جار التحميل...
وظهر صراع الأجيال؛ نتيجة الاختلافات الثقافية والفكرية بين الأجيال المختلفة، أو ما يُعرَف بـ "الفجوة بين الأجيال"، والتي تعكس الفروقات في الآراء، والقِيَم، والاتِّجاهات، والتصوُّرات العامّة عن الحياة، والعلاقات بين الجيلَين، وخاصَّةً بين الأجيال الشابَّة وكبار السِّنّ؛ إذ إنّ كلّ جيل نشأ في ظروفٍ مُعيَّنة، وتأثَّر بتجاربه وبالمجتمع الذي عاش فيه، وبالثقافة التي تميَّز بها زمنه.
وبالرغم من أنّ الفجوة بين الأجيال ليست شيئاً سلبياً بالضرورة، بل يُمكن أن تكون مصدر إثراء وتبادل ثقافي، إلّا أنّ سوء التعامل معها هو ما يُؤدّي إلى الصِّراع بين الأجيال؛ بعدم الحِوار الفعّال، وعدم رضا كلّ جيل عن الآخر؛ إذ يرى الجيل القديم أنّ أصحاب الجيل الجديد لا خبرة لديهم، ولا يحترمون العادات، والتقاليد، وآراء الكبار، وأنَّهم مُنفَتحون جدّاً، وفي المقابل، يرى الجيل الجديد أنّ الجيل القديم مُتشدِّد ولا يتماشى مع تغييرات العصر الحديث، ممّا يُسبّب الصِّدام والعِدائيَّة، والنُّفور بين الجيلَين.
إذاً، كيف نتعامل اليوم مع مشكلة صراع الأجيال؟ ولماذا يشعر كلّ جيل بأنَّه مُتفوِّق على الآخر؟
يَرى علماء التربية والاجتماع أنّ السبب الرئيس للصراع والخلاف بين الأجيال هو اختلاف الآراء بينها، وهذا الاختلاف يمكن أن يقودها إلى صِراعٍ وخِلاف يظهر بقِلَّة المرونة في التعامل، وعدم تقبُّل الآخر، ورفض إصلاح الأخطاء، والتمسُّك بالعادات حتى وإن كانت خاطئة، ورفض التغيير، والنقد المُستَمِرّ للآخر، وغياب الحوار، والفهم المختلف للمفاهيم، وغير ذلك، وفي الحقيقة يُعَدّ صِراع الأجيال ظاهرة اجتماعيَّة مُعقَّدة ولا نهاية لها، ويُمكن القول إنَّها من التحدِّيات التي يمرّ بها العصر الحديث.
كما أنّ أنماط الحياة تتغيَّر باستمرار، الأمر الذي يجعل كلّ جيل مُختلِفاً عن الآخر، وقِلَّة فهم الأجيال المختلفة لهذه الفروقات، ورغبتهم الدائمة في العيش بطريقتهم الخاصّة، وعدم تنازلهم عن قِيَمهم وآرائهم مهما كانت، وعدم فهم كلّ جيل لمُتطلَّبات الجيل الآخر، من شأنه أن يُسبِّب فجوة بينهم، لتُؤثِّر سلباً في نهاية المطاف على الأفراد والمُجتَمع كلِّه، وبالرغم من أنَّ تنوُّع الأفكار والآراء في المجتمع أمرٌ صحِّي ومفيد يدلُّ على كيفيّة تطورُّه مع الوقت، إلّا أنّ عدم تقبُّل الآراء والأفكار من قِبَل هذه الأجيال يمكن أن يؤدّي بها إلى الصِّراع.
إضافةً إلى دور الثورة التكنولوجية في زيادة الفجوة بين الأجيال؛ فقد أحدثت التكنولوجيا الكثير من التغيُّرات في كيفيَّة التواصل؛ فوجد الجيل الأصغر الذي نشأ في بيئة تكنولوجية الراحة في التعامل مع الأجهزة والمنصّات الحديثة، وصار يُفضِّل استخدامها كوسيلة تواصل مع الآخرين، بينما ظلَّ الجيل الأقدم يميل إلى التواصل المباشر وجهاً لوجه، ولا يشعر بالراحة غالباً تجاه الأجهزة والمنصّات الحديثة.
