جار التحميل...
تعود أسباب اختلاف الأزواج حول طرق التربية إلى نشأة الوالدين في عائلاتٍ تعود كلّ منها إلى خلفية تربوية مختلفة؛ حيث يسعى كل من الزوجين وبشكلٍ مستقلّ غالباً إلى تبنّي ذات الأسلوب الذي مارسه والداهما أو العكس، استناداً إلى تجربتهما الشخصية في مدى صلاحه أو عدم جدواه.
كما يُمكن أن يرجع سبب الاختلاف إلى اختلاف الخبرات والمعتقدات والقيم الشخصيّة لكلا الزوجين أيضاً، فضلاً عن وجود العديد من أنماط وأساليب التربية المختلفة؛ وهذا ما يدفعهما إلى اختيار أسلوبٍ تربويّ معيّن يتماشى مع معتقداتهما.
فمثلًا قد يرى أحد الوالدين أنّ الأسلوب الأكثر صرامة وانضباط هو الأفضل، بينما يعتقد الآخر بأنّ أساس التربية هو الحبّ والتفاهم والتساهل، مع منح مساحة أكبر من الحرية، مما يُشكّل ارتباكاً وتخبطاً في العملية التربوية، تنعكس آثارها على الأبناء في العائلة.
ينبغي على الوالدين تبني أسلوب تربيّة موحّد ومتناسق ومتكامل؛ لتعزيز نمو أطفالهم بشكل صحي وسليم ومتوازن، وتجنّب التأثيرات السلبيّة الناتجة عن الاختلاف حول أساليب تربية الأبناء والتي تتمثّل فيما يأتي:
قد يميل الطفل إلى أحد والديه على حساب الآخر إذا ما كان يتّبع أحدهما نهجاً أكثر انضباطاً من الآخر مثلاً؛ إذ يُمكن أن يُصنّف والديه في هذه الحالة إلى والدٍ قاسٍ أو صعب أو مُعاقِب، وآخر أكثر لطفاً أو عطفاً، كما يُمكن أن يحاول أحد الوالدين إثارة الطفل وتحريضه ضدّ الآخر؛ ليُثبت لابنه أنّه على حقّ وأنّه الوالد الصالح الذي يعمل لمصلحته.
كما قد يتنازع الوالدان بطريقةٍ تُجبر الطفل على الاختيار بينهما، مثل: النزاع الناتج عن رغبة الأم في اصطحاب ابنها إلى المكتبة، ورغبة الأب في أخذه معه للتنزه في الوقت نفسه.
وفي جميع هذه الحالات؛ يشعر الطفل بالارتباك والتوتّر؛ لاضطراره الاختيار بين والديه، كما قد يشعر بحبٍ أو مودّةٍ أقل تجاه أحدهما مقارنةً بالآخر؛ وهو ما قد يؤثّر في علاقته بوالديه ويزعزعها أحياناً.
إنّ افتقار العائلة للقيم والقواعد الثابتة، يجعل من الصعب على الطفل معرفة القوانين التي يجب اتّباعها تحديداً، أو التمييز بين الصواب والخطأ، مما يُشعره بعدم الاستقرار والتخبّط، وهو ما يُصعّب عليه الالتزام بالسلوكيات الإيجابية، مثل تلك المتعلّقة بكيفية التصرّف السليم والأخلاقيّ مع أفراد الأسرة والآخرين، وغيرها من السلوكيات التي هي بحاجة إلى رسائل وتوجيهات موحّدة من كلا الوالدين؛ كي يتمكّن الطفل من تطبيقها بالشكل السليم دون تشتت أو ارتباك.
وكذلك، فإنّ اتخاذ أحد الوالدين قرارات مهمّة دون استشارة الآخر، أو امتلاك كل منهما ضوابط مختلفة لتقييم سلوك أبنائهما؛ من شأنه التسبب في عدم قدرة الطفل على توقّع ردود فعل والديه، أو طريقة استجابتهما تجاه تصرّفاته المختلفة؛ وهو ما يحدّ من شعوره بالأمن والاستقرار، مما يدفعه في بعض الحالات إلى ممارسة المزيد من السلوكيات؛ لاختبار الحدود ومعرفتها، فضلًا عن استغلال بعض الأبناء لنقاط الاختلاف في التربية من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة.
يُشير مفهوم التعاون إلى فكرة الأخذ والعطاء في العلاقة مع الآخرين؛ للوصول إلى رأيٍ أو قرارٍ أو فعلٍ مشترك مُتفق عليه؛ وفي هذا السياق، يترتّب على امتلاك كلّ زوج طريقة خاصّة للتربية، والتفرّد في تطبيقها، إلغاء فكرة التعاون بين الزوجين؛ وبالتالي فقدان الطفل فرصة تعلّم هذه المهارة، أو اكتسابها من والديه؛ اللّذان يُمثُلان بالنسبة له النموذج أو القدوة.
وإنّ عدم تعلّم الطفل التعاون، يُمكن أن يحدّ من قدرته على التفكير في احتياجاته ورغباته، وموازنتها مع احتياجات ورغبات الآخرين؛ وبالتالي، قد يواجه صعوبةً أكبر في التعايش مع الآخرين، أو الاستمتاع برفقتهم، أو الانخراط في النشاطات الاجتماعية المختلفة.
قد يتسبَّب الاختلاف حول طرق تربية الأبناء في نُشوء نزاعات بين الزوجَين؛ ممّا قد يُؤثِّر في العلاقة العاطفية بينهما، ومن ثَمَّ في الرضا عن العلاقة الزوجية كُلِّها في حالات أكثر حِدَّة، فضلاً عن تأثيرها في طرق التواصل الذي يُمكن أن ينتج عنه الإيذاء أو الإساءة إلى الطرف الآخر، وقد يتجنَّب كلٌّ منهما الحديث إلى الآخر أحياناً؛ تجنُّباً للشِّجار.
وتُؤثِّر هذه النزاعات الزوجية بدورها في الصحَّة النفسية للأبناء؛ إذ يترَتّب عليها الشُّعور بالخوف، أو التوتُّر، أو القلق، وهو ما قد يُؤثِّر سلباً في نُمُوّ الطفل وتطوُّره، وقدرته على التأقلم والتكيُّف مع الظروف المختلفة التي قد يُواجهها، فضلاً عن أنّ النزاعات تُفسِد الأوقات العائلية التي يُفترَض أن تكون آمِنة وممتعة للطفل.
وختاماً، يُوصى الوالِدان بتجنُّب إظهار الاختلاف في طرق التربية أمام الأطفال، ومناقشتها بهدوء بعيداً عنهم، ومحاولة العمل دائماً معاً بالبحث عن قواعد واستراتيجيات تربوية ثابتة ومعقولة يقبلها كلا الطرفَين، وتُناسب التربية الصحِّية للأبناء، فضلاً عن التواصل المُنتظَم في ما يتعلَّق بالقضايا العائلية المختلفة، واتِّخاذ قرارات مشتركة لا فردية بشأنها.
المراجع
[1] positiveparenting.com, When Spouses Disagree About Parenting
[2] raisingchildren.net.au, Parents backing each other up
[3] stanfordchildrens.org, When Partners Have Different Parenting Styles
[4] mythrivepsychology.com, Different Parenting Styles Ruining Marriage?
[5] blog.heartmanity.com, Are Different Parenting Styles Ruining Your Marriage? Here's What to Do!