جار التحميل...
تُعَدّ الأجهزة الطبية من العناصر الأساسية لتحقيق أعلى مستويات الرعاية الصحية للمرضى؛ فهي تؤدّي دوراً مِحوَريّاً في عمليات التشخيص، والعلاج، والمتابعة الطبية، ودون توفّر هذه الأجهزة، سيكون من الصعب تنفيذ بعض الإجراءات الطبية الشائعة؛ سواء كانت بسيطة، أو مُعقَّدة؛ كزراعة الأعضاء الصناعية، والتدخّلات الجراحية.
وتُستخدَم الأجهزة الطبية في أمكنة مُتنوّعة؛ إذ يستخدم الأشخاص العاديون في المنازل أجهزة بسيطة؛ كجهاز فحص الضغط أو السكّر، ويستخدم الأطبّاء والمُمرِّضون الأجهزة الأكثر تطوّراً في العيادات والمراكز الطبية والمستشفيات لأغراض متعددة؛ كالوقاية، والفحص والتشخيص، ومُساعدة ذوي الإعاقة، ومُتابعة العلاجات، وعلاج الأمراض الحادّة والمُزمِنة على حدّ سواء.
وتقدِّر منظمة الصحة العالمية وجود أكثر من مليونَي نوعٍ مختلفٍ من الأجهزة الطبية في الأسواق العالمية، مُصنَّفةً ضمن أكثر من 22 ألف مجموعة، وهذا التنوّع الكبير يعكس التطوّر المتسارع لهذه التقنيات والابتكارات الطبية الحديثة، ودخول التكنولوجيا بقوّة إلى عالم الطب.
وقد أسهمت التطوّرات التكنولوجية الحديثة في مجال الطب كثيراً في تحسين قدرة الأطباء على تشخيص الأمراض بدِقّة مُتناهِية؛ إذ أتاحت الأجهزة والبرامج المتطوّرة إمكانية الوصول إلى تشخيصات أكثر دِقّةً ووضوحاً، ممّا قلَّل الحاجة إلى إجراء عمليات جراحية في كثير من الحالات، وبالتالي أصبحت عملية التشخيص أسرع وأكثر راحة للمرضى.
فعلى سبيل المثال، تُستخدَم أشعّة إكس "X ray"؛ لتشخيص كسور العظام، بينما تُستخدَم أجهزة التصوير المَقطَعِيّ المُحَوسَبة؛ للكشف عن الأورام والأنسجة الغريبة في جسم الإنسان، وفي حالات أخرى يُستخدَم جهاز المِنظار؛ وهو كاميرا دقيقة يجري إدخالها إلى الجسم عبر الفم؛ للكشف عن المشكلات في الجهاز الهضمي وغيره من الأجهزة الحيوية.
تُعَدّ الجراحة الروبوتية من أحدث التقنيات الطبية المتطورة التي شهدت تقدّماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة؛ فبعد أن كانت تُستخدَم في حالات محدّدة فقط، أصبحت اليومَ أكثر شيوعاً وانتشاراً في مجال الجراحات الطبية.
وعلى الرغم من أنّ الذهن عندما يتبادر إليه مفهوم الجراحة، غالباً ما تتراءى له صورة غرفة عمليات فيها مجموعة من الجرّاحين والمُمرِّضين، إلّا أنّ التكنولوجيا الحديثة جعلت من الممكن إجراء العمليات الجراحية بأقلّ قدرٍ ممكنٍ من التدخُّل البشري المباشر؛ باعتماد الجراحة الروبوتية؛ وهي جراحة مَوضِعيّة تتميّز بدِقّتها العالية، وقدرتها على تقليل مخاطر الإصابة بالعدوى لدى المرضى.
إلّا أنّ الجراحة الروبوتية لا تعني غياب التدخّل البشري على نحوٍ كامل؛ إذ لا يزال وجود طاقم طبّي مُؤهَّل أمراً ضروريّاً؛ لتشغيل هذه الآلات المتطورة، وإجراء العمليات بمهارة عالية.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يزداد اعتماد مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية على تقنيات الروبوتات المتطورة؛ لتعزيز جودة الرعاية الصحية، وتحسين تجربة المرضى؛ باستخدام أنظمة روبوتية متقدّمة، مثل: (ROR)، و(دافنشي)، في إجراء العمليات الجراحية المُعقَّدة بدِقّة مُتناهِية، الأمر الذي ساعد في تقليل المُضاعفات، وأوقات الشفاء، وتماشياً مع التزامها بالابتكار، تُواصِل المؤسسة اعتماد أحدث تقنيات الروبوتات؛ لتوفير رعاية صحية متميّزة، ومستقبل أكثر ازدهاراً للقطاع الصحّي.
