جار التحميل...
فالوسواس أو القلق هو الشعور الدائم والمستمر بالعصبية أو عدم الارتياح، بشأن شيء ما على وشك أن يحدث، أو أمر لا يعرف الإنسان نتيجته، بينما تُعرّفه العديد من الأبحاث في مجال علم النفس على أنه شعور الأشخاص بالتهديد، أو أنهم معرَّضون للأذى.
إنّ ما يسببه الخوف والوسواس على المدى القريب أو البعيد، ومعرفة هذه الآثار وكيف يمكن أن تؤثر في جودة الحياة، يمكن أن تجعل دافع الإنسان أكبر لمعالجة الأمر والتخلص منه، فمن أبرز الأعراض عند الشعور بالخوف والقلق والتوتر هو التنفس بسرعة، وزيادة دقات القلب، والتعرق كثيراً، والشعور بوهن العضلات، واضطراب المعدة أحياناً، وجفاف الفم، وحتى غياب التركيز في أمور الحياة الأخرى.
الأسوأ من هذا أن الأمر لا يتوقف هنا، فالأعراض قد تستمر لتؤثر في الحياة على المدى البعيد، فالمصاب بالخوف والوسواس قد يستمر بالشعور بالخوف دون أن يستطيع تهدئة نفسه، أو أن ينام جيداً، أو حتى يعمل بتركيز وجودة عالية، أو يخطط لمستقبله، كما أنّ علاقته قد تسوء بمن حوله، ولا يشعر بالسعادة في حياته وعلاقاته، فيكون غاضباً وغير مرتاح دائماً مع نفسه أو مع من حوله.
لذا من المهم أن يكون الإنسان واعياً لأي مشاعر سلبية يتعرض لها، وأن يعمل على التخلص منها بسرعة، فكما قال المؤلف والمُحاضر التحفيزي دان ميلمان:"ليس عليك أن تتحكم في أفكارك، كل ما عليك هو أن تتوقف عن السماح لها بالتحكم فيك".
للتخلص من الخوف والوسواس هناك بعض الأمور التي يجب الالتزام بها ضمن الروتين اليومي، ومن أهم النصائح التي يقدمها الخبراء النفسيّون، ما يأتي:
الحكم السلبي على النفس بسبب الخوف أو القلق لن يحلّ المشكلة، بل ربما يزيدها سوءاً، لذا على الإنسان أن يكون لطيفاً مع نفسه بكيفية التفكير فيها والتحدث إليها، وأن يحاول دائماً صياغة الأفكار والمواقف بطريقة أفضل، فإذا شعر مثلاً أنه لن ينجح في العرض التقديمي للموظّفين الجدد، لا يقول: "لن أنجح، سأُحدث كارثة" بدلاً من ذلك عليه أن يقول: "ربما عليّ تخصيص المزيد من الوقت للتحضير"، أو "لقد حضّرت جيداً وسأنجح، في النهاية هذه ليست نهاية العالم".
هناك الكثير من الجمل التي يمكن أن يقولها الإنسان لنفسه؛ حتى يقلل من خوفه ويهدّئ من روعه، مثل أن يقول: "أنا جيد بما يكفي لاتخاذ قرارات ناجحة"، أو "الخطأ ليس نهاية العالم"، أو "مهما حدث يمكن تصحيح الأمر"، أو "أنا آسف، سأكون أفضل في المرة القادمة"، أو يشجعها فيقول: "سأحاول من جديد وسأكون ما أريد"، أو "سأخطط لهذا القرار وأدرسه جيداً، وستكون الأمور على ما يرام"، وحتى يمكنه أن يعزز اليقين بالله والتوكل عليه ويقول: "أنا أفعل كل ما بوسعي، والله سيعطيني الأفضل والخير بالتأكيد".
نصيحة: افعل كل ما بوسعك لتكون قوياً أمام مشاعر الخوف والقلق التي قد تمر أحياناً، كن أكثر ثقة واحتراماً لنفسك، كن أكثر وعياً بطبيعة الحياة، وأنّ الحياة ليست وردية دائماً، وأن الله سيعطيك الخير دائماً، فالتوكل على الله واليقين به وتقوية العلاقة بالله سيهدّئ من روعك، ويجعلك أقل قلقاً حول أحداث الحياة القادمة.
تقول مدربة اليوغا والمتحدثة التحفيزية شانيلا ستار:"إنّ تنظيم التنفس يعني الوعي بكيفية التنفس، أي السرعة والمعدل والعمق من خلال الأنف والفم" كما تُشير إلى أنّ التنفس الواعي هو رسالة للجسم فتقول:"دعنا نتباطأ، ونجد توازناً بين ما نشعر به، وما نفكر فيه، وما نعيشه فعلياً".
تعد ممارسة مثل هذه التمارين خطوة فعالة للتحكم في مستويات التوتر والقلق الداخلي، وتجعل الإنسان أكثر هدوءاً، ويمكن تجربتها في المنزل، أو المكتب، أو أي مكان مناسب آخر، ومن أهم هذه التمارين:
يمكن التنفس من البطن أو ما يُطلق عليه التنفس البطني بوضع إحدى اليدين على البطن، والأخرى على الصدر، ثم تخيُّل أن هناك بالوناً يجب ملؤه موجوداً في المعدة، ثم ملئه حتى العد للرقم اثنين بالتنفس من الأنف، وإخراج هذا الهواء بشكل هادئ خلال ثلاث إلى أربع ثوانٍ من الفم وهو مزموم، وكأنه ينفخ على حساء ساخن، مع تكرار الخطوات أكثر من مرة حتى تصبح الأمور أفضل.
