جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,
لا تدعها تُهدِّد استقرار عائلتك

التحديات التي تواجهها الأسرة في العصر الحديث

06 أغسطس 2024 / 3:12 PM
التحديات التي تواجهها الأسرة في العصر الحديث
download-img
يُركِّز الدين الإسلاميّ باستمرار على أهمِّية وحدة الأسرة وتماسُكها كخطوة أولى وأساسيَّة لحِماية الأطفال، وبناء مجتمع سليم ومُتماسِك؛ فالأسرة هي المكان الأوَّل الذي ينشأ فيه الأفراد، ويتلقَّون فيه التعليم والتوجيه، والمصدر الأساسيّ لغَرس القِيَم الأخلاقيَّة والاجتماعيَّة لديهم، ممّا يُؤثِّر بشكل كبير في سلوكهم وتصرُّفاتهم في المجتمع.

وفي عصرنا الحديث، تُواجِه الأسرة مجموعة مُتنوِّعة من التحدِّيات التي تتجاوز تلك التي كانت معروفة في الأزمنة الماضية؛ نتيجة التقدُّم التكنولوجيّ السريع، والتحوُّلات الاجتماعية العميقة، والتغيُّرات الثقافية المُستَمِرَّة، ممّا أدَّى إلى ظهور مشكلات أُسَرِيَّة جديدة، وتحدِّيات تتطلَّب تكيُّف الأسرة المُستَمِرّ، والتعامل معها بطرقٍ مختلفة.

صعوبة الموازنة بين العمل والحياة الأسرية

في ظلّ التحدِّيات الاقتصادية والاجتماعية التي يُواجِهها الأفراد والأُسَر في العصر الحديث، ازدادت الحاجة إلى عمل الوالِدَين خارج المنزل، لذا باتت صعوبة تحقيق التوازن بين مسؤوليّات العمل المهنيّة والمسؤوليات الأُسَرِيَّة من أهمّ التحدِّيات المُعاصِرة التي تُواجه العديد من الأسر في وقتنا الحاليّ؛ نتيجة الحاجة المُتَزايِدة إلى غِياب الزوج أو الزوجة أو كِلَيهما عن المنزل فترات طويلة في العمل؛ بسبب مُتطلَّبات الوظيفة أو الضغوط الاقتصادية، فيصعب على الوالِدَين الاستجابة لاحتياجات الأسرة بصورة كافِيَة، ويُقلِّل مُشارَكَتهما الفَعّالة في رِعاية الأطفال ومُتابَعة سُلوكاتهم. 


ويُمكن أن يُعزى ذلك أيضاً إلى تأثير العمل على دور الأمّ في الأسرة؛ فبينما تسعى الأمّ إلى تحقيق النجاح المهنيّ، وتحقيق تطلُّعاتها الشخصيَّة، تُواجِه صعوبةً في إيجاد التوازن بين مسؤوليّاتها المهنية والأسرية، وهذا التحدّي يمكن أن يُؤثِّر سلباً في قدرتها على تلبية احتياجات أسرتها، وتقديم الدعم العاطفي اللازم لأفرادها، إضافةً إلى شُعورها بالذنب أو الإجهاد، ممّا يُؤثِّر سلباً في علاقاتها بهم أيضاً.


ولا يمكن إنكار أنَّ الوصول إلى توازُن صِحِّي بين العمل والحياة العائلية أمرٌ صعب، إلّا أنَّه ليس مُستَحيلاً؛ من خلال اتِّباع بعض الاستراتيجيّات، مثل: إدارة الوقت بالتخطيط الجَيِّد، واتِّباع روتين يوميّ ثابت قَدر الإمكان، وترتيب الأولوِيّات، والتعامُل مع التوتُّر بفاعلِيَّة، والتواصل الصِّحِّي والمُستَمِرّ مع أفراد العائلة، مع ضرورة تخصيص بعض الوقت للرعاية الذاتيَّة وإن كان لدقائق فقط خلال اليوم، وأخذ إجازات من العمل؛ بهدف قضاء وقت ممتع مع العائلة بين الحين والآخر. 

ضعف العلاقة بين الزوج والزوجة

تُعَدّ العلاقة بين الزوجَين الركيزة الأساسيَّة لاستقرار الأسرة، وهي العامل الذي يُحدِّد بشكلٍ كبير نجاح الأسرة كوحدة اجتماعيَّة، إلّا أنَّ الأسرة -مع الأسف- قد تتعرَّض في عصرنا لمجموعة من التحدِّيات التي تُزَعزِعُها وتُضعِفُها إن أُسيءَ التعامل معها، ومنها: عدم وعي الطرفَين بالحقوق والواجبات الزوجيَّة، أو عدم إدراك ما يتوقَّعه كلّ منهما من الآخر؛ نتيجة تغيُّر الأدوار التقليدية للزوجَين في الزمن الحديث، ممّا يُؤدّي إلى الشُّعور بخيبة الأمل والإهمال. 


وعلى سبيل المثال، قد تتوقَّع الزوجة، وخاصَّةً العاملة، مُشارَكة زوجها في الأعمال المنزليَّة، بينما يعتقد الزوج أنّ هذه ليست من مسؤوليّاته، وإن تشبَّثَ كلّ طرفٍ برأيه عند الخلاف، ولم يُقدِّم أيّ تنازُلات، فسينتهي الأمر إلى صِراعات مُتكرِّرة بينهما. 


