جار التحميل...
وغالباً ما يكون بكاء الطفل المُفرِط دليلاً على حاجته إلى شيء مُعيَّن، ومهما كان هذا البكاء مزعجاً وتافهاً للوالِدَين، إلّا أنّه قد يكون طريقة مشروعة للتعبير عمّا يشعر به، لذا ينبغي التعامل معه بطريقة صحيحة وسليمة بعيداً عن محاولة إسكاته، ممّا يساعد على تعلُّمه -مع مرور الوقت- كيفية التعبير عن حاجاته على نحو صحّي، ولتحقيق ذلك، لا بُدَّ من تجربة النصائح والاستراتيجيات الآتية:
يبدأ الطفل بنوبة البكاء مُترقِّباً رُدود أفعال والِدَيه؛ فهو قادر على قراءة مشاعرهم؛ لمعرفة ما إذا كان الموقف يستحِقّ التوتُّر، أم لا، ولكي يُوجِّه مسار بكائه بعد ذلك؛ فمثلاً عند الذهاب إلى البقالة، قد يُلقي الطفل بنفسه على الأرض، ويبدأ في البكاء محاولاً الضغط على والِدَيه لشراء حلواه المُفضَّلة، ويجدر التنويه إلى أنّ ما يُبديه الوالِدان في هذه الأثناء يُعَدّ أمراً مهمّاً من شأنه أن يؤثّر في السلوك التالي للطفل، لذا لا بُدّ من المحافظة على الهدوء التامّ؛ حتى يتعلَّم الطفل الاستجابة الصحيحة للمشاعر السلبية التي تنتابه في هذه الحالة.
ورغم صعوبة المحافظة على الهدوء في مثل هذه الحالات، إلّا أنّ الابتعاد قليلاً لمُدَّة لا تزيد عن 10-15 دقيقة، والتنفُّس بعُمق قبل التحدُّث مع الطفل، يجعل الوالِدين أكثر استعداداً لمساعدته، والتقليل من حِدَّة انفعاله على نحو أفضل، مع الانتباه إلى ضرورة وضعه في السرير، أو في مكان آمِن إن كان صغيراً، أمّا إن كان أكبر سِنّاً، فمن المناسب أن يبقى في غرفته، أو يخرج أحد الوالِدَين من المنزل لاستنشاق بعض الهواء النقيّ.
تساعد معرفة الأسباب الحقيقية لبكاء الطفل على تفهُّم الوالِدَين أكثر لمشاعره، وإيجاد الحلول المناسبة لها؛ فقد يكون بكاؤه ناتجاً عن التغيُّرات الكبيرة في حياته اليومية؛ كالانتقال إلى منزل جديد، أو قد يكون ناتجاً عن الشعور بالتعب والإرهاق، أو حتى الجوع، أو الشعور بالإحباط لعدم حصوله على ما يُريد.
وفي بعض الأحيان، يحتاج الطفل إلى المزيد من الاهتمام؛ فيحاول لفت انتباه من حوله بنوبة البكاء، بالإضافة إلى أنّ فرط التحفيز؛ كالتعرُّض لكثير من الضوضاء والمُؤثِّرات البصرية حوله، غالباً ما يكون عاملاً أساسياً في البكاء، لا سِيَّما عند الأطفال الرُّضَّع.
لا تقِلّ مشاعر الأطفال أهمية عن مشاعر الكبار؛ فالطفل في حاجة إلى الشعور بأنّ مشاعره مفهومة ومهمّة لدى والِدَيه، ولتحقيق ذلك، ينبغي سؤاله عمّا يجعله حزيناً وباكياً على هذا النحو؛ فهذه الطريقة تُعَدّ تأكيداً صريحاً على أنّ الوالِدَين يقفان إلى جانبه لمُساعدته في التغلُّب على ما يُعانيه في هذه اللحظة، ممّا يُعزِّز العلاقة بينهم على نحو أكبر.