شهدت تقنيات الأجهزة القابلة للارتداء تطوّراً متسارعاً في الآونة الأخيرة؛ فقد أصبحت تُمثّل إضافةً قَيِّمةً لسِجِلّات المرضى الإلكترونية في مجال جمع البيانات الصحية؛ إذ تسهم في زيادة الوقاية، والحدّ من المخاطر الصحية، وتحسين النتائج الصحية للأفراد، علماً بأنّها كانت قد اقتصرت في بداياتها على أجهزة محدودة، مثل: الساعات الذكية، وأجهزة تتبّع اللياقة البدنية، أمَّا الآن، فقد تعدَّدت أنواع الأجهزة المُتاحة التي تُستخدَم لأغراض متنوعة.
وتكمن إحدى أبرز مزايا الأجهزة القابلة للارتداء في قدرتها على إنذار المستخدمين وأطبّائهم مباشرةً بأيّ مشكلات صحية طارئة؛ إذ تُحضر هذه الأجهزة البيانات الصحية في الوقت الفعلي؛ لتجمعها أنظمة مُتخصّصة وتُحلِّلها، ممّا يُتيح للأطبّاء اكتشاف أيَّة مشكلات صحّية قد يُعانيها مرضاهم.
وبفضل هذه التقنية، أصبح بإمكان الأطباء اتِّخاذ إجراءات استباقية، والتواصل مع المرضى الذين قد يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، حتى قبل أن يدركوا وجود أيّ مشكلة صحية، ومن الأمثلة على ذلك جهاز (ADAMM) المُصمَّم خِصّيصاً لمرضى الربو؛ وهو جهاز يرتبط بتطبيقٍ يمكنه إنذار المستخدمين والأطباء قبل وقوع نوبة ربو أو أيَّة حالة طارئة أخرى.
التطبيب عن بُعد مصطلح يشير إلى تقديم الرعاية الصحية للمرضى باستخدام تقنيات الاتِّصال الحديثة والمُتقدّمة؛ بنقل المعلومات الطبية إلكترونياً؛ سواء كان ذلك النقل بالفيديو، أو بالصوت، أو بالنُّصوص المكتوبة بين المريض والطبيب، أو الفريق الطبي.
ويُوفّر الطب عن بُعد عدّة مزايا، أبرزها إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية للمرضى الذين يعيشون في مناطق نائية أو ريفية بعيدةٍ عن المراكز الطبية، والمساعدة في تقليل الحاجة إلى السفر والتنقّل، ممّا يُوفّر الوقت والجهد والنفقات على المرضى.
وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد خطت خطوات مُتقدّمة في التطبيب عن بُعد؛ بتبنّي تقنيات مبتكرة، مثل: الميتافيرس "Metaverse"، والذكاء الاصطناعي "Artificial Intelligence"؛ إذ اعتمدت مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية تقنية الميتافيرس؛ لتوفير استشاراتٍ طبية افتراضية للمرضى، بينما أطلقت هيئة الصحة في دبي خدمة (طبيب لكلّ مواطن)، والتي تقدّم استشارات مجّانية على مدار الساعة، وأطلقت منصّة (الرعاية الصحية عن بُعد) في أبوظبي؛ لتمكين المرضى من الحصول على خدمات الدعم، والاستشارات الطبية، وتشخيص الحالات غير الطارئة عن بُعد.
الصحة العقلية هي حالة الرفاهية النفسية والعقلية التي تُمكِّن الشخص من التعامل مع التحدّيات الحياتية الطبيعية، والعمل على نحو مُنتِج، وتحقيق إمكاناته، وتتنوّع الاضطرابات العقلية الشائعة، مثل: الاكتئاب، والقلق، واضطراب ضغوط ما بعد الصدمة، وغيرها.
وتؤدّي التقنيات الحديثة دوراً متزايد الأهمية في علاج مثل هذه الحالات؛ فعلى سبيل المثال، يُستخدَم الواقع الافتراضي في العلاج بالتعرُّض؛ إذ يُعرَّض المريض تدريجياً للمواقف التي تُسبّب له القلق أو الخوف في بيئة آمِنة ومُوجّهة، ممّا يساعده في التغلّب على مخاوفه، وبناء مناعة نفسية.
