جار التحميل...
فما هي أهمية حنان الأب وتأثيره في الأبناء؟
يُعَدّ دعم الآباء العاطفي أساساً قويّاً لبناء شخصية الأبناء؛ فعندما يشعر الأبناء بالحبّ والتقدير من آبائهم تنمو ثقتهم بأنفسهم ونظرتهم الإيجابية إلى ذواتهم، وهذه الثقة تجعلهم أكثر سعادة وقدرة على مواجهة تحدّيات الحياة؛ إذ يتميّزون بقدرتهم الكبيرة على التعامل مع الضغوطات، ومواجهة المواقف الجديدة بفضول وشجاعة بدلاً من الخوف والتردّد، وهذه المرونة في التعامل تُساعدهم على التكيُّف بسهولة مع مختلف الظروف الحياتية.
ويتمتّع هؤلاء الأبناء بشخصية قويّة تُمكِّنهم من التعامل السليم مع أقرانهم ومواجهتهم؛ فهم قادرون على التعبير عن آرائهم والدفاع عن معتقداتهم حتى لو اختلفت عن آراء أصدقائهم، وهذا الاستقلال الفكري يجعلهم قادة إيجابيّين في مُحيطهم.
يُؤدّي الآباء دوراً حيويّاً في تعزيز النُّمُوّ العاطفي لأبنائهم؛ إذ يمنح الأب الحنون أبناءه الشُّعور بالأمان جسدياً وعاطفياً، وعندما يشعر الأبناء بالحب والحنان عبر التعبيرات العاطفية، يتطوّر لديهم إحساس عميق بالأمان والحماية والدَّعم والثقة في علاقاتهم مع آبائهم، وهذا الشعور بالأمان يجعلهم أكثر استعداداً لمشاركة مشاعرهم والتعبير عنها بحُرّية، إضافة إلى تعزيز قدرتهم على مشاركة أفكارهم ومخاوفهم وتجاربهم اليوميّة، ونتيجة لذلك يُصبح التواصل بين الآباء والأبناء أكثر عُمقاً وفعاليّة.
يؤدّي الآباء دوراً مِحوَريّاً في تشكيل شخصيات أبنائهم، وفي تحديد أنماط علاقاتهم بالآخرين مُستقبَلاً؛ فالآباء يضعون الأساس لكيفية تفاعل أبنائهم مع العالَم من حولهم؛ إذ تُشكِّل العلاقة بين الأب والطفل نموذجاً أوّلياً للعلاقات الإنسانية؛ فهو يؤثّر بعُمق في نظرة الطفل إلى العالَم، وتوقُّعاته من الآخرين طوال حياته، ويغرس الآباء القواعد الأساسية لسلوكات أبنائهم، مثل: احترام الآخرين، والصدق، وتحمّل المسؤولية، وهذه القواعد تُوفّر للأطفال إطاراً واضحاً يساعدهم على فهم ما هو مقبول، وما هو غير مقبول.
والنموذج الذي يُقدّمه الأب في علاقته مع أبنائه يصبح مرجعاً أساسياً يستند إليه الأبناء في تقييم علاقاتهم المستقبلية؛ فالأطفال يميلون إلى البحث عن صفات مشابهة لما اعتادوا عليه في علاقاتهم مع آبائهم عند اختيار أصدقائهم وشركاء حياتهم؛ فإن كانت العلاقة بين الأب والطفل تتَّسِم بالاحترام والتفاهم والدعم العاطفي، فإنّ من المُرجَّح أن يسعى الطفل إلى إقامة علاقات مماثلة في حياته المستقبلية، وعلى العكس من ذلك، قد تؤدّي العلاقات المضطربة أو السلبية مع الأب إلى صعوبات في بناء علاقات صِحِّيّة بالآخرين.
مشاركة الآباء أطفالهم في الأنشطة التفاعلية والمُحفِّزة التي تُظهر حنانهم تُؤدّي دوراً جوهريّاً في تعزيز التطوّر المعرفي للطفل واعتماده على نفسه؛ فهذه الأنشطة، مثل: القراءة المشتركة، ورواية القصص، وممارسة الألعاب التي تتطلّب تفكيراً، تفتح آفاقاً جديدة للتعلُّم والاكتشاف، وبهذه التفاعلات، يتعرَّض الأبناء لوجهات نظر متنوعة، وهذا يُشجِّعهم على ممارسة التفكير النقدي، وتطوير مهارات حلّ المشكلات.
