جار التحميل...
فكيف يمكن للأم تربية أبناء سعداء مُستقِلّين ويتمتّعون بصحّة نفسية وعاطفية متوازنة، والتعامل مع التحدّيات والعقبات التي تواجهها أثناء غياب والدهم؟
في ظلّ غياب الأب، تبذل الأم قُصارى جهدها لإشعار أبنائها بالأمان والاستقرار، وتتحمّل أعباء المنزل كافَّة، إلى جانب عملها الخاصّ إن كانت أمّاً عاملة، وهذا يتطلّب منها قوة وصبراً مُضاعَفَين؛ لسَدّ هذا الفراغ، وتحقيق التوازن المطلوب بين الحنان والحزم، وتأمين بيئة أسرية مناسبة وداعمة تُشجّع الأبناء على الاستقلالية والاعتماد على الذات، والثقة بالنفس، رغم غياب الأب.
وفي بعض الأحيان، يترك غياب الأب عن البيت فترة طويلة تأثيرات عديدة في الأطفال؛ كظهور بعض المشكلات السلوكية لديهم، مثل: السلوك العدواني، أو تراجع أدائهم الأكاديمي، وتدنّي تحصيلهم الدراسي؛ نتيجة انخفاض الدافع، وتراجع الثقة بالنفس، والحاجة إلى الدعم والاهتمام من الأب، بالإضافة إلى العزلة، وضعف القدرة على تكوين العلاقات والتفاعل مع الآخرين أحياناً.
لذا، ينبغي على الأم عند سفر زوجها، محاولة تعويض غيابه، وسَدّ الفراغ الذي قد يشعر به الأبناء، على ألّا تنسى في الوقت ذاته الاهتمام بنفسها أيضاً، وتحاول تحقيق التوازن المطلوب بين مسؤولياتها بوصفها أمّاً تُربّي أبناءها وحدها، واحتياجاتها النفسية والجسدية بوصفها إنسانة قد تشعر بالضعف، والإجهاد، والحزن، والإحباط، والتوتر، والقلق، وغيرها من المشاعر في بعض الأحيان؛ لأنّ ذلك يُؤثِّر في قدرتها على الاهتمام بأبنائها، وتربيتهم، وتلبية احتياجاتهم كافَّة.
هناك استراتيجيات وأساليب فعالة عديدة يمكن للأمّ اتِّباعها لتربية أطفالها تربية سليمة وصِحِّية أثناء سفر الزوج وغياب حضوره الفعلي، ومن أبرزها ما يأتي:
يُعَدّ التواصل مع الأب خلال سفره عنصراً أساسياً لتقوية الروابط الأسرية، والمحافظة عليها، حتى وإن كان التواصل عبر الرسائل النصّية، أو المكالمات السريعة؛ إذ يُسهِم في تقليل الشُّعور بالغياب والفراق والاشتياق، ولا بُدّ أيضاً من مشاركة الأب الأحداثَ اليومية للأطفال، ودعمهم نفسياً وعاطفياً، بما يُشعِرهم أنّ والِدَهم حاضِر في حياتهم رغم بُعده الجسدي عنهم.
تُعَدّ الإيجابية من العوامل الرئيسة التي تُسهِّل تربية الأطفال في الظروف الصعبة، مثل: غياب الأب، وتحمُّل الأمّ المسؤوليات جميعها؛ لذا، من المفيد المحافظة عليها، والتحلّي بروح الدُّعابة والمُرونة؛ ممّا يساعد الأطفال في التغلُّب على التحدّيات التي يواجهونها؛ نتيجة غياب والدهم، والتكيُّف والتعامل معها بإيجابية أيضاً.
ينبغي تخصيص وقت يوميّ للَّعِب مع الأطفال، أو قراءة القصص لهم، أو الاستماع لحكاياتهم وأحداث يومهم؛ ممّا يُعزِّز شعورهم بالحبّ والاهتمام، ويسُدّ الفراغ الذي يتركه غياب والدهم، بالإضافة إلى ضرورة مدح سلوكاتهم الإيجابية، وتشجيعهم باستمرار؛ ممّا يدعمهم عاطفيّاً ونفسيّاً، ويُسهِم في بناء ثقتهم بأنفسهم.
ينبغي وضع حدود واضحة وثابتة للقواعد والأمور التي ينبغي على الأطفال تطبيقها والالتزام بها في المنزل، مثل: ضرورة التحدُّث باحترام دون رفع الصوت، وتحديد الأماكن المسموح تناول الطعام فيها، وهكذا، مع الحرص على التواصل المباشر مع الأطفال في ما يتعلَّق بهذه القواعد، وتعليمهم كيفية الانضباط، وتحمُّل العواقب المُترتِّبة على أفعالهم وسلوكاتهم المختلفة.
ينبغي الحرص على التواصل الجيّد مع الأطفال، والتحدُّث إليهم، والإنصات لهم؛ لمعرفة مشاعرهم واحتياجاتهم، وخاصَّة في ما يخصّ غياب الأب، مع الحرص على أن يكون ذلك في وقت ومكان مناسِبَين؛ ليتمكَّن الأطفال من التعبير عن مشاعرهم تعبيراً صحيحاً، ومعرفة احتياجاتهم التي قد لا تكون ظاهرة للأمّ أحياناً.
يمكن تكليف الأطفال ببعض المَهامّ بما يتناسب مع مراحلهم العُمرية، وقدراتهم الجسدية؛ لتعزيز شُعورهم بالمسؤولية، وتعليمهم الاستقلال، والاعتماد على الذات، وخاصّة أثناء غياب الأب؛ كالمساعدة في الأعمال المنزلية؛ ممّا يُقلِّل العِبء عن الأمّ، ويُعزِّز شعورهم بالكفاءة والإنجاز.
يساعد إنشاء روتين يومي ثابت ومُنظَّم في تعزيز الشعور بالأمان والاستقرار للأطفال؛ بحيث تُحدَّد مواعيد ثابتة لتناول وجبات الطعام، والنوم، والدراسة، واللعب، ومشاهدة التلفاز؛ ممّا يُتيح لهم توقُّع الأحداث والأنشطة التي ستحصل خلال اليوم، فيقِلّ شُعورهم بالتوتُّر والقلق، وتسهل على الأمّ إدارة مَهامّها المُتعدِّدة.
عند غياب الأب فترة طويلة، لا ينبغي أن تُجبِر الأمّ نفسها على مواجهة التحديات والعقبات كافَّة بمفردها، وإنّما يُفضَّل أن تطلب الدعم والمساعدة من أفراد العائلة والأصدقاء؛ ممّا يُسهم في تخفيف العبء والضغوط والمسؤوليات عن كاهلها، ويمنحها المزيد من الوقت والطاقة؛ للاهتمام بنفسها، وتحقيق التوازن في حياتها.