جار التحميل...
الإبداع (Creativity) هو مفهومٌ غنيّ يحمل الكثير من المعاني والدلالات العميقة؛ إذ يُشير لغةً إلى الابتكار، وإيجاد شيءٍ غير مسبوق، أمّا اصطلاحاً فهو القدرة على الاختراع وصُنع شيءٍ جديد لم يكن موجوداً من قبل؛ سواء كان إيجاد حلول لمشكلةٍ ما، أو ابتكار أدوات وأجهزة جديدة، أو طُرقٍ وأساليب فريدة لإنجاز عملٍ ما.
وبمعنى آخر، فالإبداع بُعد النظر، ورؤية الأمور من منظورٍ مختلف، ممّا يمنح القدرة على حلّ المشكلات، وتوليد أفكارٍ وبدائل مفيدة، وتحويلها إلى واقعٍ ملموس؛ لمُواكَبة التغيير والتطوُّر، وتحسين جودة الحياة في مختلف المجالات.
فعند مواجهة تحدّياتٍ جديدة، وأسئلةٍ غير مألوفة، يأتي دور الإبداع؛ بالبحث عن حلولٍ وإجاباتٍ غير تقليدية، فيُحفِّز الخيال، والمُحاكاة، والتفكير المُتميِّز الذي يُشار إليه عادةً بـ "الابتكار" أو "التفكير الإبداعيّ"، وتعتمد قيمة هذا الإبداع على مدى التحسينات الجوهرية التي يُقدِّمها للأشياء الموجودة مُسبقاً، أو ابتكار أشياء جديدة تُحدِث نقلةً نوعيّة، وتُلبّي احتياجات لم تكن موجودة من قبل.
فيما يأتي أهمّ المهارات اللازمة لتنمية الإبداع، وتحقيق أقصى استفادة منه في مختلف جوانب الحياة:
للوصول إلى أفكارٍ إبداعية وحلولٍ مُبتَكَرة لمشكلةٍ ما، لا بُدّ أوّلاً من ملاحظة وجود هذه المشكلة من الأساس، أو حتى التنبُّؤ بها قبل وقوعها، ومن أفضل المهارات التي تُساعد في ذلك بلا شكّ مهارة المُلاحَظة الدقيقة التي يُمكن تنميتها؛ بالتركيز دائماً على اللحظة الحالية، والانتباه إلى التفاصيل الصغيرة في البيئة المحيطة، بما في ذلك الأشكال، والألوان، والأصوات، مع طرح الكثير من الأسئلة التي تتعلّق بها، بالإضافة إلى ممارسة التأمُّل، وتمارين اليقظة الذهنية، يوميّاً.
يبدأ حلّ المشكلات الفعّال بالتفكير التحليلي، وإجراء عصف ذهني، وطرح الكثير من الأسئلة، واستكشاف وجهات النظر المختلفة؛ لفهم المشكلة بدقَّةٍ وعُمق، ثمّ جمع المعلومات من مصادر مُتنوِّعة، وتقسيمها إلى أجزاءٍ أصغر؛ لتحليلها بدقَّة، وفهم العلاقة بينها بشكلٍ أوضح.
وأخيراً، ربط الأفكار بعضها ببعض، والوصول إلى حلولٍ مُبتَكَرة، وأفكارٍ جديدة وفريدة، ويجدر بالذّكر أنّ الخرائط الذهنية من أفضل الأدوات التي يُمكن استخدامها لتحليل الأفكار وتنظيمها بصرياً، ممّا يُسهّل من عملية استيعابها، والوصول إلى حلول إبداعية.
في الحقيقة، لن تكون الأفكار والحلول الإبداعية مفيدة فعلاً إن لم يتمكّن صاحبها من التعبير عنها بوضوحٍ، وإيصالها إلى الأشخاص المعنيين بفاعليةٍ؛ لتحسينها وتطويرها أكثر، ثمّ تطبيقها على أرض الواقع.
ولتحقيق التواصل الفعّال، من الضروري استخدام لغة بسيطة ومباشرة يُمكن فهمها بسهولة، مع عرض الأفكار بطريقةٍ مُنظَّمة ومُترابِطة؛ شفويّاً أو كتابيّاً، بالإضافة إلى الاستماع الجيّد للآخرين، وإظهار الاهتمام بما يقولونه، وطرح الأسئلة عليهم؛ لفهم أفكارهم ووجهات نظرهم بشكلٍ أفضل، وبالتالي إثراء النقاش، وتبادل الأفكار بفاعليةٍ أكبر، والوصول إلى نتائج أفضل.
