جار التحميل...
تتطلَّب التربية السليمة للأبناء في المجتمع الغربي العيش في بيئة منزلية صِحِّية تسودها المَودَّة والأُلفة بين الوالِدَين، بعيداً عن ضجيج الخارج، وتحدِّياته؛ بحيث يجد الابن الراحة، والسكينة، والأمان في منزله، وبين أحضان والِدَيه اللَّذَين يُشبِعانه بالحُبّ والاهتمام، ويكونان له خير قُدوة تُعلِّمه الممارسات الصحيحة، ويمنحانه الفرصة للتأقلُم والتكيُّف، ويتقبَّلان مشاعره التي قد تكون سلبية وغير ناضجة تماماً.
تقع على عاتق الوالدين مسؤولية ترسيخ الهوية الثقافية العربية في أبنائهم؛ عبر التحدُّث معهم باللُّغة الأمّ بانتظام، وتعليمهم القراءة والكتابة بها، إلى جانب غرس الهوية الدينية فيهم؛ بتشجيعهم على ممارسة عباداتهم بثقة وأريحية، والاحتفال معهم بالأعياد والمناسبات الثقافية والدينية، وشرح أهمِّيتها لهم.
يترتَّب على الوالِدَين الحديث إلى الأبناء حول طبيعة المجتمع الغربي الذي يتعايشون معه، والذي يختلف عن مجتمعهم العربي، وعاداته، وإطلاعهم على أهمّ الصِّفات التي تُميِّزه، وأبرز الأمور الثقافية المُهِمَّة والتغييرات التي يُمكن مواجهتها عند الاندماج مع أفراد هذا المجتمع؛ كي يتمكَّنوا من التعايُش فيه طبيعيّاً دون معاناة صدمة ثقافية تُشعِرهم بعدم الانتماء إليه.
لا تقتصر عناية الوالِدَين بالأبناء على توفير الأساسيات التي يحتاجون إليها؛ كالمنزل الآمِن، والطعام، والشراب، والملابس، وغيرها، فحسب، بل تتضمَّن أيضاً الرعاية النفسية، والتواصل الودّي والهادف، والاستماع إليهم، وتركهم يُفصِحون عمّا يجول في خواطرهم، ومناقشة المشكلات والأمور الحياتية التي تستعصي عليهم؛ كالعلاقات الاجتماعية بالأقران، واختلاف أنماط الحياة، والبيئات المجتمعية، وغيرها، دون قلق أو تردُّد، ومساعدتهم في تخطِّيها إن لم يتمكَّنوا من ذلك وحدهم.
يطَّلِع الابن على بعض الأفكار والسلوكات الغربية في المجتمع الغربي، والتي قد لا يتماشى بعضها مع ما تعلَّمه من والِدَيه، أو اكتسبه من مجتمعه الأصلي.
وهنا، لا بُدّ من تشجيع الأبناء على التفكير الواعي والمنطقي، وتنمية حِسّ المسؤولية لديهم، ورَبطهم بالقِيَم الراسخة التي نشأوا عليها، وبالمعلومات الثقافية التي سبق لهم الاطِّلاع عليها من خلال والِدَيهم، ثمّ تقييم هذه السلوكات والأفكار، واتِّباعها إن كانت صائبة ومفيدة، وتجنُّبها إن كانت خاطئة أو ضارَّة، مع ضرورة طلب نصيحة الوالِدَين عند الحاجة.
يحتاج الأبناء إلى توجيه والديهم المُستمِرّ إلى أن يُصبحوا أكثر اتِّزاناً، وأكثر مسؤولية عن أنفسهم وقرارتهم، بالإضافة إلى متابعة المناهج الدراسية والعلوم التي يتلقَّونها، ولا ننسى أهمِّية الاطِّلاع على علاقاتهم الشخصية بأقرانهم، والانتباه إلى أيّ سلوكات قد تنعكس سلباً عليهم وتُدخلهم في مشكلات خطيرة، أو تجعلهم عرضة للتفرقة العُنصرية، وخاصَّة عند وجودهم في أماكن لا تُناسِبهم.
يترتَّب على الأهل بناء الثقة بالنفس لدى أبنائهم، وتنمية قدراتهم على حلّ المشكلات، وتعزيز احترامهم لذواتهم، والانتماء إلى هويّاتهم الخاصّة، وللأصول والحضارة التي ينحِدرون منها؛ كي يُصبحوا أقوى، ويتمكَّنوا من اتِّخاذ القرارات، وممارسة السلوكات التي يرونها صحيحة دون خوف من أن يكونوا منبوذين من قِبَل أقرانهم أو أفراد مجتمعهم، وخاصَّة عند الاختلاف مع عاداتهم وثقافاتهم الغربية.
ينبغي على الوالدين تحديد السلوكات الخاطئة والضارَّة التي يُمنَع تجاوُزها من قِبَل الأبناء قطعيّاً وبحَزم، مع ضرورة توضيح أضرارها، وأسباب منعها، إضافة إلى تحديد العقوبات عند مخالفتها، والالتزام بتنفيذ العقوبة بحَزم، وأبسط مثال على ذلك منع الابن المُراهِق من التأخُّر في العودة إلى المنزل بعد ساعة مُعيَّنة، فإن تأخَّر، فإنَّه سيُمنَع من الخروج ثلاثة أيّام -مثلاً-، وغيرها من العقوبات؛ تبعاً لطبيعة السلوك، ومدى تأثيره وضرره على الابن، أو أفراد أسرته.
يتأثَّر الأبناء كثيراً بالقِيَم الأخلاقية التي نشأوا عليها منذ الصِّغر؛ ممّا يُظهِر الحاجة إلى تربيتهم على تقوى الله، واستشعار وجوده دائماً، وتعزيز الوازع الديني الذي سيُوجِّه الابن، ويَرُدّه عن طريق الضلال، ويُثبِّته أمام المُغرَيات التي قد تُواجِهه في المجتمع الغربي، ولا بُدّ من الرِّفق واللِّين في ذلك، مع استخدام الشِّدَّة إن استدعت الحاجة إليها.
ويُنصَح بتعليم الأبناء الدُّروس الدينية والأخلاقية التي تحثَّ على الأخلاق الحميدة، وتنهى عن المُنكَرات، والاستماع لها برفقة الوالِدَين، واختيار الرِّفاق الصالحين للأبناء، وخاصَّة أولئك الذين ينتمون إلى البيئة والمجتمع الأصليّ نفسه.
المراجع
[1] childandfamilyblog.com, East and West may be reshaping each other’s parenting
[2] faith.consulting, Raising Muslim Children In Western Society
[3] mcpress.mayoclinic.org, The 4 types of parenting styles: What style is right for you?
[4] tuw.edu, Parenting Around the World: Child-Rearing Practices in Different Cultures
[5] faith.consulting, Raising Muslim Children In Western Society