون بنقل الملاحظات بالضبط على النحو الذي يفهمه الطرف الآخر؛ ممّا يُقلِّل الصراعات أو الخلافات التي يُمكن أن تنشأ من تقديم ملاحظات مُربِكة أو غير مفهومة.
ليكون النقد بَنّاءً، ينبغي أن يُركِّز على الموقف أو العمل أو القضية المُراد تحسينها بدلاً من التركيز على فاعلها، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التعليق على السلوك لا الشخص، وتجنُّب إصدار الأحكام أو الهجمات الشخصية، واختيار كلمات مناسبة ونبرة محترمة، واستخدام لفظ (أنا)؛ لإظهار تأثير السلوك في الناقد بدلاً من استخدام (أنت)؛ كقول: "أجد صعوبة في فهم المعلومات التي أورَدتَها" بدلاً من "أنت دائماً تقول الأشياء على نحو خاطئ".
ليستوفي النقد البَنّاء معاييره، ينبغي أن يتَّخِذ أسلوب الاقتراح لا الأوامر، حتى وإن كان الناقد في موضع سُلطة، مع وجود بعض الحالات الاستثنائية؛ لإضفاء اللُّيونة على النقد؛ لذا، فإنّ الأكثر صواباً قول: "يُمكن أن تكون مُنتِجاً أكثر لو فعلت كذا" بدلاً من قول: "يجب أن تفعل كذا".
ينبغي اختيار الوقت الذي يكون فيه الشخص مُرتاحاً ومنفتحاً وأكثر تقبُّلاً للاستماع إلى الملاحظات؛ فهذا يُمكِّن من إجراء حِوار فعّال ذي قيمة.
فمثلاً، يُمكن تقديم النقد بعد مرور مُدّة جيِّدة من انتهاء عرض المشروع التقديمي، وليس بعده مباشرة؛ لمنح مُقدِّمه وقتاً للاسترخاء، وتجميع الأفكار، وتجنُّباً لرُدود أفعاله الاندفاعية المَبنيّة على التوتُّر، أو الضغط، أو التعب.
ليكون النقد بَنّاءً، ينبغي أن ينطوي على ذكر ملاحظات نافعة ومُنتِجة، وبهذا فإنّ مُتلقّي النقد سيُركِّز على تحسين أخطائه مستقبلاً بدلاً من مُجرَّد التفكير في الأخطاء التي ارتكبها سابقاً، ومن خصائص الملاحظات النافعة أنَّها مُحدَّدة وغير عامَّة، وقابلة للقياس؛ لتطبيقها تطبيقاً صحيحاً، وقابلة للتحقيق أو التنفيذ.
يُتيح النقد البَنّاء للطرف الآخر مُتلقّي النقد أن يتحدَّث ويذكر وجهة نظره، بينما يُصغي إليه الناقد ويُناقِشه بما يُتيح له الشُّعور بأهمية رأيه ومشاعره، وأنّ جميعها ذات قيمة؛ ممّا يجعل النقد أكثر سهولة في التقبُّل، ومن ثَمَّ تحقيق النتائج المَرجُوَّة على نحو أفضل.
المراجع
[1] hospitalityinsights.ehl.edu, Constructive criticism or toxic comments? How to make the difference?
[2] online.champlain.edu, How to Give Constructive Feedback in the Workplace
[3] humaans.io, Constructive Criticism
[4] themuse.com, The 7 Keys to Giving Constructive Criticism That'll Actually Help the Person Improve
[5] post.edu, Learning to Positively Respond to Constructive Criticism from Professors