جار التحميل...
ومع أنّ الخوف من المرتفعات يُعَدّ أمراً طبيعياً لدى الكثير من الأشخاص، إلّا أنّه مُبالَغ فيه لدى المُصابين بهذا الرُّهاب، وعلى الرغم من عدم وجود سبب واحد مُعيَّن للإصابة به، إلّا أنّ الباحثين يعتقدون أنّه قد يتطوّر من مرحلة الطفولة؛ أي عندما يُلاحظ الطفل أنّ والِدَيه أو مَن هم أكبر سِنّاً منه يخافون من المرتفعات، فيُصاب بالخوف نفسه، أو قد يُصاب به الشخص نتيجة تعرُّضه لصدمة بعد سقوطه من مكانٍ مرتفع أو سقوط شخص آخر أمامه.
تظهر على المُصابين برُهاب المرتفعات عِدّة أعراض جسدية، مثل: التعرُّق الشديد، وزيادة نبضات القلب، والشُّعور بالدُّوار عند التفكير في الأماكن المرتفعة أو التواجد فيها، وضيق التنفُّس أو ألم في الصدر، والارتعاش عند مواجهة المرتفعات، بالإضافة إلى الشعور بالغثيان أو القيء، والخدر، والإحساس بالوخز، وجفاف الفم، وعند النظر إلى أعلى من مكانٍ مرتفع أو النزول من الارتفاع، يشعر المصاب بالدُّوار، أو فقدان التوازن، أو السقوط، وقد يضطر إلى الانحناء أو الزَّحف عند الصعود إلى المرتفعات حتى لو لم يكن خطر السقوط مُحتمَلاً.
تُصاحِب الأعراضَ الجسديةَ لرُهاب المرتفعات أعراض نفسيّة، مثل: الذُّعر عند النظر إلى الأماكن المرتفعة، أو التفكير في الحاجة إلى الصعود إلى مكانٍ مرتفع، والخوف الشديد من الوقوع من المرتفع أو فقدان التوازن، والخوف من الموت، والشعور بالانفصال عن الواقع، أو الانفصال عن الجسد، والقلق الشديد عند التفكير في مواجهة أماكن مرتفعة مُستقبلاً.
وعندما تكون الأعراض شديدة، فإنّ الإصابة بنوبة هَلَع تكون واردة الحُدوث؛ وهي نوبة شديدة مُفاجئة من الخوف، تُحفِّز ردود أفعال جسدية شديدة، حتى لو لم يكن هناك سبب حقيقي للخوف؛ أي أنّها قد تحدث دون الاقتراب من المرتفعات، ويمكن أن تؤدّي لاحقاً إلى الشعور بالضغط النفسي، والقلق، والاكتئاب.
يترافق رُهاب المرتفعات بأعراضٍ سلوكية تشمل تجنُّب الذهاب إلى الأماكن المرتفعة، مثل: البنايات الشاهقة، أو الشرفات، أو الجسور، أو المناطق الجبلية، كما أنّ المُصابين يرفضون النظر إلى الأسفل من الأماكن المرتفعة، أو يُعانون صعوبة في ذلك، بالإضافة إلى تجنُّب الأنشطة التي تتضمّن المرور بالمرتفعات؛ كالمشي مسافات طويلة، أو التسلُّق، أو ركوب التلفريك، أو السلالم الكهربائية، وقد تظهر لديهم رُدود أفعال شديدة؛ كالغضب، والارتباك، أو حتى قد يُعانون من عجز مؤقّت عن الحركة نتيجة مشاعر الذُّعر الشديدة.
لا يعني رُهاب المرتفعات أنَّه محصور فقط في الخوف من تسلُّق الجبال مثلاً؛ لأنَّ المُصابين به يُعانون من الأعراض نفسها عند مُرورهم بأماكن مرتفعة أخرى في حياتهم اليومية؛ كالتواجد في ناطحات السحاب، وركوب الطائرات، وحتى استخدام المصاعد الكهربائية، وصعود الدرج الطويل، كما لا يُمكنهم النظر من نوافذ الطوابق العُلوية أو شُرفاتها، أو عُبور الجسور أو القِيادة عليها، وحتى الذُّعر من استخدام مِرآب السيارات مُتعدِّدة الطوابق، وهذا يُصعِّب عليهم مُمارَسة الأنشطة اليومية بسهولةٍ وراحة، ممّا يعني ضرورة التعامل مع الرُّهاب قبل أن تتفاقم أعراضه.