وتُعَدّ مشاركة الآباء الفعّالة مُحفِّزاً قوياً للفضول الفكري لدى الأطفال؛ فهي تدفعهم إلى استكشاف العالَم من حولهم بعمق أكبر، مُتجاوِزين السطحية إلى فهم أعمق للظواهر والأفكار، وهذا الاستكشاف المدعوم من الأب يؤدّي بدوره إلى تطوير مهارات تفكير مُتقدِّمة لدى الأطفال، مثل التحليل والتقييم، والأطفال بطبعهم يسعَون دائماً إلى نَيل رضا آبائهم، وهذه الرغبة تُحفِّزهم على التطوّر والنُّمُوّ؛ إذ إنّ الأب المُهتَمّ بحياة أبنائه، والمُشارِك فيها، والذي يظهر عاطفته وحُبّه لهم، يُشجِّعهم على تحسين أنفسهم باستمرار.
يتأثّر التحصيل الأكاديمي للأطفال على نحو كبير بمدى مشاركة الآباء في حياتهم التعليمية؛ فالأطفال الذين يحظَون باهتمام ومتابعة مستمِرّة من آبائهم يُحقِّقون نتائج دراسية أفضل، ويصلون إلى مستويات تعليمية مُتقدّمة، وتكون لديهم طموحات مهنية أكبر في المستقبل، ويأخذ الدَّعم من الآباء أشكالاً متنوعة تتراوح بين المساعدة المباشرة في الواجبات المدرسية، وحضور الاجتماعات والفعاليات المدرسية، وتوفير بيئة منزلية مُشجِّعة على التعلُّم، وإظهار الاهتمام المُستمِرّ بالأنشطة التعليمية للطفل، وهذه المشاركة الفعّالة تؤدّي دوراً مِحوَرِيّاً في زيادة دافعيّتهم للتعلُّم والتحصيل الدراسي.
يؤدّي إظهار العاطفة والحنان تجاه الأطفال دوراً مِحوَرِيّاً في تحسين التواصل بين الآباء وأبنائهم؛ فالتعبيرات العاطفية، مثل العِناق، والإمساك باليدَين، والتقبيل، واللَّعِب معاً، تُسهِم على نحو فَعّال في كسر الحواجز النفسيّة بين الطرفَين، وهذه الأفعال البسيطة تصنع جَوّاً من الدِّفء والقبول، ممّا يُشجّع الأطفال على إظهار حُبّهم لعائلاتهم، وبالتالي تقوية الروابط الأسرية.
وتمتدّ تأثيرات هذه الرابطة القوية إلى ما هو أبعد من مُجرَّد تبادل المشاعر والأحاديث؛ فهي تصنع أساساً متيناً للتفاهم المُتبادَل، ممّا يُسهِّل التواصل حتى في المواقف الصعبة أو الحسّاسة؛ إذ يشعر الأطفال براحة أكبر في اللجوء إلى آبائهم للحصول على الدعم.
المشاركة الفعّالة للأب في حياة أبنائه تُساعد في الحدّ من احتمالية انخراطهم في سلوكات خطرة؛ كالسرقة، أو تعاطي المُخدّرات؛ فالأبناء الذين يحظَون بعلاقة قوية مع آبائهم ومشاركة فاعلة في حياتهم اليومية يُظهِرون مُعدّلات أقلّ من السلوكات السلبية، لا سِيّما في مرحلة المراهقة وما بعدها؛ إذ يُقلِّل ذلك احتمالية لجوئهم إلى سلوكات غير مرغوب فيها كوسيلة للتعويض عن نقص الحنان والاهتمام، والآباء المُنخرِطون في حياة أبنائهم يكونون عادة على دِراية أكبر بأنشطتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، وهذا يُمكِّنهم من التدخُّل المُبكِّر والفَعّال عند ظهور أيَّة علامات تحذيرية.
وفي الختام، يُنصَح الآباء بإظهار الحنان والحبّ لأبنائهم وجعلها أولويّة يوميّة؛ إذ لا يُعَدّ الحنان في حياة الأبناء مُجرَّد عاطفة عابرة، بل هو استثمار حقيقي في مستقبلهم؛ فبالاهتمام المُستمِرّ بتعليمهم، يبني الآباء أساساً متيناً لشخصيّات أبنائهم، وهذا النهج في التربية الحديثة يُسهِم في تنشئة جيل مُتوازِن عاطِفيّاً وفِكريّاً، ومُهيَّأ للنجاح في شَتّى مجالات الحياة.
[1] theconversation.com, 6 ways fathers can share love and connection with their babies, preschoolers and young children
[2] qualitycareforchildren.org, A FATHER’S PRESENCE IN HIS LIFE CAN BE TRANSFORMATIVE
[3] allprodad.com, Show Affection to Your Kids
[4] pediatricsoffranklin.com, THE IMPORTANCE OF A FATHER IN A CHILD’S LIFE
[5] childcrisisaz.org, Important Ways Fathers Impact Child Development