جار التحميل...
وسواء كان التدوين بالطريقة التقليدية على الورق، أو عن طريق تطبيق مذكّرات رقميّ على الهاتف أو الحاسوب، لا يزال في كلتا الحالتين يتمتّع بالعديد من الفوائد، التي تنعكس على الصحّة العقلية والنفسية لصاحبه، وهي على النحو الآتي:
تُعدّ المذكّرات وسيلةً جيّدة يتواصل من خلالها الشخص مع نفسه؛ ويتعرّف إليها بشكلٍ أكثر وعياً وإدراكاً؛ فهو يستطيع عن طريقها التعرّف إلى مشاعر لم يكن يُدرك في السّابق أنّها تنتابه، أو لم يكن يجد لها اسماً أو تفسيراً؛ فضلاً عن التعرّف إلى مخاوفه، ونقاط ضعفه وقوّته، والأشياء التي يُفضّلها، وطموحاته وأحلامه، وتطوّره على المستوى الشخصيّ، والتغييرات التي تمرّ بها شخصيته مع مرور الوقت، والتي من المحتمل ألّا يلحظها لو لم يكتبها.
إنّ تسمية الفرد للعواطف الصعبة التي يشعرها على وجه التحديد، وكتابتها بشكلٍ دوريّ كلّما شعر بها؛ قد تكون فرصةً جيّدة لمعالجتها، أو إدارتها، والتقليل من حدّتها؛ باعتبار التدوين طريقةً للتنفيس عن المشاعر السلبية أولاً، ولأنه يُعرّض الشخص لما يُسمّى بـِ"التعرّض المتكرّر" للحدث السلبيّ أو غير السارّ، وهو ما قد يُقلّل من الأفكار والمشاعر السلبية المُرتبطة به؛ جراء الاطلاع على الحدث باستمرار، ومعالجته معرفياً بإعادة تقييمه أو تفسيره أكثر من مرّة.
وتُعدّ الكتابة في هذا الخصوص بديلاً عن كبت المشاعر أو تجاهلها؛ والذي ينتج عنه شعور بالإرهاق والضّغط النفسيّ، فضلاً عن مشاعر القلق والتوتّر والحزن التي تنعكس جميعها سلباً على سلوكيات الفرد بشكلٍ واعٍ أو غير واعٍ.
من جهةٍ أخرى فإنّ المذكّرات المكتوبة تحتوي في جانبٍ منها على الأمنيات والأحلام، فضلاً عن مشاعر الامتنان المُصاحبة لتدوين الجوانب الإيجابية من الحياة؛ سواء كانت مواقف، أو أحداثاً، أو تفاعلات اجتماعية، أو غيرها؛ وهذا من شأنه جعل الفرد أكثر سعادةً، ورفاهية، ورضا، وأفضل مزاجاً.
قد يمتلك الأشخاص الذين يكتبون المذكّرات ويحتفظون بها قدرةً أكبر على تطوير مهارات التفكير والتفكير النقديّ؛ إذ تُتيح لهم الكتابة تقييم أدائهم حول أمرٍ ما تقييماً أكثر دقّة، ومعرفة العوامل التي سبّبت النجاحات أو الإخفاقات عن طريق المراقبة وطرح التساؤلات.
كما تُحفّز المذكّرات الخيال والإبداع أيضاً؛ إذ تُساعد في تكوين المزيد من الأفكار الفريدة والمميّزة، والتي غالباً ما تتشكّل نتيجة منح الكتابة صاحبها قدراً واسعاً من حريّة التعبير، بسبب عدم وجود طرفٍ ثالث يُراقب أو يحكم أو يُقيّم.
تسمح المذكّرات للأفراد بالاحتفاظ بالمعلومات لفترات زمنية أطول، عن طريق تعزيز عمل العقل في معالجة الأحداث بكفاءة؛ إذ تُسهم الكتابة خصوصاً الكتابة التعبيرية في التخلّص من المشاعر السلبية، التي قد تُشتت عمل الذاكرة، فضلاً عن أنّ عملية التدوين تتطلّب التركيز على الفكرة التي يجري تدوينها، وهو ما يزيد من فرصة حفظها في الذّاكرة.
مع التنويه إلى أنّ التدوين اليدويّ في هذه الحالة أفضل من التدوين الرقميّ، إذ يكون الشخص في التدوين التقليدي أكثر انتقائية للكلمات، وبالتالي أكثر تركيزاً.
يقع العديد من الأفراد في خطأ في تقدير الوقت الذي قد يستغرقونه لإتمام مهمة مستقبلية ما، فضلاً عن عدم القدرة على إدارة الوقت أو المهام بشكلٍ عام، مما يجعلهم أقلّ استعداداً للبدء بالوظيفة أو إتمامها؛ وبالمقابل يُمكن مراجعة المذكّرات المكتوبة لتقييم التجارب السابقة، التي خُطِّط لها، والاستفادة منها عن طريق معالجتها، وتجاوز أخطائها، ووضع مخطّطات زمنية وتنظيمية أفضل.
إضافةً إلى ذلك يُمكن لتدوين المذكّرات أن يكون السبب في معرفة الخطوة الأولى التي يجب فعلها الآن، والتي يترتّب على الجهل بها التأجيل؛ تأجيل النظر في علاقةٍ ما، أو تأجيل اتخاذ قرارٍ مهنيّ، أو غيرها.
فمثلاً يُمكن بعد مراجعة المذكّرات بهدوء ملاحظة الكثير من مشاعر الغضب المرتبطة بوجود شخصٍ معيّن، وهنا يُمكن اتخاذ الخطوة الأولى بوضع حدودٍ أكثر صرامة في العلاقة معه، هذا بدلاً من القول: "أعرف أنّ هناك شيئاً خاطئاً في العلاقة لكن ما الذي يجب عليّ فعله؟".
وبما أنّ المذكّرات تحتوي على الأنشطة اليومية التي تم إنجازها، ستكون مراجعتها لاحقاً بمثابة دافعٍ للاستمرار، وتحقيق المزيد من الإنجازات دون تسويف.