جار التحميل...
لذلك سنغوص في أعماق هذه التقنية المذهلة لنكتشف ما هي، وما هو أثرها في المستقبل.
تُعرف النانوتكنولوجيا (Nanotechnology) بأنَّها فرع من فروع العلوم والهندسة، وهي تتحكّم في الجُزَيئات والذرّات الفردية على مقياس صغير جدّاً، وهو المقياس النانومتري (Nanoscale)؛ لإنتاج موادّ وأجهزة وأنظمة جديدة ذات خصائص فريدة، وجاء أوّل طرح منهجيّ للنانوتكنولوجيا من قِبَل الفيزيائي ريتشارد فينمان في خطابٍ ألقاه عام 1959م في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، تحدَّث فيه عن أهمية التحكُّم في الأشياء على مقياس صغير.
وتعتمد النانوتكنولوجيا على أجهزة صغيرة جدّاً تُقاس أبعادها بالنانومتر (Nanometer)؛ وهو وحدة قياس الأطوال الصغيرة جدّاً، ويُساوي النانومتر الواحد واحداً من مليار من المتر (1/1000000000 من المتر)، ويُعادل هذا حجم جُزَيء واحد صغير، ولتقريب الصورة أكثر، يمكن تخيُّل أنّ سُمك شعرة واحدة عند الإنسان قد يتراوح بين 80,000 إلى 100,000 نانومتر.
وتتميّز الموادّ النانوية باختلاف خصائصها، مثل: اللون، والانصهار، والكثافة، والتوصيل الكهربائي، عند مقاسات نانوية مُعيَّنة؛ فعلى سبيل المثال، تظهر جُزَيئات الذهب النانوية بلون أخضر عند مقاس 50 نانومتراً، وبلون برتقالي عند مقاس 100 نانومتر.
ويمكن رؤية الأجسام على المستوى النانوي باستخدام أدوات وأجهزة مُعيّنة؛ فقد فتح اختراع المجهر البصريّ (Optical microscope) الباب على مِصراعَيه إلى عالَم الكائنات الصغيرة التي لم يُشاهدها الإنسان من قبل، إلّا أنّ قوّة تكبيره كانت محدودة تقتصر على طول موجة الضوء المرئي التي تتراوح بين 400 إلى 750 نانومتراً، وهي أكبر بكثير من الطول المطلوب للتحكُّم بخصائص المادّة.
وعلى مدى العقود اللاحقة، جرى تطوير المِجهَر إلى أن اختُرِع المجهر الإلكتروني (Electron microscope) الذي يعتمد على الإلكترونات لرؤية الأجسام الصغيرة جدّاً بدلاً من الضوء بقوّة تكبير تصل إلى مليون مرّة، ثمّ جرى تطوير مِجهر المسح النفقي (Scanning tunneling microscope) بقوّة تكبير تصل إلى 90,000,000 مرّة، وهو لا يسمح برؤية الأجسام على مقياس النانو فقط، بل يسمح أيضاً بالتحكُّم فيها.
ثمّ جاء اختراع ما يُسمَّى بمِجهر القوّة الذرِّية (Atomic force microscopy)؛ للتغلُّب على مشكلة مِجهر المسح النفقي التي تتمثّل بتصويره أسطحاً مُعيَّنة فقط دون غيرها؛ إذ يمكن لمِجهر القوّة الذرِّية تصوير أنواع الأسطح جميعها تقريباً، بما في ذلك السيراميك، والزجاج، والموادّ المُركَّبة، وغيرها.
منالممكن أن تُحدِث النانوتكنولوجيا ثورة في عالم البناء والنقل؛ بإجراء أبحاث لإنتاج موادّ صناعية أقوى، وأخفّ وزناً، وأكثر متانة، وذاتيّة الالتئام؛ بهدف استخدام هذه الموادّ للبنى التحتية، والجسور، والطرق، كما يمكن استخدامها أيضاً في الطباعة ثُلاثية الأبعاد؛ لإنتاج القِطَع والمُجسَّمات بسرعة وتكلفة أقلّ، فقد أنتجت شركة رولز رويس (Rolls-Royce) بالفعل قِطَعاً لمُحرِّكات الطائرات النفّاثة باستخدام أجهزة تعتمد على تقنية النانوتكنولوجيا.
