منهج منتسوري لتعليم الأطفال وتأثيره في مستوى ذكاء طفلك

ويهدف منهج منتسوري إلى السماح للأطفال بالنموّ والتطوّر بالسرعة التي تُناسبهم، وصولاً إلى تحقيق الثقة بالنفس، والاستقلال، واحترام الذات، وإيجاد أساس قويّ للتعلّم مدى الحياة، كما يتبع منهج منتسوري الرأي التربوي الذي يُشير إلى أنّ السنوات الأولى من حياة الطفل (من الولادة وحتّى سن السادسة) هو الوقت الأفضل الذي يمتلك فيه الأطفال القدرة على التعلّم.

المبادئ الأساسية التي يقوم عليها منهج منتسوري

رغم أنّ كلّ حضانة أو مدرسة تتبع منهج منتسوري تمتلك ما يميّزها من أنشطة تربوية وتعليمية، إلّا أنّها غالباً ما تشترك في تحقيق المبادئ الأساسية لهذا المنهج، وهي على النحو الآتي:

الحرية في اختيار الأنشطة مع الحدود

يقوم منهج منتسوري على ما يُعرف بـِ "الحرية مع الحدود"، وتعني تقديم مجموعة من الأنشطة التي يُمكن للطفل أن يُمارسها، مع منحه الحرية في اختيار أي منها، وفقاً لاهتماماته وتفضيلاته الشخصية، وبعد الاختيار سيكون أمامه الكثير من الوقت لممارسة هذا النشاط، دون أن يستعجله أحد أو يضع له قيوداً زمنية لإنهائه، ويُمكن أن يعمل على نشاطه منفرداً بشكلٍ مستقلّ، أو يعمل مع اثنين آخريْن كفريق لاستكشافه، أو أن يؤدّي أكثر من نشاط في الوقت نفسه.

المرونة في اختيار المنهج التعليمي

يُشير منهج منتسوري إلى أنّ النهج التعليميّ نفسه يجب أن يتغير، ليُصبح مناسباً للمراحل العمرية المختلفة للطفل، بدلاً من محاولة تكييف موضوع معيّن ليُصبح مناسباً لسن معيّن؛ فمثلاً؛ بدلاً من اللجوء لأوراق العمل التقليدية كطريقة لجعل مفهوم الجمع في الرياضيات أسهل، يُمكن البدء بمساعدة الصغار على عدّ الكتل الخشبية، وعندما يُتقنون هذه المهارة، يُمكن للمعلّم أن يوجههم لإضافة مزيد من الكتل أو السحب منها.

ووفقاً للمنهج فإنّه لا يُشترط محاولة تعليم الطفل القراءة أو الكتابة في سنّ معيّنة، إذ إنّ الأطفال يمرّون بفترات يكونون فيها أكثر تقبلاً لتعلّم مهارات جديدة معيّنة مقارنةً بغيرها، وبالتالي يجب استغلالها للتعلّم، وتأخير تلك المهارات التي لا يُبدون استعداداً لها لوقتٍ آخر لاحق.

التعامل مع الأطفال من مختلف الفئات

يُراعي منهج منتسوري الأطفال ذوي الإعاقة، إذ يعمل بشكلٍ يجعلهم يتحمّلون ضغطاً أقلّ للّحاق بأقرانهم، ويمنحهم المزيد من الحرية للتعلّم والنموّ بالسرعة التي تُناسبهم على وجه الخصوص دون استعجال أو إلحاح، وإنّ حصولهم على المعلّم نفسه لمدة ثلاث سنوات في كلّ مرّة، من شأنه أن يعزّز ارتباطهم في الفصل الدراسيّ، مع الإشارة إلى أنّ المنهج لا يُراعي ذوي الإعاقة فقط، بل الأطفال كافّة على اختلاف قدراتهم.

الاختيار الدقيق للمعلّمين

يختلف دور المعلمين في الفصول الدراسية التي تعتمد منهج منتسوري عن دورهم في تلك التقليدية، إذ يقع على عاتقهم في هذا النهج تعزيز مهارة الاكتشاف والإبداع عند الأطفال، والتي هي موجودة بالفعل وبشكلٍ طبيعيّ عند جميعهم، ولتحقيق ذلك فإنّ المعلمين يشجّعون الأطفال على استخدام ذكائهم، لاكتشاف المعلومات وجمعها، وبذلك فإنّ التعلّم يتحوّل إلى متعة، وليس مجرّد أمر روتينيّ، يعتمد على تلقين الحقائق والتعليمات بوتيرةٍ سريعة من قبل المعلّمين للطلّاب كما في الفصل التقليديّ.

