جار التحميل...
وهذا يُؤكِّد حقيقةً مفادها أنَّ فهم الثقافة المالية لا يعني بالضرورة الحاجة إلى أن يكون الشخص خبيراً اقتصادياً، فما المقصود بها؟ وما أهم العناصر والمبادئ المرتبطة بها؟
يمكن تعريف الثقافة المالية " Financial literacy" عموماً بأنَّها معرفة كيفية التعامل مع المال على المستوى الشخصي، وإدارته بحكمة وكفاءة، وهو أمر غير مُقتصر على خبراء الاقتصاد وحسب؛ فالفهم الصحيح لأساسيات الثقافة المالية يعني بالطبع القدرة على التحكُّم في المُخطَّطات التي تتعلَّق بالمصروفات والمُدَّخرات بأفضل الوسائل المُمكِنة، ممّا ينعكس إيجاباً على الحياة، ويُحسِّن اتِّخاذ القرارات الصائبة بشأن كافَّة الأمور المالية.
معرفة أساسيات الثقافة المالية مهمّة لكلّ شخص بغضّ النظر عن عمره، وعن مُستَواه العلمي أو المهني، حتى بالنسبة إلى طلاب المدارس، سيسهم الفهم المُبكِّر لهذه الأساسيات في تحسين الجانب المالي في حياتهم بإيجابية، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
القدرة على تحصيل المال، ومعرفة طرق اكتسابه، وبدء طريق بناء الثروة -بالطرق المشروعة طبعاً-، من أهمّ المبادئ التي يعتمد عليها فهم الثقافة المالية؛ فهو بداية الطريق لتحقيق الاستقرار المالي، وتحقيق الأهداف والطموحات المختلفة.
لذا، يُنصَح بالتعلُّم المُستمِرّ، والحرص على اكتساب الخبرة والمهارات الجديدة التي تفتح أمام الفرد آفاقاً جديدة وفرصاً مُتنوّعة للحصول على المال، بالإضافة إلى الحرص على تعدُّد مصادر الدخل؛ بالعمل الحُرّ على سبيل المثال جنباً إلى جنب مع العمل الأساسي، أو حتى أثناء الدراسة، أو ببدء مشروع خاصٍّ، أو بإعطاء دروس خاصَّة في مجال مُعيَّن.
وذلك كلّه يستدعي وضع خُطّة واضحة وشاملة تتضمّن تحديد الأهداف المالية، ورسم طريق تحقيقها تبعاً لعوامل عِدَّة؛ كمقدار الدخل، والنفقات، والمُدَّخرات، وغيرها، على أن تكون هذه الأهداف واقعية، وقابلة للتحقيق والقياس؛ أي إمكانيّة متابعة التقدُّم نحو تحقيقها.
إلى جانب الإدارة الجيِّدة للنفقات، لا بُدّ أن تتضمَّن الخطة المالية التي يضعها الفرد لنفسه ادِّخار جزء من المال وفق استراتيجية مُعيَّنة تبعاً للظروف الشخصية، أو استثماره ضمن خيارات الاستثمار المتنوّعة، والتعرُّف إلى تفاصيلها أكثر؛ لمعرفة الأفضل بينها؛ كالأسهم، أو العقارات، أو السَّنَدات؛ فهذا جزء مهمّ تستند إليه الثقافة المالية؛ إذ يساعد إلى جانب كسب المال على تحقيق الأهداف قصيرة المدى وطويلة المدى.
إلى جانب الادِّخار العادي، واستثمار المال لتنميته، ينبغي تخصيص مبلغٍ ماليٍّ للطوارئ دائماً؛ إذ يمكن أن يكون هذا هو الحلّ الوحيد في بعض المواقف التي تتطلّب دفعة مستعجلة من المال؛ كالتعرُّض لأزمة مالية، أو لخسارة مفاجئة في مشروع تجاريّ، ممّا يعني الحاجة إلى المال؛ لتغطية التكاليف المُترتِّبة على ذلك.
تُؤدّي عادات الإنفاق دوراً مهمّاً في فهم الثقافة المالية؛ إذ ينبغي الانتباه جيّداً إلى طريقة الإنفاق، والتأكُّد من توجيهها نحو الوجهة الصحيحة، ويتضمَّن ذلك التمييز بين الاحتياجات والرغبات؛ فقبل شراء سِلعة مُعيَّنة، لا بُدّ من تقييم ما إذا كانت هناك حاجة حقيقية إليها، أم أنّها مُجرَّد رغبة عابرة، بالإضافة إلى تتبُّع النفقات على الدوام؛ لإجراء التعديلات اللازمة عند ملاحظة أيّ خلل فيها.