وغالباً ما يكون الطفل غير قادر على التعبير عن مشاعره بصورة صحيحة؛ فوفقاً لدراسة بحثية نُشِرت سنة 2021 في موقع سبرينجر لينك (SpringerLink) المُتخصِّص في نشر البحوث والكتب الأكاديمية، فإنّ عملية تعلُّم الطفل المفردات اللازمة للتعبير العاطفي عملية مُستمِرّة طوال مدَّة نُمُوّه، وكلّما زاد عمره، زادت خزينة كلماته العاطفية، لذا قد يكون من المناسب طرح بعض العبارات عليه، للتأكُّد ممّا يشعر به؛ فهذا يساعده على نحو خاصّ في التعرُّف إلى عواطفه وتنظيمها فيما بعد، ممّا يُقلِّل نوبات البكاء في المرّات المقبلة.
وفي الوقت ذاته، لا بُدّ من عدم الاستهانة بمشاعر الطفل، وإنّما إبداء التفهُّم والتعاطف، وتجنُّب استخدام بعض العبارات، مثل: "توقَّف عن البكاء حالاً"، أو "الأطفال فقط هم من يبكون"، التي يفهمها على أنّها محاولة لإسكاته فقط دون الاكتراث بعواطفه واحتياجاته، ومخاطبته بعبارات تُوضِّح مدى الاستعداد للمساعدة، أو سماع ما يُريد قوله، ويُشار إلى أنّه من المناسب في بعض الأحيان عدم قول أيّ شيء، وإنّما الاكتفاء بتوفير مساحة كافية له؛ لتفريغ مشاعره، مع الحرص على الوجود إلى جانبه واحتضانه؛ ليشعر بالراحة.
بعد معرفة سبب بكاء الطفل وتحديده، تبدأ رحلة البحث عن الحلول، ولأنَّه من الصعب في البداية تحديد ذلك على نحو منفرد، فإنّ دور الوالِدَين في تريبته يتمثَّل بمساعدته على إيجاد ما يُقلِّل حزنه، وبالتالي شعوره بالسعادة من جديد، ومع مرور الوقت، سيكون قادراً على التوصُّل إلى الحلول الخاصَّة به دون أيّ مساعدة خارجية.
فعلى سبيل المثال، إن كان يبكي لأنّه فقد لعبته المُفضَّلة، فإنّ البحث عنها برفقته غالباً ما يُوقفه عن البكاء فوراً، أو إن كان يبكي لأنّ زميله لا يريد اللعب معه، فيمكن الاقتراح عليه أن يدعو زميلاً آخر ليلعب معه، أو اختيار نشاط آخر كقراءة قصّة معاً.
قد يكون التعرُّف إلى سبب بكاء الطفل وعصبيّته في بعض الأحيان أمراً صعباً، وعندها يُعَدّ تشتيت انتباهه عن البكاء طريقة فعّالة للغاية؛ إذ إنّ تغيُّر الموقف الذي يعيشه يساعده على تجاوز ما يُسبِّب له الإحباط، وبالتالي تهدئته، وبعد أن يهدأ، يُمكن التحدُّث معه عمّا سبَّب له تلك المشاعر؛ فغالباً ما سيتمكَّن من الشرح على نحو أفضل عندما لا يكون متوتِّراً.
ومن الأفكار الجيِّدة لتشتيت الانتباه الخروج في نزهة صغيرة إلى الحديقة، وتركه يلعب مع الأطفال الآخرين، أو ممارسة لعبة أو نشاط مثير لاهتمامه، أو العدّ لغاية 10 بصوت عالٍ، فهذا يساعده على نسيان الأمر الأساسي فوراً.
وختاماً، قد يكون عدم استجابة الطفل لكثير من استراتيجيات التهدئة ومحاولات إيقاف نوبات البكاء لديه -رغم تمتُّعه بصحّة جسدية جيّدة- مُؤشّراً للحاجة إلى استشارة طبيب مُتخصِّص، لا سِيَّما إن كان هذا البكاء غير مُبرَّر، أو مستمِرّاً لأوقات طويلة، أو مترافقاً مع سلوكات مُعيَّنة، مثل: الاهتزاز، والرغبة المُلِحَّة في تحريك الجسد.
المراجع
[1] happinessishereblog, 10 Things to Say Instead of ‘Stop Crying’
[2] parents, Does Your Child Seem To Cry Over Every Little Thing? Here's How To Help Them
[3] caribu, 6 Ways You Can Help Crying Children Calm Down
[4] healthline, Why Is My Kid Crying (Again) and What Can I Do About It?
[5] gov.wales, Understanding and Soothing a Crying Toddler