تجهيز بيئة مناسبة للتعلّم

يهتم منهج منتسوري بتوفير بيئة تعلّم مناسبة، حيث الكثير من الضوء الطبيعي، والمساحة المفتوحة الداخلية والخارجية في الهواء الطلق، مع التأكّد من توفير أدوات السلامة والأمان، وتوفير الأدوات التعليمية المصمّمة بدقّة لتحقيق أهدافها، كالأشكال الهندسية الصلبة، ونماذج الحروف الأبجدية، وسلالم الخرز الملوّنة للحساب، وغيرها، ويشترك الأطفال في تحمّل مسؤولية ترتيب المكان، عن طريق إعادة أدوات النشاط التي استخدمها كلٌّ منهم إلى مكانها. 

ويجب أن تحتوي بيئة التعلّم على مجموعة من الألعاب، التي من شأنها تحفيز الحواس، وتطوير المهارات الحركية والتشجيع على الإبداع، ومنها: ألعاب البازل الخشبية، التي تمنح الطفل إحساساً بملمس الخشب، وتحسين مهارات التركيز.

جمع فئات عمرية مختلفة في الفصل الدراسي نفسه

تجمع الفصول الدراسية وفقاً لمنهج منتسوري بين الأطفال من مختلف الأعمار في البيئة نفسها، ومن شأن هذه الطريقة السماح للأطفال بالتعلّم من بعضهم البعض، وتعليم بعضهم البعض، وتطوير المهارات الحياتية والاجتماعية كالإدماج والقبول.

مع الإشارة إلى أنّ التصنيف ليس عشوائياً، إذ يجمع الفصل الدراسي الأطفال من سن الولادة وحتّى ثلاث سنوات معاً، ومن أربع سنوات إلى سبع سنوات، ومن سبع سنوات إلى 12 سنة.

تأثير منتسوري في ذكاء الطفل

أشارت دراسة نُشرت في الموقع الإلكتروني الرسمي للمنظمة البحثية الدولية "The Campbell Collaboration" في عام 2023م، إلى أنّ التعليم عبر منهج منتسوري كان له تأثيرات إيجابية في الأطفال، مقارنةً مع نتائج التعليم التقليدي؛ والتي انعكست بشكل واضح على النتائج الأكاديمية للأطفال، وغير الأكاديمية، والمتمثّلة في الإبداع، والتعلّم الاجتماعي، والعاطفي، والوظائف التنفيذية، مثل الذاكرة، والمرونة، وحلّ المشكلات، وغيرها.

ويتمتّع الأطفال الذين يسيرون على هذا المنهج غالباً بذكاءٍ عاطفيّ عالٍ، بسبب الفصول الدراسية التي تضمّ أعماراً مختلفة، والتي تُمكّن الطلّاب من التفاعل الاجتماعي بشكلٍ أفضل مع مختلف الفئات، إلى جانب تعلّمهم طريقة التعامل مع المشاعر وإدارتها، وكيفية اتخاذ القرارات، وتحمّل مسؤوليتها، وتعزيز مهارات التواصل، وحلّ المشكلات، وتعلّم احترام مساحة الآخرين الخاصّة، واحترام احتياجاتهم، وتعزيز قيم التعاطف، والرحمة، والتعاون، والاحترام، والانتماء للمجتمع، والمرونة.

كما أنّ هذا المنهج يُعزز من النمو المعرفي عند الطفل، ويزيد من مستويات الذكاء الإدراكي والحركي، مثل مهارات التنسيق بين اليد والعين، والإدراك البصري عند الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، ويزيد من الانتباه والتركيز، ويُقلّل من التشتت والاندفاع.

ختاماً، رغم العديد من مزايا منهج منتسوري إلّا أنّ هناك بعض العيوب المتعلّقة به، باعتباره مكلفاً مادياً بالنسبة للبعض، ولاحتمالية إساءة فهمه لدى غير المتخصصين به، بالاعتقاد أنّه يجب ترك الطفل يفعل ما يُريد دون وضع حدود -وهو أمر خاطئ وليس ضمن المنهج أساساً-، كما أنّ تركيز المنهج على استقلالية الطفل والعمل الذاتي قد تجعل من الصعب عليه التعاون ضمن فريق.