لدى حدوث نوبات القلق والهَلَع من المرتفعات، يُمكن التعامل مع الأعراض والتخفيف من حِدَّتها؛ بالجلوس أو الاستلقاء والتوقُّف عن الحركة، ومحاولة تشتيت الذهن عن مشاعر الخوف؛ بالنظر إلى الأشياء الثابتة القريبة، ومحاولة تأمُّلها والتركيز عليها فقط، وإن كانت الأعراض شديدة لا يُمكن التغلُّب عليها بهذه التمارين البسيطة، فلا بُدّ حينها من مراجعة الطبيب المُختَصّ؛ للحصول على العلاج المناسب حسب طبيعة الحالة وشِدّتها، وإبقاء الأدوية والمُهدِّئات الموصوفة من قِبَله في الحقيبة الشخصية مثلاً، أو أيّ مكان قريب؛ تحسُّباً لأيّ طارئ.
يُشخِّص الطبيب النفسي رُهاب المرتفعات من خلال أربعة معايير أساسية؛ باعتبار أنّ الأعراض قد تتشابه مع أنواع الرُّهاب الأخرى، وتشمل هذه المعايير الخوف الشديد والمُستمِرّ وغير المُتناسِب مع الموقف، والقلق الاستباقي من المرور بجانب أيّ مرتفع، وتجنُّب الأماكن التي تتضمَّن المرتفعات، وتداخل الرُّهاب في الأنشطة اليومية بطريقة تُشعِر المُصاب بالخوف دائماً.
ويُمكن علاج رُهاب المرتفعات بعِدَّة أساليب، من أهمّها: العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يُركّز على تعلُّم كيفية السيطرة على مشاعر الذُّعر تماماً، والعلاج بالأدوية والمُهدِّئات، إلّا أنّ العلاج بالأسلوبَين معاً يُعطي نتائج فَعّالة أكثر من استخدام أحدهما فقط، أمّا الأسلوب الأخير، فهو العلاج بالتعرُّض (Exposure therapy)؛ ويجري فيه تعريض المريض لمُسبِّبات الرُّهاب على أرض الواقع، أو حتى باستخدام تقنيات الواقع الافتراضيّ، بشكلٍ مدروس وتحت الإشراف الطبّي، وتوجيهه نحو الطريقة الصحيحة للتعامل مع مشاعر الذُّعر.
وختاماً، يُمكن للمُصاب برُهاب المرتفعات القيام ممارسة عِدَّة أمور لتجنُّب ظهور الأعراض مع مرور الوقت، أو على الأقلّ تخفيف حِدّتها، مثل: تثقيف الذات، والتعرُّف أكثر على هذا الرُّهاب، والبحث عن تقنيات فَعّالة للتعامل مع الخوف والقلق.
بالإضافة إلى اتِّباع نمط حياة هادئ ومُريح قدر الإمكان، ويشمل عِدَّة مُمارَسات، مثل: الحصول على قِسطٍ كافٍ من النوم، وممارسة الرياضة بانتظام، وكذلك ممارسة تمارين الاسترخاء، مثل التنفُّس العميق؛ لإرخاء العضلات تدريجيّاً، والحفاظ على الصحّة النفسية، وأخيراً طلب الدَّعم من العائلة والأصدقاء، أو التواصُل مع مجموعات تطوُّعية مُهتَمّة بالأشخاص الذين يُعانون من رُهاب المرتفعات.
[1] my.clevelandclinic.org, Acrophobia (Fear of Heights)
[2] healthcentral.com, Acrophobia (The Fear of Heights): Are You Acrophobic?
[3] verywellhealth.com, Acrophobia Is the Fear of Heights
[4] healthline.com, Understanding Acrophobia, or Fear of Heights
[5] siloamhospitals.com, Acrophobia - Causes, Symptoms, and Treatments