جار التحميل...
وممّا يُصعِّب الأمر أنَّ الطفل في كثير من الأحيان لا يستطيع تمييز طبيعة الصداقات الجيِّدة من غيرها، وحتى إن مَيَّزها الطفل الأكبر عمراً، فقد لا يرغب في إنهائها؛ لشعوره بالحاجة إلى وجود أصدقاء من حوله والانتماء إليهم، حتى وإن كانوا سيِّئين.
فيما يلي توضيح لكيفيَّة اكتشاف وجود صديقٍ سيِّئٍ في حياة الطفل:
عندما يحدث تغيير مفاجئ في طبيعة الطفل وسلوكاته، فإنّ ذلك قد يكون إشارة إلى وجود صديقٍ سيِّئٍ في حياته؛ كأن يصبح عُدوانِيّاً، أو مُتنمِّراً، أو مُتقلِّب المزاج، أو مُتراجِعاً في دراسته إلى حدٍّ كبير، أو لا يحترم الأشخاص الأكبر منه بدءاً من الوالدَين والأقارب مروراً بالمُعلِّمِين وانتهاءً بغيرهم، وما إلى ذلك من السلوكات غير المُعتادة التي قد يُمارسها الطفل بهدف تقليد صديقه السيِّئ، والرغبة في إرضائه.
يتعرَّض الطفل في كثير من الأحيان إلى الضغوط من أقرانه في محاولته التكيُّف معهم، وهو أمر طبيعيّ في مرحلة نُمُوِّه، إلّا أنّ هذه الضغوط يمكن أن تتحوَّل إلى مشكلة خطيرة عندما يتورَّط الطفل في سلوكاتٍ مُخالِفة لدينه وقِيَمه وتربيته والقواعد الأخرى من حوله، وخاصَّة بعد تقرُّبه من أصدقاء جُدد؛ كأن يكذب، أو يسرق، أو يستخدم لغة أو مصطلحات جديدة غير لائقة، أو يتمرَّد بشكل مُفرِط، فلا يلتزم بقوانين البيت والمدرسة، كما قد يتسبَّب صديق السوء بانخراط صديقه في أنشطةٍ تحمل مخاطر صحِّية أو اجتماعية؛ كالتدخين، أو العنف، أو التخريب المُتعمَّد.
إذا بدا الطفل مهووساً بصديق مُعيَّن بشكل مُفرِط، وكان يعتمد عليه دائماً للحصول على الدعم العاطفيّ وكأنَّ حياته تدور حول صديقه فقط، فتجده يبذل جهوداً كبيرة لإرضائه، ويضع احتياجات هذا الصديق فوق احتياجاته الخاصَّة بشكل يُفقِده حُرِّيَّته وهويَّته الشخصية، فقد يشير ذلك إلى أنّ هذا الصديق سيِّئ، ويُؤثِّر سلباً في تطوُّره الاجتماعي والعاطفي.
قد تتسبَّب الصداقة السيِّئة في تراجُع ثقة الطفل بنفسه، وشعوره بالنقص؛ فعلى سبيل المثال، قد يظهر من كلام الطفل أو أفعاله عدم رضاه عن نفسه باستمرار، وأنَّه لا يستحقّ مَحبَّة الآخرين ودعمهم، وهذا قد يكون نتيجة السلوكات السلبية التي يُمارسها الطفل المُتأثِّر، والتي يمكن أن تُؤدّي إلى تشويش قِيَمه ومُعتَقَداته الأخلاقيَّة، وشعوره بالحيرة بشأن كيفية التصرُّف، أو ما إذا كانت قِيَمه الأساسية صحيحةً أم لا، مِمّا يُؤثِّر سَلباً في ثقته بنفسه.
عندما يُفضِّل الطفل قضاء وقته بصحبة الصديق السيِّئ دائماً على حساب العائلة أو الأصدقاء القُدامى، فإنّ ذلك قد يشير إلى أنّ الصديق السيِّئ يُمارس تأثيراً كبيراً في اختيارات الطفل وسلوكه؛ كأن يفرض سيطرته عليه، أو يُقنعه بأنَّه الوحيد الذي يفهمه ويدعمه، ممّا يصل بالطفل المُتأثِّر إلى الانعزال الكامل، وفُقدان اتِّصاله بالعالم الخارجيّ بشكلٍ كبير.