تُعَدّ الثقافة المالية أحد المُتطلَّبات اللازمة للعديد من الممارسات اليومية الصحيحة؛ ومنها تحديد الميزانية بذكاء، أو حساب الديون وقيمة الادِّخار، وهذا لا يعني الحاجة إلى أن يكون الجميع خبراء اقتصاديين، بل هي مهارة أساسية يمكن تعلُّمها والبدء بتطبيقها بسهولة في أيّ وقت؛ بغرض تحقيق الأهداف التالية:
يسعى الجميع إلى تحقيق درجة من الاكتفاء المالي الذاتي، وهذا لا يمكن تحقيقه بالتعامل العَبَثي مع الموارد المالية، بل يجب أن يكون كلُّ شيء مدروساً، وبكلمات أخرى، لا بُدّ من أن يمتلك الجميع بعض الأساسيات؛ للوصول في النهاية إلى درجة مُعيَّنة من الأمان والرفاهية المرغوبَين في المستقبل.
والتفكير في الحصول على مردود مالي في المراحل المُتقدِّمة من العمر أمر يشغل الجميع؛ بهدف تأمين مستقبلهم، ومن هنا كان التخطيط لهذه المرحلة ضرورةً؛ لتجنُّب الإفلاس على المدى البعيد؛ بالتحكُّم في الميزانية والسيطرة عليها بطريقة تضمن توفير ما يكفي من دَخل لاحقاً.
فعلى سبيل المثال، قد يفقد مُوظَّف عمله لسبب أو لآخر بصورة لم يكن يتوقَّعها، فإن لم تكن لديه خُطَّة لمثل هذه المواقف الطارئة بالادِّخار المُنتظَم سابقاً، فإنّ ذلك سيُؤثّر سلباً في وضعه الاقتصادي بصورة كبيرة، لذا عليه أن يكون واعياً بالثقافة المالية، ومُلِمّاً بأساسيّاتها؛ لتجنُّب مواقف كهذه.
يُعاني عدد كبير من الناس من أخطاء تُهدِّد استقرارهم على المدى البعيد؛ بسبب سوء فهمهم لبعض أساسيات الثقافة الماليّة، فيُدخلون أنفسهم في متاهات القروض دون معرفة مُسبَقة بتفاصيل الفوائد المُترتِّبة عليها، ممّا يُؤثّر في قدرتهم على التحكُّم في مواردهم المالية لاحقاً.
ومن العواقب التي ينطوي عليها عدم امتلاك ثقافة مالية كافية، تحميل الفرد نفسه أعباء ليس باستطاعته تحمُّلها، ومن صُور ذلك اقتراض مبالغ مالية لا يُمكن سدادها، مع عدم ادِّخار ما يمكن أن يساعد في ذلك أيضاً، أو المجازفة بالاستثمار عبر طرق غير آمِنة، ممّا يعني إضاعة رأس المال والإفلاس دون الحصول على نتائج مُرضية.
وختاماً، على الجميع إدراك أهمية الإدارة المالية في الحياة اليومية بأسلوب صحيح يستند إلى أُسُس سليمة، بغضّ النظر عن طبيعة العمل، أو مدى المعرفة في عالم الاقتصاد؛ فامتلاك الثقافة المالية في وقت مُبكِّر من أسباب الأمان الاقتصادي على المستوى الشخصي للأفراد، ويتحقَّق هذا بالقدرة أوّلاً على إعداد ميزانية مُنظَّمة، ممّا يجعل الحياة الحالية أكثر راحة واستقراراً، كما يسهم في جعل القرارات المستقبلية أكثر اتِّزاناً.
ولا بُدّ أيضاً من العودة إلى المصادر الدقيقة الخاصَّة بالأمور المالية، والبحث في تفاصيلها؛ لتحسين الثقافة المالية، ومن ذلك استشارة ذوي الاختصاص؛ لمُناقشة بعض المعلومات العامّة التي قد تحتاج إلى توضيح، كما يمكن المشاركة في بعض الدورات التثقيفية المُتخصِّصة بالموضوعات المالية، إضافةً إلى قراءة الكُتُب ذات الصِّلة، أو الاستماع إلى برامج البودكاست التي تتناول مثل هذه المفاهيم.
[1] annuity.org, Financial Literacy: The 5 Principles Explained
[2] investopedia.com, Financial Literacy: What It Is, and Why It Is So Important
[3] getevolved.com, 5 Principles of Financial Literacy
[4] stash.com, The 5 Principles of Financial Literacy
[5] empeople.com, Why Financial Literacy is Important for Everyone