جار التحميل...
يُقصَد بمُصطلح ضغط الأقران (Peer Pressure) التغيير السلوكي والتأثير الاجتماعي الذي تُمارسه الفئات الاجتماعية المُحيطة بالفرد، والتي تنعكس على تفكيره وتصرُّفاته؛ بحيث تُخالف رغبته وقناعته الحقيقية، لكنَّه يضطر إلى ممارستها أو تبنّيها؛ رغبةً في قبول هذه الفئات له، وشعوره بالانتماء إليهم؛ سواء الأصدقاء، أو الأقارب، أو زملاء العمل.
عندما يقضي الشخص وقتاً كثيراً مع أقرانه، فإنّه يطَّلِع على شخصياتهم، ويقرأ أفكارهم، ويستمع لمُعتقَداتهم، ويشهد سلوكاتهم ورُدود أفعالهم، ومن الطبيعي؛ نتيجة الاتِّصال المُستمِرّ، أن يتأثَّر ببعض ممارساتهم، أو يتعلَّم منهم، إلّا أنّ المشكلة تَكمُن في نوعية التأثير، وسببه؛ هل هو تقليد أعمى دون هدف؟ أم حاجة إلى القبول منهم والبقاء معهم؟ أم شعور بعدم الرضا عن النفس مقارنة بهم؟
قد تنتج عن ضغط الأقران سلوكات إيجابية مُحفِّزة وداعمة تصقل الشخصية، وتُنمّي المهارات، وترتقي بالفرد، عندما يحذو حذو أقرانه الصالحين، أو قد يكون بوّابةً لسلوكات سلبية ذات آثار خطيرة ومؤذية ينبغي الحذر منها وتجنُّبها، وفي ما يأتي توضيح أكثر لهذه الآثار حسب الفئة العُمرية:
يختلف تأثير ضغط الأطفال؛ بحسب أعمارهم، وأجناسهم، وقد يَظهر ذلك في سلوكاتهم وأفعالهم إن كان الضغط سلبيّاً؛ كأن يُصبحوا أكثر عُدوانية، أو مَيلاً إلى التنمُّر على الآخرين، وقد يُفضِّل بعضهم الانطوائية والجلوس بعيداً عن غيره من الأطفال، وقد ينعكس الأمر على تحصيلهم العلمي، ومن ثَمَّ تدنّي مستوياتهم الدراسية، أو قد يرفض بعضهم ارتياد المدرسة.
أمّا إن كان الضغط إيجابيّاً، فقد تتحسّن مستوياتهم الدراسيّة، وتظهر سلوكاتهم الحسنة، وأخلاقهم النبيلة، عندما يقتدون بأقرانهم المُتميِّزين والمُهذَّبين.
قد ينتج عن ضغط الأقران الشباب والمراهقين مشاعر سلبية ومؤذية تتمثَّل بالأنانية، والمَيل إلى العزلة، وتجنُّب الجلوس مع الأسرة، والاكتئاب، وانعدام الثقة بالنفس، ونبذ الذات وعدم الرضا عنها، أو قد يمارس الشاب أو المُراهق سلوكات خطيرة؛ كإيذاء النفس، أو التدخين، أو تعمّد الشجار مع الآخرين، أو المبالغة في الاهتمام بالمظهر وتصنُّع الغرور، وغيرها.
بينما تكون التأثيرات جيِّدة وفي صالح الشخص إن كان الضغط إيجابياً، مثل: الدراسة، والعمل بجدّ، والرغبة في النجاح، وتبنّي الأهداف الطموحة، والسَّعي إلى تحقيقها، واحترام الآخرين، والتسامح معهم، وغيرها من القِيَم الحَسَنة.
هُناك إجراءات مُهِمَّة يُساعد اتِّباعها في محاربة ظاهرة ضغط الأقران السلبيَّة، والحدّ منها، وأبرزها ما يأتي:
تقع على عاتق الوالدين بالدرجة الأولى مسؤولية الاهتمام بسلوكات أبنائهم، ومراقبة علاقاتهم، ونوعية أقرانهم، فإن لاحظوا أيّ سلوكات مشبوهة، أو شخصيات سلبيَّة، في محيط أبنائهم، فلا بُدّ لهما من توعيتهم، وإسداء النصيحة لهم، ودعم شخصيّاتهم لتكون أفضل، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وحُبّهم لذواتهم، وتقديرها.
ولا بُدّ أيضاً من منح الأبناء الثقة، وإفساح المجال لهم للحوار المفتوح، والتعبير عن أفكارهم، واحتياجاتهم، وعدم الضغط عليهم، وإنَّما توجيههم؛ لتقييم أنفسهم، وتصويب سلوكاتهم، واختيار الأقران الصالحين، والاقتداء فقط بالصواب.
يؤدّي الوعي المجتمعي دوراً بارزاً في حَثّ الأطفال والشباب على الاقتداء بالقدوة الحَسَنة، وتجنُّب تقليد الشخصيات السلبية والمُؤذية تقليداً أعمى، بالإضافة إلى تقدير الذات، والتفرُّد بشخصية مثالية مُميَّزة ذات طابع خاصّ لا يتبع أحداً، ولا تكون نسخة من غيرها؛ عبر وسائل عِدَّة، أبرزها: البرامج التوعوية، والمحاضرات التي تُعقَد في المدارس والمؤسَّسات التعليمية.
بالإضافة إلى الاستفادة من مِنصّات التواصل الاجتماعي وسرعتها في نقل المعلومة، وإيصالها، ونشرها على نطاق واسع؛ بنشر المنشورات الهادفة، مثل: الفيديوهات، والصور، التي تُظهر عواقب التقليد الأعمى للأقران، والتأثُّر بسلوكاتهم، وشخصياتهم، دون وعي وتفكير؛ كإظهار آثار التدخين، وتعاطي الموادّ المُخدِّرة في الأفراد، وكيف ستقودهم إلى طريق مسدود ومحفوف بالمخاطر، وكيف أنَّ التنمُّر على الآخرين يُلحِق الأذى بهم، ويحطّ أيضاً من قيمة الفرد نفسه ومكانته في مجتمعه، وغيرها.
على الفرد البالغ أن يثق بنفسه وبقدرته على تمييز الصواب والخطأ، ويتحمَّل مسؤولية تصرُّفاته وأفعاله، ولا ينقاد وراء أقرانه دون هدف واضح، أو لمُجرَّد الرغبة في الحصول على ودّهم وقبولهم له، وعليه أن يبحث عن الأشخاص المناسبين له، والذين يتحلَّون بصفات وأخلاق حميدة يُمكنه الاقتداء بها، ولا يخجل من التصرُّف على طبيعته أمامهم، ولا يحتاج إلى الانسياق وراء رغباتهم، أو يتصنَّع هويّته ويُغيِّرها لكسب رضاهم.
وختاماً، إن كان تأثير الأقران في الفرد كبيراً على نحو يُحوِّله إلى شخص آخر، وتترتَّب على سلوكاته آثار خطيرة تُلحِق الضرر به، أو بمُجتمعه، دون أن يتمكَّن من السيطرة عليها، فعندها، يُوصى باللجوء إلى الأخصائي النفسي، وخاصَّةً عند الخوف عليه من إيذاء نفسه، أو غيره من السلوكات الخَطِرة.
المراجع
[1] verywellmind.com, What to Know About Peer Pressure
[2] kidshealth.org, How to Handle Peer Pressure
[3] mentallyhealthyschools.org.uk, Peer pressure
[4] fcps.edu, How to Handle Peer Pressure
[5] parents.com, How Peer Pressure Influences Your Child