على الآباء أن يكونوا حذِرين ويَقِظين فيما يتعلَّق بصداقات أطفالهم، وعند الاشتباه بوجود صديق سيِّئ في حياة الطفل، عليهم أن يتَّخِذوا استراتيجيّات مدروسة، مع الحفاظ على العلاقة القويَّة، والتواجد الدائم لدَعم الطفل، دون إشعاره بأنَّه مُراقَب باستمرار أو بأنَّه مُقيَّد.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ طَلَب إنهاء صداقة سيِّئة من الطفل بشكل مُباشِر، أو إجباره على ذلك، غالباً ما يأتي بتأثير عكسيّ، لذا يُنصَح الىباء أوَّلاً بالتواصل المفتوح مع الطفل، وإظهار فهمهم لمَشاعره وتجاربه؛ من خلال طرح أسئلة حول صداقاته؛ كسُؤاله عَمّا يُعجِبه في صديق مُعيَّن، وما الصفات التي يُقدِّرها في الأصدقاء بصورة عامَّة، والتحدُّث عن أُسُس الصداقة الصحِّية معه بما يتوافق مع عمره؛ فهذا يساعد الطفل على التمييز بين الصديق الجيِّد والسيِّئ، ويمنح الآباء الفرصة لفَهم وجهة نظر الطفل.
ومن المهمّ أيضاً أن يفهم الآباء طبيعة علاقة طفلهم بهذا الصديق السيِّئ؛ كسبب رغبة الطفل في هذه الصداقة، وهل هي لتلبية حاجته إلى الانتماء والدعم العاطفي، أم خوفاً من مشاعر الوحدة، أم لفضوله فيما يتعلَّق بسلوكات صديقه السيِّئ الجديدة عليه، ويمكن ذلك باستخدام الأسئلة المفتوحة مع الطفل، والاستماع الفعّال له، وتشجيعه على مُشارَكة ما يُواجِهه من تحدِّيات خارج المنزل.
وتتمثَّل الخطوة التالية -عند التأكُّد من وجود صديق سيِّئ في حياة الطفل- بتشجيعه على وضع مسافة بينه وبين هذا الصديق، وإفهامه أنّ بقاءه على اتِّصال مع هذا الصديق السيِّئ سيدفعه إلى القيام بأفعال غير جيِّدة وضارَّة، وأنَّ الصديق الجيِّد يجعل صديقه أفضل، ويقوده نحو الأفعال الحسنة؛ لمساعدة الطفل في اتِّخاذ القرار الصحيح.
وهنا على الآباء أن يتحلَّوا بالصبر والحكمة؛ ففي كثير من الأحيان لن تكون فكرة الابتعاد عن الصديق السيِّئ مقبولة لدى الطفل؛ لذا لا بُدَّ من مساعدة الطفل على رؤية ما يحدث بوضوح؛ من خلال مُناقَشة سلوك الصديق السيِّئ وتأثيره السلبيّ، كما يمكن مساعدته على تسمية مشاعره، ومناقشة مخاوفه بشكل مباشر بشأن هذا الصديق، فبهذه الطريقة يشعر الطفل بأنَّ والِدَيه يفهمانه، ويُقدِّمان الدعم اللازم له، ممّا يُسهِّل عليه قبول فكرة الابتعاد عن هذا الصديق.
وفي الوقت ذاته، يجب مساعدة الطفل على إقامة علاقات جديدة، وتعزيز قِيَمه ومهاراته الاجتماعية، وتشجيعه على تجربة أنشطة جديدة، مثل الانضمام إلى نادٍ جديد، أو المشاركة في وُرَش عمل، أو ممارَسة هواياتٍ مختلفة، ممّا سيمنحه فرصة التعرُّف إلى أصدقاء جُدد، ويجعل الانسحاب من علاقة الصديق السيِّئ أسهل.
ويجدر بالذِّكر أنَّ تأثير ضرر الصديق السيِّئ مُتفاوِت؛ فإن كان الصديق يُشكِّل خَطَراً على حياة الطفل، فإنَّ التدخُّل الفوريّ والسريع يصبح ضروريّاً؛ بإبعاد الطفل المُتأثِّر عن مكان وجود صديقه، والتحدُّث معه حول خطورة الموقف وأهمِّية سلامته، مع مُراقَبة سلوكاته بدِقَّة، كما يمكن طلب استشارة المُختَصِّين عندما يصبح التعامل مع الأمر أكثر صعوبة.
[1] psychologytoday.com, 10 Signs a Child Is in a Toxic Friendship & How You Can Help
[2] childpsych.co.za, Signs of an Unhealthy Friendship in Kids: A Guide for Parents
[3] standardmedia.co.ke, Six signs your child is in the wrong friendship group
[4] kaleido.ca, Is Your Child’s Friend A Bad Influence?
[5] allprodad.com, 5 Signs Your Child’s Friends Are the Worst