جار التحميل...
تُمثِّل الخريطة الذهنية (Mind Map) تقنية بصرية تُنظِّم سلسلة من البيانات والأفكار الفرعية المُتَّصِلة معاً بفكرة مركزية، وسُمِّيَت بالخرائط الذهنية؛ لأنَّها تُحاكي عمل الدماغ البشري في إنشاء روابط تصِل بين الأفكار المختلفة، ويُمكن إنشاؤها بدمج عِدَّة رموز وألوان أو خطوط تُسهِّل حفظ الأفكار وفهمها.
وبمعنى آخر، تُصمَّم الخريطة الذهنية على هيئة رسم تخطيطي يضمّ عُنصراً مِحورياً تنبثق منه عناصر أو معلومات تجمعه بها روابط مُعيَّنة، وهي وسيلة لتنظيم المعلومات بصرياً؛ عبر خطوط تربط الأفكار بعضها ببعض عِوضاً عن تدوينها على هيئة نقاط خَطِّية.
من أبرز فوائد استخدام الخرائط الذهنية ما يأتي:
تربط الخرائط الذهنية الأفكار وتصِلها معاً بكيفية تنسجم مع آليَّة عمل العقل الطبيعية في معالجة الأفكار والبيانات، وهو أمر يُسهِّل حفظ المعلومات ويضمن تذكُّرها لاحقاً، وهو المقصد الأساسي والثمرة الحُلوة التي تُحصَد عند إنشاء هذه الخرائط.
ويُشار إلى أنّه لا فائدة من جمع المعلومات دون تذكُّرها وحفظها؛ سواء أكان بالحوار مع الآخرين، أم بالبحث والاستنتاج الفرديّ، لا سِيَّما إن كانت المعلومات مُتجدِّدة في كلّ جلسة، ولا بُدّ من تطبيق نتائج الجلسة السابقة، واستذكارها، والبناء عليها.
ووفقاً لدراسة نُشِرَت في مجلة (Indian Journal of Community Medicine) المُتخصِّصة في مجال الطبّ الوقائي والاجتماعي، عام 2017، عن تأثير التعلُّم باستخدام الخرائط الذهنية، وفاعليَّتها في اكتساب المعرفة وحفظ المعلومات وتذكُّرها، طُبِّقت تجربة شملت 64 طالباً من كلّية الطب، وأظهرت النتائج أنّ تقنية الخرائط الذهنية وسيلة فاعلة في تذكُّر الأشياء على نحو أفضل من السُّبل المُعتادة والتقليدية في قراءة النصوص.
يُعاني أشخاص كثيرون مشكلة عدم القدرة على التعلُّم من البيانات الجديدة رغم سماعها؛ إذ لا يمكنهم توثيقها أو حفظها في الذاكرة، بينما يحفظ غيرهم المعلومات عن ظهر قلب دون فهمها أو ربطها ببيانات أخرى مشابهة؛ ممّا يُظهر الحاجة إلى التعليم الهادف الذي يُمكِّن الطالب من تعلُّم معلومات جديدة، وحفظها، وربطها بمعلومات تجمعها بها قواسم مشتركة.
ويُشار إلى أنّ التعليم المُوجَّه والهادف هو الوسيلة المُثلى التي تُفيد الطالب مُستقبَلاً في استخدام ما تعلَّمه، ثمّ رَبطه بحقائق جديدة، واعتمادها أساساً يبني عليه؛ بهدف اكتساب المزيد من المعارف، وهي في حدّ ذاتها آلية عمل الخرائط الذهنية التي تدمج خصائص التعليم المفيد والهادف، وتزيد القدرة على التعلُّم مستقبلاً بسُرعة وسهولة.
تعتمد طريقة رسم الخرائط الذهنية تنسيقات جذّابة تكسر الملل، وتُنظِّم الأفكار، وتساعد على الفهم والتركيز؛ بسبب بنيَتها التفاعُلية، وبيئة تصميم الرُّسوم الهيكلية، بالإضافة إلى العناصر الأخرى التي تتألَّف منها؛ كالصور المُلوَّنة التي تبرز الفكرة، وتُسرِّع عمليَّة إيصال المعلومة، وتُسهِّل حفظها.
بالإضافة إلى دمجها بخطوط وألوان جذّابة، واستخدام تفاصيل وعناصر أخرى يختارها الشخص المسؤول عن رسم الخريطة؛ لتوظيفها جميعها في تعزيز التفاعل، وجذب الانتباه إلى المحتوى بصرياً عِوضاً عن مراجعته بسَرديَّة مُمِلَّة.