وتُسهم تطبيقات الطب عن بُعد في توفير الدعم النفسي للمرضى؛ بتمكينهم من التواصل مع الأخصّائيين النفسيين عبر الإنترنت، وبالتالي تجنّب انتظار المواعيد الشخصية التي قد تكون صعبةً أحياناً، وبفضل هذه التقنيات الجديدة، أصبحت الرعاية الصحية النفسية والعقلية أكثر يُسراً وفاعلية، ممّا يساعد المرضى على التعافي بسرعة، وعلى نحو أفضل.
يؤدّي الذكاء الاصطناعي "Artificial Intelligence" دوراً مِحوَريّاً في تسريع عملية تشخيص الأمراض؛ إذ يستخدمه الأطباء في قراءة الصور الطبية وتفسيرها، مثل: الأشعّة السينية، والرنين المغناطيسي، والأشعّة المَقطَعِيّة، على نحو أسرع وأكثر دِقّة؛ فخوارزميات الذكاء الاصطناعي تستطيع اكتشاف أنماط وتفاصيل قد لا يسهل على العقل البشري اكتشافها، ممّا يؤدّي إلى تشخيص أكثر موثوقية.
وعلاوةً على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات المريض، بما في ذلك التاريخ الطبي، والأعراض، والنتائج المِخبَريّة، والاختبارات التشخيصية، واستخدام تلك المعلومات؛ للتنبّؤ بالتشخيص الأكثر احتمالاً، ممّا يساعد الأطباء على اتِّخاذ قرارات أكثر استنارة بشأن التشخيص والعلاج.
ويمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تشخيص الحالات المُعقَّدة؛ كالأمراض المُزمِنة، والسرطانات؛ بتحليل التفاعلات المُعقّدة بين العوامل الجينية، والبيئية، ونمط الحياة، وغيرها من المُتغيّرات ذات الصلة، ومن الجدير بالذكر أنّ الذكاء الاصطناعي لا يحلّ محلّ الأطباء، لكنّه يُكمِّل دورهم؛ فهو يوفّر أداة إضافية لمساعدتهم في اتِّخاذ قرارات أكثر دِقّة، ويُحسِّن جودة الرعاية الصحية المُقدَّمة للمرضى.
وتُعَدّ مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية سَبّاقة في تبنّي الذكاء الاصطناعي؛ لتحسين جودة الرعاية الصحية، وتحسين تجربة المرضى؛ فخوارزميات الذكاء الاصطناعي تُستخدَم في مجالات متعدّدة، مثل: الكشف المُبكِّر عن سرطان الثدي، ومراقبة مُعدّل ضربات القلب، وعلاج مرض السكري، وتشخيص الخَرَف، والتنبّؤ بالأمراض، ومخاطر دخول المستشفى، والوفيات، وتحليل التغذية الراجعة للمرضى، والتنبّؤ بعدم حضور المواعيد، وهذه الابتكارات تُعزِّز دِقّة التشخيص، وتُحسِّن نتائج المرضى، وتزيد كفاءة العمليات، ممّا يضع المؤسسة في طليعة التحوّل الرقمي للرعاية الصحية.
أحدثت التكنولوجيا ثورة حقيقية في مجال التجارب الطبية؛ إذ قلَّصت الوقت اللازم لإجرائها على نحوٍ كبير؛ فبينما كانت التجارب في الماضي تستغرق سنوات عِدّة، أصبح بالإمكان الآن إنجازها في غضون أشهر قليلة أو أسابيع معدودة، ووفَّرت للعلماء أدوات قوية ومتطوّرة؛ لدراسة تفاعلات الأدوية مع الجسم البشري على نحو أكثر دِقّة وأماناً، فضلاً عن تسريع عملية تطوير العلاجات والأدوية الجديدة.
ويعود الفضل في هذا التقدّم الكبير إلى القدرة على مُحاكاة رُدود فعل جسم الإنسان تجاه الأدوية المختلفة؛ باستخدام تقنيات مُتطوّرة بدلاً من الاعتماد الكامل على مُتطوِّعين بشريّين قد يتعرّضون لمخاطر كبيرة، فصار بإمكان العلماء دراسة تفاعلات الأدوية مع الجسم البشري بدِقّة مُتناهِية دون المَساس بسلامة الأشخاص.