حسب مدربة اليوغا والمتحدثة التحفيزية شانيلا ستار، فإن التنفس الطنان ينجح عند الجلوس على كرسي مريح أو بشكل مستقيم، ثم العد للرقم خمسة عند التنفس من الأنف فقط، وإخراج هذا الهواء من الأنف أيضاً، مع إغلاق الفم، والهمهمة، وكأن الشخص يقول "همممم"، ثم تكرار هذه العملية من خمس إلى سبع مرات.
وفق الجمعية الأميركية للرئة، يمكن أداء هذا التمرين بأخذ نفس عميق من الفم، ثم إخراج الهواء من الرئتين، كالنفخ على شمعة بشفتَين مزمومتَين، ثم الاستمرار في إخراج الهواء حتى أطول مدة من الفم، مع تكرار العملية من خمس إلى عشر مرات، مع التوقف عند الشعور بالدوار.
ابتكر هذه الطريقة الدكتور الأميركي أندرو ويل، وهي طريقة سهلة وسريعة، فقط يجب وضع يد على البطن، وأخرى على الصدر، ثم العد للرقم أربعة عند أخذ نفس عميق وبطيء من الأنف، مع حبس النَّفَس حتى سبع عدات، وإخراجه أخيراً بثماني عدات من الفم، مع ضم الشفتيَن وإصدار صوت "وشششش"، وستكون هذه الطريقة أكثر نجاحاً بتكرار الأمر من ثلاث إلى سبع مرات، حتى الشعور بالهدوء من الداخل.
يمكن لعب لعبة نفسية مع العقل للتخلص من مشاعر الخوف والوسواس المتراكمة خلال اليوم، مثل تخيُّل أماكن هادئة وصور تعزز الشعور بالهدوء والأمان، كشاطئ بحر، أو غروب شمس أو غابة مشمسة، وغيرها، أو صرف انتباه العقل لنشاط آخر لإلهائه بأمور يحبها الإنسان، مثل هوايته المفضلة؛ كالرسم، أو الطبخ، أو الخروج مع صديق للتسلية، وتحدي الأفكار السلبية بالتحدث مع النفس بصوت مرتفع، أو كتابة كل الأفكار على ورقة، ودراسة منطقيّتها لتخفيف وطأة الأمر، وحل المشكلات إن وجدت، فقد تكون هواجس لا أكثر.
لا يستطيع الإنسان أن يتغلب دائماً على مشاعر الخوف والوسواس أو أية مشاعر سلبية يشعر بها وحده، بل قد يحتاج لمساعدة صديق، لا بأس من التحدث مع شخص موثوق من أفراد العائلة أو الأصدقاء، فقد يقدم هذا الشخص نصيحة مفيدة، أو قد يقدم الدعم ويكون مستمعاً جيداً، ثم يوضّح الصورة الأكثر دقة حول المخاوف التي يعيشها الإنسان وحده، فجميع التفاعلات الإنسانية يمكن أن تكون فُرصاً إما للتعلّم أو للتعليم.
يمكن للعادات الصحية أن تثبّط الشعور بالتوتر والقلق وتعزز الصحة النفسية عامةً، وبالتالي الوصول إلى حالة أفضل من الهدوء والراحة، ومن أهمها النوم الكافي العميق، عندما ينام الشخص نوماً منتظماً وبساعات كافية ليلاً، فقد وجدت دراسة تابعة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في عام 2021 أن الذين ينامون ست ساعات أو أقل معرّضون للاضطراب النفسي بمعدل مرتين ونصف من الذين يحصلون على نومٍ كافٍ.
الراحة جيدة، إلا أن "الحركة بركة" كما يقول المثل، وممارسة الرياضة بمختلف أشكالها يمكن أن يقلل من مستوى الهرمونات التي تسبب القلق والتوتر أو حتى الاكتئاب، كما أنها تساعد على النوم وتحقق التوازن النفسي والجسدي، فحتى أبسط وأسرع التمارين مثل اليوغا أو المشي أو تمارين التمدد الخفيفة يمكن أن يكون لها أثر إيجابي في ذلك.
لا يغفل الخبراء عن أهمية تناول بعض الأطعمة التي تحسّن المزاج ومنها؛ التوت، والموز، والفول، والحبوب، والأسماك، وبالطبع يجب شرب كميات كافية من الماء، والتقليل من مشروبات الكافيين كالقهوة مساءً.
معلومة مهمة: إذا جرّب الشخص هذه الخطوات ضمن روتينه اليومي، إلا أنّ الأسابيع مرت وما زال يشعر بالخوف والوسواس، فغالباً ما يحتاج مساعدة متخصصة، بالذهاب إلى مرشد، أو موجّه نفسي، أو إلى طبيب ذي كفاءة.
المراجع
[1] positivepsychology, 20 Best Anxiety Tools for Helping Your Clients Cope
[2] mentalhealth.org, How to manage anxiety and fear
[3] everydayhealth.com, How to Get Better at Facing Your Fears, According to Science
[4] psychcentral, Completion Anxiety: Getting Over the Fear of Getting Tasks Done
[5] forbes.com, 4 Expert-Backed Breathing Exercises For Anxiety