جار التحميل...
من هذه السلبيات:
يحوز الشريك الأكثر ثقافة وعِلماً -غالباً- الفرصةَ الكُبرى للوصول إلى الأعمال، وخاصَّة الوظائف الجيِّدة التي تنطوي على مُعدَّل أعلى من الدَّخل، بينما يُضطرَّ الشريك الأقلّ عِلماً -أحياناً- إلى العمل في وظائف مُؤقَّتة، أو بسيطة، أو تترتَّب عليها أعمال شاقَّة ومُجهِدة.
والحياة العملية التي يحصل عليها الطرف الأكثر ثقافة وتعليماً -غالباً- ما تكون أفضل، وهذا يرتبط بالمكانة الاجتماعية لكلٍّ منهما، والتي -غالباً ووفقاً للمجتمع- لا تقتصر على امتلاك المال، وإنَّما تتعلَّق أيضاً بالمنصب الوظيفي؛ إذ يتمتَّع الشريك صاحب المنصب الأعلى عادةً باحترام أكبر من قِبَل الناس، بوصفه الأكثر معرفةً وفَهماً، ومن ثَمَّ الأكثر قدرةً على الإنتاج الثقافيّ والمعرفيّ والماليّ في المجتمع.
ومن شأن هذه الفوارق أن تمنح الشخص الأكثر ثقافةً وعِلماً ثِقةً أكبر بالنفس للعيش والتفاعل مع الآخرين، بخِلاف غير المُتعلِّم الذي قد يشعر بالنَّقص؛ نتيجة نقص المعرفة، فتقِلّ ثِقته بنفسه.
وجدير بالذكر أنّ قِلَّة ثقة الشريك بنفسه وشُعوره بالنقص مُقارَنةً بالطرف الآخر، قد يُولِّد لديه -أحياناً- مشاعر الغيرة الشديدة، والشُّعور بعدم الاستحقاق، وعدم القدرة على تقديم الحُبّ والمَودَّة للشريك؛ خشية الظهور بمَظهر الضعيف، والشكّ في مشاعر الزوج ونواياه ومدى إخلاصه، والخوف من الرفض، أو الخوف من النَّقد البَنّاء، أو المواجهة، أو إبداء الرأي والتواصُل، وهو ما ينعكس سلباً على استقرار العلاقة، وسلامتها.
يتحقَّق التوافق الفكريّ بين الأزواج عندما يكون كلا الشريكَين قادراً على التواصل والتفاعل مع الآخر حول المواضيع المختلفة بانسجام، وعادةً ما يتحقَّق التوافق بين الشركاء الذين يملكون فِكراً مُتشابِهاً؛ كأن يكونوا قارِئين لكُتُب مُتَشابِهة، أو مُستَمتِعين بالأفلام الوثائقية ذاتها، أو مُهتَمِّين بالأخبار المُتعلِّقة بمُجالات معيَّنة، أو مارِّين بتجارب ثقافية مُتشابِهة.
وفي المقابل، يمكن أن يُؤدّي اختلاف المستوى الثقافيّ بين الزوجَين إلى اختلاف اهتمامات كلٍّ منهما وتفضيلاته من المواضيع، وفي هذه الحالة، لا ينظر الشريكان إلى المواضيع المطروحة؛ سواء العائلية، أو الزوجية، أو المجتمعية، بالمستوى نفسه من الأهمِّية، وما قد يبدو مُهِمّاً لأحدهما، قد يبدو سطحياً أو غير مُثير للاهتمام لدى الآخر.
فضلاً عن الاختلاف في طريقة الحِوار وأسلوبه بينهما؛ إذ يُعَدّ الشخص الأكثر ثقافة -عادةً- أكثر تمتُّعاً بالمهارات الشخصية، بما فيها مهارات التواصل، وأكثر تسامُحاً مع الآراء ووجهات النظر المختلفة.
لذا، قد يترتَّب على انعدام التوافق الفكريّ، أو ضعفه، صعوبة إنشاء مُحادَثات طويلة أو مُستمِرَّة، دون أن تنتهي بنزاع، أو دون أن تكتمل، إضافة إلى ضعف مشاعر التعاطُف، أو الاحترام، أو الفضول تجاه الشريك ووجهات نظره، وفُقدان الحماس للتواصل، وعدم اكتساب أيّ معلومات مفيدة أو جديدة من المُحادَثات.
قد يترتَّب على اختلاف المستوى الثقافيّ بين الزوجين اختلافاً في نوع القِيَم، وترتيبها حسب الأهمِّية، عند كلٍّ منهما؛ إذ يُمكن أن يُظهر الشريك الأعلى ثقافةً اهتماماً أكبر بقِيَم مُعيَّنة، مثل التعليم وما ينطوي عليه من اهتمام بالتحصيل الأكاديميّ للأبناء، والتي قد لا يُوليها الطرف الآخر الأهمية نفسها؛ ممّا قد تنتج عنه خِلافات تتعلَّق بتربية الأطفال من جهة، ونوع الأهداف والطموحات الأُسرية المراد تحقيقها، وأيُّها الأكثر أولوية من جهة أخرى.
وختاماً، يُمكن للآثار السلبية المذكورة آنفاً ألّا تكون موجودة أبداً بين زوجين يختلفان في المستوى الثقافيّ، وقد تُوجَد لكنَّهما يتعاونان معاً للحَدّ من هذا الاختلاف، وتقريب وجهات النظر، أو استخدام هذا الاختلاف لصالحهما بما يُنمّي العلاقة؛ باحترام كلٍّ منهما لآراء الآخر، وقِيَمه، ومُراعاتها.
وفي المقابل، لا يزال مُمكِناً للأزواج الذين يمتلكون المستوى الثقافيّ ذاته المُعاناة من مشكلات الثِّقة بالنفس، والتوافق الفكريّ، واختلاف القِيَم، وإن كان بمُعدَّلات أقلّ؛ لذا، فإنّ الأمر يتعلَّق بكلّ علاقة على حِدَة، ليختار الإنسان بوعي وحكمة الشريكَ الذي يراه مناسباً.