كما أنّ العوامل الاقتصادية، مثل: سوء الإدارة المالية، والإسراف الزائد، وعدم تحمُّل أعباء النَّفَقات المعيشية، قد تُضيف ضغوطاً إلى العلاقة الزوجية، وتزيد التوتُّر والصِّراع، ممّا يُؤثِّر سلباً في العلاقة الزوجيَّة.


وهنا تبرز أهمِّيَّة التواصُل الفَعّال بين الزوجَين، وتبادُل الأفكار والمشاعر، والتعاوُن في إيجاد حُلول للمُشكِلات المُشتَرَكة، بالإضافة إلى العمل على تعزيز الثقة، وبناء الاحترام المُتبادَل، والعمل المُشتَرَك على تحقيق التوازُن بين العمل والحياة الأُسَرِيَّة. 

ضعف الحوار الأسري

ينشأ ضعف الحِوار بين الآباء والأبناء نتيجة عِدَّة عوامِل، لعلّ من أبرزها قضاء الآباء والأُمَّهات ساعات طويلة في العمل، ممّا يُقلِّل الوقت المُتاح للتفاعُل الإيجابيّ داخل الأسرة، وبالتالي ترك فجوة من التواصُل بين أفرادها، ونقص الدعم العاطفيّ والاهتمام بتفاصيل الأبناء.


أمّا العامل الآخر الذي يُسهِم بشكل كبير في سوء التواصل بين أفراد الأسرة، فيتمثَّل بالفَجوة بين الأجيال، والتي تنشأ عنها صعوبة فهم كلٍّ منها للآخَر، والشُّعور بالعُزلة والانفصال داخل الأسرة، ويُعَدّ الاعتماد الكبير على التكنولوجيا الحديثة، وقضاء الأبناء والآباء وقتاً كبيراً على برامج التواصل الاجتماعي من الأمور التي تُقلِّل إلى حَدٍّ كبير فُرَص الحِوار المُباشِر بينهم، إضافة إلى أنَّ هذه الوسائل قد تساعد في تَبنّي الأبناء ثقافات وقِيَماً مختلفة عن تلك التي يحرص الآباء على غَرسها، ممّا يُؤدّي إلى تضارُب الأفكار والقِيَم، ومُواجَهة تحدِّيات أكبر في عملية التربية.


كما يُؤدّي نقص الحوار إلى ضعف الروابط العاطفية بين الآباء والأبناء، ممّا يُضعِف الشُّعور بالانتماء والأمان داخل الأسرة، وهو ما قد يتسبَّب أيضاً في لُجوء الأبناء إلى بدائل خارج مُحيط الأسرة لتلَقّي الدَّعم. 


وهنا يأتي دور الآباء والأُمَّهات في تنظيم وقتهم؛ بحيث يُخصِّصون وقتاً كافياً للحِوار والتفاعُل مع أبنائهم يوميّاً، ومُحاوَلة فهم وجهات نظرهم، وتقدير اختلافاتهم الثقافية والتعليمية، إضافة إلى وضع الآباء حُدوداً لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، وتشجيع الأنشطة العائلية المُشتَرَكة التي تُعزِّز التواصُل. 


ويجب على الآباء والأُمَّهات تثقيف أنفسهم فيما يتعلَّق بكيفيَّة التعامل مع تحدِّيات الأسرة في العصر الحديث؛ من خلال الدورات التدريبية المُتخصِّصة، أو وُرَش العمل، أو استشارة المُختَصِّين، أو قراءة الكتب والمقالات التي تُركِّز على التربية الحديثة، والتحدِّيات التي تُواجِه الأُسَر اليوم.


 وفي هذا السياق، ينصَح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، بقراءة مجموعة من الكتب التي تُسهِم في فهمٍ أفضل للمُجتَمع والأسرة، ومن بينها: كتاب "المجتمع والأسرة في الإسلام" من تأليف محمد طاهر الجوابي، وكتاب "سيكولوجيَّة العلاقات الأُسَرِيَّة" من تأليف الدكتور سيرغي كوفالوف، وكتاب "الأسرة وصحَّتها النفسية" من تأليف مصطفى حجازي.


وفي الختام، لا نجد أجمل من أن نستذكر كلمات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، حين قال: "نأمل أن تَعِيَ الأسرة دورها العظيم في الحياة بغَرس القِيَم والمبادئ، والعادات الصالحة، والسلوكات القويمة، وتنشئة أطفالها التنشئة الصحيحة التي تُؤمن للأسرة ذاتها"؛ فهذه الكلمات تُلخِّص جوهر الرسالة التي نسعى إلى إيصالها؛ وهي أنَّ الأسرة تُمثِّل الركيزة الأساسية للمجتمع، والمسؤوليَّة المُلقاة على عاتقها في تنشئة الأجيال هي أعظم وأسمى واجب؛ فبغَرس القِيَم والمبادئ في نفوس الأطفال، وتربية جِيل يتَحَلّى بالأخلاق الحميدة والسُّلوك القَويم، لا نضمن استقرار الأسرة فقط، وإنَّما ازدهار المجتمع بأسره.

المراجع 

[1] typeset.io, What are the challenges facing families in society today? 
[2] familyapostolatefaridabad.com, Challenges Of Families Today
[3] ccsharjah.gov.ae, "تحديات الأسرة المعاصرة" محاور عديدة طرحها الباحثون المتخصصون خلال الجلسة الحوارية التي نظمتها لجنة شؤون الأسرة بالمجلس الاستشاري لإمارة الشارقة
[4] blog.alanniaresorts.com, The challenges of family life today
[5] sheikhdrsultan.ae, حاكم الشارقة ينصح الشباب بقراءة 12 كتاباً تتعلق بالأسرة

August 06, 2024 / 3:12 PM

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.