تُشير مهارة الانفتاح الذهني إلى تقبّل الأفكار والتجارب الجديدة، دون تحيُّزٍ مُسبَق، أو تمسُّكٍ شديدٍ بالآراء الخاصّة، وكذلك تقبُّل الاختلاف، وتنوُّع الأفكار والثقافات، وإدراك أنّ لكلّ شخص وجهة نظر مختلفة للأمر نفسه، ممّا يُتيح التكيُّف بسهولةٍ مع الأوضاع المختلفة، والوصول إلى أفكار إبداعية، وأساليب جديدة لحلّ المشكلات، ومن ناحيةٍ أخرى، يسمح هذا الانفتاح بمشاركة الأفكار الإبداعية مع الآخرين بحرّيةٍ دون الخوف من التعرّض للانتقاد السلبي، وكذلك المرونة، وتغيير السلوك والمُعتَقدات بناءً على الأدلّة الجديدة والتجارب المختلفة؛ للوصول إلى نتائج أفضل.
ومن الطرق التي يُمكن اتِّباعها لاكتساب مهارة الانفتاح وتحسينها، ممارسة الاستماع الفعّال عند مناقشة الآخرين، وتوسيع الآفاق؛ من خلال تجربة مغامراتٍ وتحدِّياتٍ جديدة، مثل السفر إلى أماكن مختلفة حول العالم، والتعرّف إلى ثقافات الشعوب، بالإضافة إلى عدم الخوف من مغادرة منطقة الراحة وارتكاب الأخطاء، بل اعتبارها وسيلة للتعلُّم واكتساب الخبرات.
تُدرك دولة الإمارات العربية المُتَّحِدة تماماً أهمّية الإبداع والابتكار؛ لتحقيق التنمية المُستَدامة، والتقدُّم في مختلف المجالات، ولهذا أبدت اهتماماً كبيراً بترسيخ ثقافة الإبداع والابتكار، وتوفير بيئة داعمة ومُحفِّزة؛ من خلال العديد من المُبادَرات والاستراتيجيات الوطنية، ومنها: "الاستراتيجية الوطنية للابتكار المُتقدِّم" التي اعتُمِدَت منذ عام 2018؛ لتعزيز مكانة دولة الإمارات كمركزٍ رائد للابتكار على مستوى العالم، بالإضافة إلى تشجيع الإبداع والمُخاطَرة المدروسة، وإيجاد حلول مُبتَكَرة للمستقبل تتوافق مع محاور وأهداف مئويَّة الإمارات 2071.
وإلى جانب ما سبق، فقد أُطلِق "البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع" من قِبل وزارة الثقافة والشباب لدعم المبدِعين الإماراتيِّين، وتشمل المِنَح سبعة مجالاتٍ رئيسة، هي: التأليف والنشر، والتراث الثقافي، والموسيقى، والفنون الأدائية والمسرح، والأفلام والتلفزيون، والفنون البصرية والتصميم، وألعاب الفيديو.
وفي النهاية، من المهمّ التذكُّر دائماً أنّ الإبداع رحلة تتطلَّب ثقةً كبيرةً بالنفس، وإيماناً عميقاً بالقدرات والإمكانات، مع تخصيص الوقت الكافي لتنمية المهارات الإبداعية، وتعلُّم طرق واستراتيجياتٍ فعّالة؛ لتحليل الأفكار، وتنظيمها؛ كالعصف الذهني، والخرائط الذهنية، ومن ناحيةٍ أخرى، لا بُدّ من تجنُّب نقد الذات والتفكير بطريقةٍ سلبية، بالإضافة إلى عدم الخوف من البدايات، وتقبُّل الفشل إن وقع؛ فما هو إلّا فرصة للتعلُّم، والتطوُّر، واكتساب خبراتٍ جديدة.
[1] u.ae, إستراتيجية الإبتكار والتفكير الإبداعي
[2] indeed.com, Useful Creative Thinking Skills: Definition and Examples
[3] betterup.com, How to improve your creative skills for effective problem-solving
[4] verywellmind.com, How to Boost Creativity
[5] u.ae, البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع