جار التحميل...
يُمكن أن يؤدي الشجار المستمر بين الزّوجين والمنطوي على الكثير من التوتّر والضغط النفسيّ بينهما إلى نقل المشاعر ذاتها للأطفال؛ مثل شعورهم بالتوتّر، والقلق، والخوف، والحزن، والألم، والتعب المزمن، والتقلّبات المزاجية الشديدة، إذ تُرافقهم هذه المشاعر سواء داخل المنزل أو خارجه، وفي بعض الحالات المتقدّمة قد يُصاب الطفل بالاكتئاب.
كما يُمكن أن ينتج التوتّر أو الضغط النفسيّ عند الطّفل جرّاء اضطراره للانحياز إلى أحد الوالدين عند الشّجار، وبالتالي اعتبار أحدهما والداً "جيداً" والآخر "سيئاً"، وقد تستمرّ هذه المشاعر السيئة والعلاقة غير الصحّية تجاه أحدهما لفترات طويلة.
يعاني الطفل من انعدام الثقة بنفسه بسبب المشاكل بين والديه؛ إذ يعتقد غالباً أنّها ناتجة عن وجوده أو أفعاله وسلوكياته غير الصّحيحة، وبالتالي قد يتحمّل مسؤولية هذه الصّراعات ويلوم نفسه على تعاسة الأسرة، وتنتابه مشاعر الذّنب أو النّدم، مما قد يُسبب تدنّي احترام الذات، ويؤثر سلباً على نظرته لنفسه في مختلف مناحي الحياة الأخرى وليس فقط في ظلّ المنزل والعائلة.
علاوةً على ذلك، فإنّ صراعات الوالدين قد تُشعر الطّفل بعدم الحبّ أو الاهتمام من قبلهما؛ وهو ما يؤثّر سلباً على احترامه لذاته نتيجة الاعتقاد بعدم استحقاقه لهذه المشاعر العاطفية.
قد تؤدي المشاكل الزوجية إلى شعور الطّفل بعدم استقرار الأسرة والتفكير بشأن الطلاق المُحتمل، أو وقت انتهاء الصّراع، أو ردود فعل أحد الوالدين تجاه سلوك أحدهم، أو بالنتيجة التي سيؤول إليها الشجار في كلّ مرّة باعتبار هذه المعارك غير متوقّعة، وقد تحمل معها أشكال إهانةٍ أو عنفٍ أو إيذاء نفسيّ أو جسديّ مختلفة؛ وهو ما يُفقده الشّعور بالأمان.
مع الإشارة إلى أنّ الثّقة والأمان العاطفيّ من أبرز الحاجات الإنسانية الأساسية؛ إذ لا يتمكن الطفل الذي يشعر بالتّهديد أو يعيش مشاعر الخوف من إدارة عواطفه الأخرى بطريقة سليمة.
مع التنويه أيضاً، إلى أنّ شعور الطفل بانعدام الأمان لا يشمل الأمان العاطفيّ فقط، بل يمتد ليشمل القلق بشأن قدرة الوالدين على توفير الاحتياجات التي يعتمد عليهما فقط في الحصول عليها؛ كالطّعام والشّراب والمأوى والملبس وغيرها.
على الرغم من أنّ العلاقات ليست دائماً مثالية، وأنّ المشكلات الزوجية والأُسرية تعد جزءاً طبيعيّاً من العلاقة الزّوجية، إلا أنّ الصّراعات المستمرّة أو المتكرّرة التي لا يتم التعامل معها قد تُكوّن في ذهن الطفل صورةً خاطئة حول معنى الزّواج والأسرة والارتباط العاطفيّ، فيعتقد بأنّ جميعها تشكل مصدراً للتوتّر والغضب والشِجار بدلاً من اعتبارها مصدراً للفرح والرّاحة والشّراكة الصحّية.
وهذا الأمر قد يؤثّر سلباً على الصحّة النفسية للأطفال، مما يجعلهم يواجهون صعوبات في تطوير مهاراتهم العاطفية تجاه أزواجهم وأبنائهم مستقبلاً، بالإضافة إلى مواجهة صعوبةٍ أيضاً في تبنّي طُرق تواصل صحّية معهم.
تنعكس المشكلات أو الاضطرابات النفسية التي تُسبّبها المشاكل الزوجية للأبناء على سلوكياتهم؛ فمثلاً يُمكن للطفل أو التصرّف بطريقة غير لائقة داخل المنزل أو خارجه أو كليهما للتعبير عن مشاعره التي لا يستطيع الإفصاح عنها أو شرحها أو مجرّد استيعابها في بعض الحالات، أو لتشتيت انتباه والديه عن الاقتتال فيما بينهما، أو كوسيلة لمعاقبتهم أو إيذائهم جرّاء الأذى النفسيّ الذي يُلحقانه به.
من جهةٍ أخرى، يُمكن للطّفل بذل مجهود إضافيّ -غير صحّيّ- لممارسة سلوكيات مثالية خالية تماماً من الخطأ ليكون ابناً مثالياً لا يُسبّب المزيد من الضغط النفسيّ لوالديه في المنزل الذي يُعاني أساساً من الضغط بسببهما.
كما قد يُواجه الطفل مشكلةً في تكوين الصّداقات في محيطه أو في المدرسة، ويُمكن أن يواجه صعوبةً في إحراز تقدمٍ أكاديميّ.
ختاماً، حتّى عندما يحاول الآباء إخفاء مشاكلهم الزّوجية، غالباً ما يتمكّن الأطفال من ملاحظة وجود خلل في الأجواء المنزلية، فالطّفل أكثر إدراكاً ممّا يعتقد والديه؛ لذا يجب الحدّ من النزاعات الزوجية، ومحاولة معالجة المشكلات بطريقةٍ صحّية، وطمأنة الأطفال دوماً عند حدوث أي شجار، فضلاً عن تقديم المزيد من الدعم العاطفيّ لهم.
المراجع
[1] news.colgate.edu, Dynamic Tension: How changes in marital conflict affect children’s mental health
[2] newinsights.ca, How to Keep Children and Teens from the Harm of Marital Conflict
[3] winstonsolicitors.co.uk, In It for the Kids: The Real Impact of Staying in an Unhappy Marriage
[4] extensionpubs.unl.edu, The Influence of Interparental Conflict on Child