جار التحميل...
التسامح سلوك اجتماعيّ مهمّ يضمن للأسرة جوّاً من الهدوء والسلام حين يسود بين أفرادها، وخاصَّة للزوجين؛ فهو يُتيح لهما العيش معاً برفقة أطفالهما بوئامٍ ومودّة ومحبة ورحمة وعطاء، ويضمن تحقيق الرضا النفسي والاستقرار الروحي كذلك، ويسهم في العثور على نقاط التقاءٍ مشتركة والعيش بتكاملٍ وتناغم، ويسهم في إصلاح العلاقة الزوجية المُتصدِّعة، ويبني الثقة المتبادلة بين الأزواج، ويساعد في حلّ المشكلات القائمة، وقد يمنع تكرارَ حدوثها مُجدَّداً، ممّا يُقوّي العلاقة الزوجية، ويضمن استقرارها، لا سِيَّما عند اعتماده أسلوبَ حياةٍ ثابتاً.
ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن أن تُخلِّف أخطاء الشريك -لا سِيَّما غير المُتعمَّد منها- جروحاً نفسيّةً، وتشعل مشاعر الحزن والغضب والألم في بعض الأحيان، إلّا أنّ الاستمرار بالتفكير العميق فيها، والرغبة في معاقبة الشريك، ورفض التسامح معه أو التجاوز عن أخطائه -إذا كان ذلك الخيار مُتاحاً-، يمكن أن يُؤدّي إلى استمرار الشعور بالألم، وزيادته في بعض الأحيان، أمّا التسامح والصفح عن الزلّات، فإنَّه يضمن الشعور بالراحة الجسدية والنفسية والعاطفية على حَدّ سواء، ويساعد في فهم الشريك والتعاطف معه أكثر، والمُضِيّ قُدُماً بثقةٍ وسلامٍ داخليّ.
وهذا يعني أنّ التسامح بين الزوجَين ينعكس إيجاباً على صِحَّة الشخص ورفاهيَّته النفسية جنباً إلى جنبٍ معَ تأثيره الإيجابيّ في علاقته مع رفيق الدَّرب واستقرار الأسرة كُلّها.
حتى الأزواج السعداء الذين يُحِبّون بعضهم بعضاً قد يُخطئ بعضهم في حقّ بعض أحياناً، وكثيراً ما يكون هذا الأذى أو الخطأ الذي اقتُرِف غير مُتعمَّد ويمكن تجاوزه، وعندها يكون التسامح والعفو هو الحلّ الأمثل للمشكلة.
ويكون ذلك بفهم قيمة التسامح وإدراك أهميته وكيفية تقويته العلاقة الزوجية وضمان استقرارها، ثمّ الاعتراف بالواقع والكشف عن أنّ هذا التصرُّف مُؤذٍ وغير مقبول، وأنَّه يُؤدّي إلى ظهور مشاعر سلبية، دون إجبار النفس على الموافقة عليه وقبوله أو الشعور بمشاعر جيّدة حِياله؛ فالتسامح لا يعني الموافقة على الأذى أو الاستمتاع به، وإنّما يعني محاولة فهم مدى تأثير هذا السلوك في النفس، وفي العلاقة الزوجية، وما المشاعر المُترتِّبة عليه، ومحاولة التخلُّص من تأثير هذا السلوك؛ بالتعاطُف مع الشريك، وإدراك أنَّ لدى كلّ شخص عيوب وهو مُعرَّضٌ للوقوع في الأخطاء أحياناً، والتفكير بإيجابيَّة قدر الإمكان، ثمّ اتِّخاذ قرار صادق بمسامحة الشريك، والتجاوز عن خطئه بطيب نفسٍ وخاطر.
ويجدر التنويه إلى أنّ التسامح بين الزوجين یمكن أن یظهر بصورة غیر مباشرة؛ باستعمال لغة الجسد، أو التواصل غير اللفظي؛ كأن تبتسم الزوجة لزوجها، وتُناوِله فنجاناً من القهوة بعد مُقاطعته حديثها مثلاً، أو أن يمسح الزوج على رأس زوجته ويُلاطِفها بعد رفعها صوتها عليه في موقفٍ سابقٍ على سبيل المثال.
وقد يُعبَّر عن التسامح أيضاً على نحو غير مُباشر؛ بإجراء حوار واضح وصريح، ومُناقَشة الخطأ الذي حدث، وتوضيح المشاعر التي ترتَّبت عليه، وقد يُوضِّح الطرف المُسيء الدوافع الكامنة وراء سُلوكه، ويُظهر شعوره بالندم حِياله، ويعتذر عنه؛ لتخفيف حِدَّة الموقف، ومساعدة الطرف الآخر على العفو والتسامح، وتشجيعه على تجاوز الأخطاء وفتح باب المُصالَحة؛ لحياة زوجية أكثر سعادة وترابطاً رغم عقبات الطريق.
وختاماً، قد يظنّ البعض أنّ التسامح بين الأزواج شكل من أشكال الضعف، إلّا أنّ هذا الاعتقاد خاطئٌ؛ فالقدرة على العفو والتجاوز رغم امتلاك القدرة على رَدّ الأذى والانتقام وتصعيد المشكلة يتطلَّب قُوّةً أكبر، وهو يحمل في طَيّاته فوائد لا يمكن الاستغناء عنها.
[1] zhic.gov.ae, دور الأسرة في ترسيخ ثقافة التسامح
[2] icp.gov.ae, التسامح قيمة عظيمة
[3] mayoclinic.org, الصفح: التخلي عن الشعور بالضغينة والمرارة
[4] https://ssj.journals.ekb.eg, التسامح والامتنان بین الزوجین وعلاقته بالرفاهة النفسية للأسرة
[5] drmarinarosenthal.com, Three Tools to Build Relational Tolerance and Prevent Conflict