تصل الخرائط الذهنية الفكرة المركزية التي قد تكون مُعقَّدة أحياناً بأفكار أخرى مُتفرِّعة منها؛ ممّا يعني أنّها ترسم العلاقات بأسلوب غير تقليدي يُترجِم معاني المفاهيم المُعقَّدة ويُبسِّطها؛ عبر رَبطها ببنية تسلسُلية من الأفكار الواضحة التي تُسهِّل على العقل استيعابها ومتابعتها.
وتتعدَّد استخدامات الخرائط الذهنية؛ فهي وسيلة لربط الملاحظات، وتُستخدَم لإنشاء خُطَط واستراتيجيات مختلفة لا تقتصر على الحياة العملية والأكاديمية، وإنَّما تتعلَّق بالحياة الشخصية أيضاً؛ كتنظيم الوقت، والمَهمّات، أو إعداد نظام غذائي، أو غيرها، أمّا العصف الذهني، فله دور حيويّ في توليد أفكار متناغمة.
تكسر الخرائط الذهنية قوالب التفكير العادية والمُمنهَجة، وتُحرِّر الشخص منها؛ بإتاحة الفرصة له لتوظيف قدراته الإبداعية والابتكار بصورة أوسع؛ عبر صياغة الأفكار، ورَبطها بتصاميم جذّابة، وتنسيقات بصرية مُتنوِّعة، تشدّ الدماغ البشري، وتُحفِّزه على التفكير المختلف.
ومن جهة أخرى، يكون التنقُّل بين الأفكار في الخرائط الذهنيَّة أكثر مرونة وسهولة؛ فهي تُوفِّر إمكانية التفكير الجانبي، وتوليد الأفكار الجديدة، وربط المعلومة بغيرها، دون الحاجة إلى البدء من الصفر عند الرغبة في ربط مفهوم أو معلومة بأخرى.
تُؤثِّر الخرائط الذهنية في كفاءة الإنتاج، وسُرعته؛ بتسهيل فهم أعضاء الفريق أو الموظفين في القطاعات المختلفة لما هو مطلوب منهم من وظائفَ ومَهمّات، ومن ثَمَّ تحسين جودة العمل على نحو أفضل وأسرع؛ بتجنُّب الأخطاء والمشكلات الناتجة عن افتقار العاملين إلى المعلومات الكافية، أو عدم فهم الخُطَط والمشروعات ذات الخطوات المُعقَّدة.
تُشجِّع الخرائط الذهنية أفراد الفريق جميعهم على المشاركة وإجراء نقاشات هادفة تتعلَّق بالمعلومات والأفكار التي يتمحور حولها موضوع الخريطة؛ إذ تكون على هيئة هيكل تنظيمي مرئي يسهل التفاعل معه، وإبداء الرأي في ما يتعلَّق بعناصره، ومقارنة البيانات الواردة فيه، ونقدها، وهو أمر يُعزِّز الاتِّصال، ويُشجِّع لغة الحوار البَنّاء والتعاون بين أعضاء الفريق.
ترتبط الخرائط الذهنية بتقنية العصف الذهني التي تُوسِّع آفاق الفرد أو الفريق، وتُنير بصائرهم، وتمنحهم الفرصة لخلق رؤى جديدة، وتَبنّي مُقترَحات مُختلفة تتبلوَر منها استراتيجيات فعّالة تساعد على إدارة المشكلات وحَلّها؛ بربط العوامل والمُؤثِّرات مباشرة بالأسباب والدوافع، وتحليلها باستخدام الخريطة بعُمق وفهم أكثر.
وختاماً، للحصول على خريطة ذهنية مفيدة وسهلة الفهم، يُنصَح أوّلاً بتحديد الفكرة الرئيسة التي ستُمثِّل قلب الخريطة، ثمّ صياغة أفكار أخرى على هيئة خطوط فرعية تتَّصِل بالموضوع الرئيس بتصاميم وتنسيقات إبداعية يُحدِّدها مُصمِّم الخريطة، ويُمكن استخدام النُّصوص، والصُّور، والخطوط المُلوَّنة استخداماً مُميَّزاً وجذّاباً؛ للتوضيح، والتصنيف، والشرح.
ويُمكن إنشاء روابط مُتقاطِعة؛ لتسهيل التنقُّل بين الأفكار، ورَبطها معاً، مع ضرورة استخدام كلمات قصيرة وبسيطة وغير مُعقَّدة، ولا ننسى أهمّية اختيار الأسلوب المناسب لإعداد الخريطة؛ سواء أكانت مرسومة يدوياً، أم رقمياً باستخدام الحاسوب.
المراجع
[1] venngage.com, What is a Mind Map? Definition, Uses, Benefits and Templates
[2] www.integrify.com, What is Mind Mapping?
[3] ideascale.com, 10 Benefits of Mind Mapping
[4] nulab.com,13 science-backed benefits of mind mapping
[5] www.studysmarter.co.uk, Advantages of Mind Mapping: Why You Can’t Get Lost with a Mind Map