كما أُثبِتَت فعالية التكنولوجيا في إيجاد حلول سريعة في حالات الطوارئ الصحية؛ فعلى سبيل المثال، أثناء تفشّي وباء فيروس إيبولا " Ebola virus disease" الخطير، فكَّر العلماء بوسائل مبتكرة لتسريع عملية تطوير اللقاح؛ خوفاً من انتشار الوباء على نطاق عالَميّ، وبالفعل نجحوا في إنتاج لقاح إيبولا في وقت قياسي، ممّا ساعد على احتواء الفيروس، والحَدّ من انتشاره.
شهد العالم في السنوات الأخيرة ثورة حقيقية في مجال توفّر المعلومات والموارد الطبية؛ بفضل التطوّرات التكنولوجية المتسارعة، والانتشار الواسع لشبكة الإنترنت، فلم تَعُد المعرفة الطبية حِكراً على فئة محدودة، بل أصبحت في متناول الجميع بسهولة ويُسر.
وأصبح بإمكان كلّ فرد من الأفراد العاديين والمُختَصّين في المجال الصحي الوصول بسهولة تامّة إلى كنوز من المعلومات الطبية الموثوقة، بما في ذلك الدراسات العلمية المُتخصّصة، وإرشادات العلاج الحديثة، وبيانات البحوث الرائدة في المجالات الطبية المختلفة، وهذا التدفُّق الهائل للمعرفة يساعد المرضى على فهم أعمق لحالاتهم الصحية، والخيارات العلاجية المُتاحة، ويُمكِّنهم من اتِّخاذ قرارات سليمة بشأن رعايتهم الصحية.
أما بالنسبة إلى الأطباء والمُختَصّين الصحيين، فإنَّ توفّر المعلومات الطبية الدقيقة والحديثة يُسهم في تعزيز مهاراتهم وقدراتهم التشخيصية والعلاجية، ويساعدهم على مُواكبة آخر المُستَجدّات والتطورات في مجالهم، ويُتيح لهم التواصل الفعّال مع نظرائهم من الخُبراء في العالم، وتبادل الآراء والخبرات بشأن الحالات المُعقَّدة، ممّا يضمن تقديم أفضل الممارسات الطبية للمرضى.
وعلاوة على ذلك، استطاعت التقنيات الحديثة للاتِّصالات في المجال الصحي إزالة الحواجز الجغرافية، وسهَّلت التواصل بين المرضى والأطباء على الصعيد العالمي، فمكَّنت المريض من الحصول على استشارة طبية مُتخصّصة من أيّ مكان في العالم دون الحاجة إلى السفر أو تحمّل نفقات باهظة.
تُعَدّ عملية جمع بيانات المرضى من أهمّ الجوانب في مجال الرعاية الصحية؛ إذ تُمكِّن الأطباء من تقييم حالة المرضى بدِقّة، وتشخيص المشكلات الصحية على نحو صحيح، ثمّ اتِّخاذ القرار المناسب بشأن العلاج، علماً بأنّ سِجِلّات المرضى في السابق كانت تتراكم على هيئة كمّيات هائلة من الأوراق، ممّا جعل عملية الوصول إليها، والبحث فيها مهمّة شاقّة وصعبة.
ولكن مع التطوّر التكنولوجي الهائل الحاصل حالياً، طُوِّر نظام السِّجِلّات الطبية الإلكترونية الذي يُتيح تخزين البيانات الصحية للمرضى كافّة بوسيلة رقمية آمِنة، وهذا النظام الحديث وَفَّر مزايا جَمّة للعاملين في القطاع الصحي والمرضى؛ إذ سهَّل عمليات جمع البيانات الطبية للمرضى، وتخزينها، واسترجاعها، بكفاءة وسرعة فائِقتَين، ممّا أسهم في تحسين جودة الخدمات المُقدَّمة للمرضى، وزيادة فعاليتها.
وفي الختام، يُمكن القول إنّ التكنولوجيا أصبحت شريكاً لا غنى عنه في رحلة العناية بصحّة الإنسان؛ لما تُوفّره من أدوات وأساليب مُتطوّرة في مكافحة الأمراض والحفاظ على حياة أفضل، ومع استمرار البحث العلمي، والتطوير التقني، سيتحقّق المزيد من الإنجازات الطبية الرائدة التي ستُغيّر حياة البشر إلى الأفضل في كل المجالات من الطلب إلى التعليم وصولاً إلى التكنولوجيا في الفضاء، وهذا ما أكَّد عليه صاحب السُّمُوّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي عندما قال: "الإمارات اليوم أكثر استعداداً للمستقبل، وأكثر تفاؤلاً بأجيالنا القادمة، وبحياة أكثر ذكاء وسهولة".
المراجع