جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,
نصائح وإرشادات

كيف نُربي أطفالاً صالحين في مجتمع متغير؟

11 أغسطس 2024 / 3:40 PM
كيف نُربي أطفالاً صالحين في مجتمع متغير؟
download-img
في هذا العصر المُتغيِّر والمُتجدِّد، يَجِد الآباء أنفسهم في مواجهة تحدِّيات جديدة في تربيتهم أطفالهم؛ نتيجة تغيُّر العوامل المحيطة بالأسرة؛ كوسائل التكنولوجيا الحديثة، والتغيُّرات الثقافية والمجتمعية، مُتسائلِين عمّا إذا كانوا قادرين على تربية أبنائهم بالأسلوب الذي تَرَبَّوا به.

وفي الحقيقة، تتطلّب تربية الأطفال ليصبحوا صالحين في مجتمع مُتغيِّر نهجاً شاملاً يأخذ في الحُسبان عِدَّةَ جوانب مهمّة، ومن أبرزها ما يلي:

تعزيز القيم الدينية والأخلاقية

لا يُعَدّ غرس القِيَم الدينية والأخلاقية وترسيخها في نفوس الأطفال، مثل: الأمانة، والصبر، وتربيتهم على الصدق، والمسؤولية، وغيرها أمراً سهلاً في الواقع، وإنَّما يتطلّب جهداً وتوجيهاً مُستمِرَّين من الوالِدَين والمجتمع المحيط بالطفل، واتِّباع قواعد أساسية لغرس هذه القيم المختلفة في نفوسهم، ومن أفضلها تقديم القدوة الحسنة للطفل؛ إذ يميل الأطفال إلى ملاحظة التفاصيل الدقيقة في سلوكات الكبار، وخاصَّة والديهم وتقليدها.


ومن المهمّ كذلك المُداوَمة على النُّصح والتوجيه، وإظهار الوالِدَين التوافُق بين القول والفعل؛ فهذا يُعلِّم الطفل أنّ القِيَم ليست مُجرَّد كلماتٍ، بل هي أفعال يجب اتِّباعها لتصبح جزءاً من شخصيّته، وتؤثّر في تصرُّفاته وسلوكاته طوال حياته.


أمّا الطرق المباشرة لغرس القِيَم لدى الطفل، فتتمثّل بالتحدّث عن هذه القِيَم، وتعريفها بأسلوبٍ واضحٍ وبسيطٍ يتناسب مع عمر الطفل، ويمكن أيضاً إعطاء الطفل أمثلةً واقعيةً توضّح كيفية تطبيقها؛ فعلى سبيل المثال، يمكن قول: "عندما تجد شيئاً ليس لك، من الأمانة أن تعيده إلى صاحبه"، أو سؤال الطفل عن رأيه في القِيَم، وكيفية تطبيقها؛ كسؤاله مثلاً: "ماذا تفعل إن رأيتَ صديقكَ يغشّ في الامتحان؟" 


كما يمكن سَرد القصص التي تتضمّن دروساً أخلاقيةً للأطفال، أو استغلال المواقف اليومية للتحدُّث عن القِيَم المُرتبِطة بها؛ فمثلاً، يمكن لفت انتباه الطفل عند رؤية شخصٍ ما يساعد رجلاً كبيراً في السنّ بقول: "انظُر كيف يساعد هذا الرجلُ كبيرَ السنّ، يا له من تصرُّفٍ جميلٍ!".

التواصل الفعّال

إنّ فتح قنوات التواصل مع الأطفال والاستماع إليهم باهتمام من أهمّ أُسُس التربية الناجحة؛ فهذا يُعزّز من ثقتهم بأنفسهم، ويشعرهم بالأمان، والرغبة في التواصل، وبالتالي بناء علاقة قوية وإيجابية معهم.


ويمكن تحقيق ذلك بتخصيص وقت للاستماع إلى الطفل دون الانشغال عنه، مع الحفاظ على التواصل البصري معه، وإظهار الاهتمام الفعلي بما يقوله، إضافة إلى دعمه وتشجيعه على مشاركة مشاعره وأفكاره، وتجنّب انتقاده أو إصدار الأحكام السريعة على ما يقول. 


ومن المفيد جدّاً بدء الحوار مع الطفل بطرح الأسئلة عليه؛ كالسؤال عن يومه، وماذا فعل في مدرسته، وإن واجه أيّ صعوبات اليوم، وما إلى ذلك، فهذا يُظهر للطفل أنّ والِدَيه مُهتَمّان به، ويرغبان في معرفة تفاصيل حياته، ممّا يُعزّز الشعور بالثقة والأمان لديه.