ويجدر بالذِّكر أنّ صراع الأجيال بات يُهدِّد علاقة الآباء بالأبناء، وخاصَّة المُراهقين الذين يمرّون بمرحلة البحث عن الذات؛ إذ يرغب الآباء عادةً في تربية أبنائهم بالطرق التقليدية التي تربَّوا عليها؛ لأنَّهم يرَون أنَّها الأفضل، وأنَّها ستكون لصالح أبنائهم حتماً، إلّا أنّ الأبناء يرفضون هذه الطرق؛ لأنَّها تقليدية في نظرهم وليست مُواكِبة لعصرهم، ممّا يُصعِّب التوافُق بين توقُّعات الطَّرفَين.
وللأسف، ففي بعض الأحيان، يتعرَّض كلّ من الآباء والأبناء إلى ضغوطات الحياة وتحدِّياتها في هذا العالم المُتَسارِع، فيفشل كلّ منهما في فهم مَطالِب الآخر، ومع نقص التواصل والتوقُّف عن محاولة إيجاد الحلول، تزداد الفجوة بينهما، فيهتزّ كيان الأسرة، وتظهر مَعالِم الصِّراع بين الأجيال.
ولا يقتصر تأثير الصراع على الأسرة، وإنَّما يمتَدّ إلى بيئة العمل أيضاً؛ فقد تتمسَّك الأجيال الأكبر سِنّاً بالطرق التقليدية في العمل، فتلتزم بالزمن والهيكلة الوظيفية الصارمة ونحوهما وتَعُدّها أموراً مهمَّة، بينما تُفضِّل الأجيال الأصغر سِنّاً المرونة، والتفاعل أكثر مع التكنولوجيا، فيظهر الصراع بين الأجيال بقِلَّة التواصل والعمل الجماعيّ في أداء مهامّ العمل، وسوء الفهم بينها، وبالتالي انخفاض الإنتاجية، وصعوبة تحقيق الأهداف.
في البداية، ينبغي على الأجيال المختلفة إدراك أنّ لا جيل على حقّ أو خطأ بصورة مُطلَقة، وأنّ الحلّ لن يكون بمحاولة تغيير الجيل للآخر بصورة جذريَّة، وإنَّما من خلال بناء جسور التواصل والتفاهم بينهما؛ فعلى كلّ جيل أن يفهم ويتقبَّل الآخر؛ بالاستماع الجيِّد، والتواصل البَنّاء، والحِوار الفَعّال، والإقناع، ومحاولة حلّ المُشكِلات بسلام، كما أنّ الأمر في بعض الأحيان قد يتطلَّب الوصول إلى نقطة توافُق أو حلّ وسط بين الأجيال المختلفة.
ومن مسؤولية الأجيال المختلفة أيضاً التعامل بحكمة ورَوِيَّة مع الفجوة بينها؛ بمَلئها بالحبّ، والمودَّة، والثقة، والتفاهم، والتقدير المُتبادَل، واحترام وجهات النَّظر المختلفة، مع وضع الجيل الجديد -وخاصَّةً الأبناء- في الاعتبار أنّ كبار السِّنّ -وتحديداً الآباء- غالباً ما يسعَون إلى الأفضل لأبنائهم، وأنّ كلّ ما يفعلونه هو في الحقيقة تعبير عن حُبّهم واهتمامهم بهم؛ لذا ينبغي احترامهم، والاستماع إليهم، والتواصل معهم بحُبّ، وتوضيح الأفكار والآراء لهم باحترام.
وكسؤالٍ يتبادر إلى الذهن، لماذا لا ينظر الأفراد إلى الاختلافات بين الأجيال على أنَّها فرصة للتعلُّم والتطوُّر بدلاً من رؤيتها باعتبارها عقباتٍ تحول دون نيلهم حُرِّيّاتهم أو تحقيق نجاحاتهم؟، ولماذا لا يستمع كلّ جيل إلى غيره، ويحاول أن يفهمه، ويستفيد من الحكمة والخِبرات التي يمتلكها؟ حتَّى يجدوا أنَّ في ذلك سلامتهم، وترابطهم معاً.
وفي النهاية، قد يكون سَدّ الفجوة بين الأجيال، ومنع صراعاتها تحدِّياً صعباً، إلّا أنّ الحَدّ منها أمر ممكن ببَذل الجهود من قِبَل كلٍّ منها؛ لتحسين العلاقات؛ سواء في الأسرة، أو في العمل، أو في أيّ مكانٍ آخر، فلا أحد بالتأكيد يريد العيش في بيئةٍ يسودها الصِّراع والتوتُّر.
[1] psychologs.com, Why Generation Gap conflict happen?
[2] mindbodycounselingreno.com, How Does Generation Gap Affect Relationships?
[3] vedantu.com, Essay on Generation Gap
[4] typeset.io, What are the causes of conflict between generations?
[5] wilgroup.net, Overcoming the generation gap