وعلى الرغم من أنّ وجود موادّ ذاتية الالتئام ما زال جزءاً من الخيال العلمي، إلّا أنّ العلماء يُجرون الأبحاث العلمية لاستخدام الجُسَيمات النانوية لملء أيّ شقوق صغيرة تظهر على سطح الموادّ المختلفة، والتي ستكون مفيدة في عملية الالتئام الذاتي.
وتُعَدّ النانوتكنولوجيا عنصراً مهمّاً في نجاح عمليات زراعة الأعضاء؛ كالقلب، والكلى، ومن المُتوقَّع استخدامها في الطباعة ثُلاثيّة الأبعاد لإنتاج أنسجة حَيّة، مثل: الجلد، والعِظام، والأوعية الدموية، وغيرها، ويتوقّع الأطبّاء في المستقبل القريب تصنيع أعضاء حَيَويّة بوظائف كاملة، مثل: القلب، والرِّئتَين، والقرنِيّات.
ومن المُتوقَّع كذلك تطوير أجهزة استشعار صغيرة جدّاً يمكن حقنها في الجسم لمراقبة المشاكل الصحِّية بصورة أدقّ، بالإضافة إلى تطوير الروبوتات التي يمكنها توصيل الدواء إلى العُضو المُصاب، وإجراء العمليات الجراحية.
تُعَدّ تقنية النانوتكنولوجيا جزءاً مهمّاً في تطوّر مجال هندسة الأجهزة الإلكترونية (Devices Engineering)؛ لإنتاج أجهزة بحجم أصغر، ووزن أخفّ، وأداء أفضل، وقدرات أكبر، وإضافات جديدة، وهي تدخل في تصنيع أجهزة الهواتف الذكية، والحواسيب، والاتِّصالات، وحتى الأقمار الصناعية، كما أنّها تُستخدَم لإنتاج طلاءات نانوية لتوفير أسطح بمتانة أكبر، وتُعَدّ الأجهزة الإلكترونية المَرِنة والقابلة للتمدُّد من التطبيقات المُتوقَّعة في المستقبل على الأجهزة الإلكترونية بالاستمرار في تقليل حجمها.
أصبحت النانوتكنولوجيا من التقنيات الواعدة التي يمكن أن تؤدّي دوراً مُهمّاً في مواجهة تغيُّر المناخ من خلال تطبيقاتها المختلفة؛ إذ يمكن أن تُسهِم في تقليل انبعاثات الكربون، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتعزيز تقنيات الحفاظ على البيئة؛ من خلال إيجاد طرقٍ بديلةٍ لتوليد الطاقة والكهرباء؛ فعلى سبيل المثال، تعمل بطّاريات السيّارات الكهربائية بقدرةٍ أفضل لتخزين الطاقة بفضل تقنية النانوتكنولوجيا، بالإضافة إلى الألواح الشمسية ذات الكفاءة العالية في تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء.
ومن المُتوقَّع في المستقبل اكتشاف جُزَيئات نانوية ذات قُدرة عالية في جمع الطاقة من الطبيعة؛ كجمع الطاقة من الحركة، والضوء، وتغيُّرات درجات الحرارة، وغيرها.
وفي ختام هذه الرحلة إلى عالَم الأبعاد الصغيرة وتأثيراتها في مستقبلنا، نجد أنّ النانوتكنولوجيا أسهمَت في تحسين جودة حياتنا، وتشكيل مستقبل أفضل، وبفضلها أصبح تحقيق كثير من الأحلام والتطلُّعات أمراً مُمكِناً.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ دولة الإمارات العربية المُتَّحِدة تُعَدّ من الدُّول الرائدة في هذا المجال، ولديها إنجازات عديدة فيه، ومنها مشروع استخدام تكنولوجيا النانو لتلقيح السُّحُب؛ بهدف زيادة الهطول المطري، وما زالت دولة الإمارات تستقطب أفضل الكفاءات وأصحاب العقول النَّيِّرة انطلاقاً من رؤية "مئوية الإمارات 2071" التي أطلقها صاحب السُّمُوّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي؛ لجعل دولة الإمارات الأفضل في العالَم؛ بتوفير البنية التحتية المناسبة والبيئة المُميَّزة، وزيادة الاستثمارات في المجالات التي ستُشكِّل المستقبل، ومنها النانوتكنولوجيا.
[1] ec.europa.eu, Nanotechnologies
[2] iinano.org, What is Nanotechnology?
[3] researchgate.net, Future of Nanotechnology
[4] nano.gov, Seeing at the Nanoscale
[5] liysf.org.uk, Future Impact of Nanotechnology