وضع الحدود والقواعد

وضع الحدود والقواعد بشكلٍ معقول ومنطقي جزء أساسي من عملية التربية الصالحة التي تهدف إلى توجيه سلوك الطفل؛ فهو يساعد على فهم الطفل لما هو مسموحٌ وما هو مرفوضٌ، والتصرُّف بما يتماشى مع ذلك، وتعلُّم الانضباط والمسؤولية من خلال الالتزام بالقواعد المُحدَّدة، وبالتالي ممارسة سلوكاتٍ جيِّدة، كما أنّ شرح الأسباب وراء هذه القواعد للطفل بوضوحٍ سيجعل التزامه بها أفضل.


وتتطلّب تربية الأطفال في هذا الزمن المُتغيِّر الصَّرامةَ والرحمةَ في الوقت نفسه؛ بحيث تُركِّز على تطبيق القواعد والحدود، مع تقديم الحبّ والدَّعم للطفل. 

التوعية بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي

أصبحت توعية الأطفال بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي من ضروريات التربية الصالحة في هذا العصر الرقمي الحديث؛ من خلال إطلاع الأطفال على المخاطر الناجمة عن سوء استخدام التكنولوجيا، مثل: التعرُّض للمحتوى غير المناسب، أو التنمُّر الإلكتروني، وشرح العواقب المُحتمَلة لاستخدام التكنولوجيا بشكل غير مسؤول.


بالإضافة إلى تعزيز السلوك الإيجابي لدى الطفل أثناء استخدامه التكنولوجيا، مثل: البحث عن محتوى تعليمي مفيد، أو التواصل مع الأصدقاء بصورة إيجابية؛ لتطوير مهاراته، واكتسابه معرفةً جديدةً.


كما يجب أن يُحدّد الوالِدان قواعدَ وحدوداً واضحةً لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقها بصرامة؛ كوضع حدٍّ أقصى للوقت المسموح به، وتحديد نوع المحتوى المقبول.

تعليم التفكير النقدي والقدرة على التكيّف

في مجتمعنا المُتغيِّر والمُتسارِع، أصبح تعليم الأطفال المهارات المختلفة أمراً ضرورياً، ومن أبرزها: التفكير النقدي، وتحليل الأمور من جوانب مختلفة لاتِّخاذ القرارات الأفضل، والتكيُّف والمرونة مع التغيُّرات الحياتية؛ إذ تُسهم هذه المهارات في بناء شخصية الطفل، وتطوير قدراته العقلية والعاطفية إيجابيّاً، ومواجهة التحدّيات اليومية. 


وهذا ما يتحقَّق بالتواصل الفعّال مع الطفل، وتعزيز ثقته بنفسه؛ بمنحه الفرصة لاتّخاذ القرارات الخاصة به، وتحمّل المسؤولية، ويمكن أيضاً فتح النقاشات معه بطرح الأسئلة عليه، مثل: "لماذا تعتقد أن هذا القرار مناسب؟ وما هي العواقب المحتملة لهذا القرار؟"، وتدريبه على فهم المعلومات بشكلٍ أفضل، ومقارنة المعلومات المُتاحة لديه، ثمّ تحليلها وتقييمها. 


ومن المهمّ أيضاً تطوير مهارة المرونة لدى الطفل؛ من خلال تعزيز استجابته الإيجابية للتحدّيات، وتحفيزه على التكيّف مع المواقف المتغيّرة؛ بالتخطيط، والبحث عن حلولٍ بديلة. 


وفي الختام، لبناء أُسُس التربية الصالحة على مبادئ أساسية أهمّية بالغة تظهر في عِدَّة جوانب، أبرزها: تعزيز القِيَم الأخلاقية والاجتماعية، والتواصُل الفَعّال مع الأبناء، وتوعيتهم حول استخدام وسائل التكنولوجيا المختلفة، إضافة إلى تطوير مهاراتهم الحياتية المختلفة؛ من التفكير النقدي، والتحليل، واتِّخاذ القرارات، والتكيُّف مع التغيُّرات الحياتية، بالتزامن مع وضع القواعد والحدود التي تجمع بين الصرامة والرحمة؛ لضمان توجيه الأطفال نحو السلوك الصالح والمسؤول.

 

 

المراجع 
[1] unicef.org, How to communicate effectively with your young child
[2] cdc.gov, Creating Rules
[3] centerforparentingeducation.org, UNDERSTANDING TEMPERAMENT: ADAPTABILITY
[4] كتاب ركائز في تربية الأبناء للكاتب عبدالرزاق بن عبد المحسن البدر
[5]  كتاب اللمسة الإنسانية لمحات في فن التعامل مع الأبناء، للكاتب محمد محمد بدري

August 11, 2024 / 3:40 PM

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.