جار التحميل...
تُمثِّل إدارة الأزمات "Crisis management" منهجية شاملة للتعامل مع الأحداث الاستثنائية التي قد تُهدِّد استقرار المؤسسات أو المجتمعات، وتتضمّن سلسلة من الإجراءات المتكاملة التي تبدأ بالاستعداد المُسبَق، مروراً بالاستجابة الفورية، ووصولاً إلى مرحلة التعافي والعودة إلى الوضع الطبيعي، وتهدف هذه العملية إلى تقليل الأضرار المادّية والمعنوية، وحماية مصالح الأطراف المَعنيّة جميعها، بما فيها المؤسسة، وأصحاب المصلحة، والجمهور العام.
تتعدَّد الأزمات التي قد تعصف بالمؤسسات والمجتمعات، وتتباين في طبيعتها وتأثيرها؛ وفقاً للقطاعات المختلفة، والظروف المحيطة، ويُعَدّ فهم المنظمات لمختلف أنواع الأزمات المحتملة أمراً حيوياً؛ لتطوير استراتيجيات إدارة فاعلة ومتكاملة، وفي ما يأتي بعض الأنواع الرئيسة:
تتمثَّل الكوارث الطبيعية بالأحداث البيئية المُدمِّرة؛ كالزلازل، والأعاصير، والفيضانات، والحرائق الضخمة، والتي تتسبَّب غالباً في خسائر فادحة، وتعطيل سَير الأعمال؛ لذا، تستدعي هذه الأزمات تدخُّلاً سريعاً، وخُطَط إنقاذ وتَعافٍ شاملة لحماية الأرواح والممتلكات الثمينة، فضلاً عن استئناف النشاطات الاقتصادية بأسرع وقت ممكن.
تلعب التكنولوجيا دور محوري في المؤسسات الحديثة؛ إذ يمكن أن يُؤدّي أيّ خلل بسيط إلى تعطيل العمليات جميعها، وقد تنشأ الأزمات التكنولوجية عَرَضياً، أو نتيجة أعمال تخريبية مُتعمَّدة؛ كالهجمات الإلكترونية، وعمليات السرقة، وهجمات الفيروسات؛ ممّا يتطلَّب استعداداً دقيقاً، وخُطَط استجابة سريعة من قِبَل المؤسسات.
ويشمل ذلك تطوير أنظمة أمان قوية، وتدريب الموظفين على مواجهة التهديدات، وإجراء تقييمات دورية للمخاطر، وتحديث بروتوكولات الحماية باستمرار، ويُعَدّ كلٌّ من التعاون مع خبراء الأمن الإلكتروني، والاستثمار في التقنيات المُتطوِّرة وسيلة فاعلة للحَدّ من تأثير الكوارث التكنولوجية في سَير الأعمال.
تُمثِّل أزمات الصحّة العامّة؛ كالأوبئة، وتفشّي الأمراض، تحدّيات كبيرة تتطلَّب من المؤسسات تنفيذ تدابير مُتنوِّعة؛ لضمان صِحّة العاملين لديها ورفاهيتهم، مع الحفاظ على العمليات الأساسية وضمان استمرارية الأعمال خلال هذه الأزمات، وتشمل هذه التدابير: وضع خُطط للتعامل مع الأوبئة، وتطبيق سياسات العمل عن بُعد، وتنفيذ بروتوكولات السلامة للموظفين، وإعداد خُطط اتِّصال فاعلة.
تُشكِّل أزمات تضارُب المصالح تحدّياً كبيراً للمؤسسات؛ لتعقيدها، وارتباطها بعوامل متشابكة، ولطبيعتها المُتغيِّرة؛ ممّا يتطلّب المرونة والحكمة في اتِّخاذ القرارات، ومن أبرز أشكال هذه الأزمات: انتشار الشائعات التي تُهدِّد سُمعة المؤسسات، والتلاعُب بالمُنتَجات من قِبَل المُنافِسين؛ لتشويه صورة الشركة، واستقطاب الكفاءات الرئيسة في ظلّ المنافسة الشديدة.
ويتطلَّب التعامل مع هذه الأزمات جهوداً مُكثَّفة في مجال العلاقات العامّة، وإجراءات سريعة؛ لاستعادة ثقة المستهلكين، وحنكة في إدارة العلاقات وحماية مصالح المؤسسة على المدى الطويل.
تُشكِّل الأزمات المالية تحدّياً كبيراً للمؤسسات؛ فهي تنشأ من عوامل عِدَّة، بما فيها التراجُع الاقتصادي، وتقلُّبات الأسواق، أو سوء الإدارة المالية الداخلية، وتُهدِّد هذه الأزمات استقرار المُنظَّمة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية؛ ممّا يتطلَّب استجابة سريعة وفاعلة؛ لضمان استمرارية الأعمال.
وتتطلَّب إدارة الأزمات المالية مجموعة من الإجراءات الاستراتيجية؛ إذ تحتاج المؤسسات إلى تنفيذ خُطط طوارئ مالية مدروسة بعناية، وقد تشمل إعادة هيكلة الديون، أو تقليص النفقات، وفي بعض الحالات، قد تلجأ إلى طلب الدعم الخارجي من مؤسسات مالية أو مُستثمِرين، ويتطلَّب ذلك شفافية في تقديم المعلومات المالية، ووضوحاً في شرح خُطط التعافي المالي.
تشمل إدارة الأزمات مجموعة من السلوكات والإجراءات للتعامل مع المواقف الحَرِجة بكفاءة، ووجود خُطّة مُحكَمة تضمن الاستجابة السريعة والمناسبة، وفي ما يأتي أهمّ العناصر الأساسية لإدارة الأزمات بفاعلية:
تتطلَّب الإدارة الفاعلة للأزمات نهجاً شاملاً يجمع بين الرَّصد المُبكِّر، والتخطيط الاستباقي؛ إذ لا بُدّ من إنشاء أنظمة مُتطوِّرة لاكتشاف إشارات الأزمات مُبكِّراً، مثلاً لتجنب أزمة الحرائق، يجب الحرص على استخدام أجهزة كشف الدخان، وتحديد نقاط التجمُّع وتجهيزها، لاستخدامها في حالات الطوارئ.
ويتعيَّن على الإدارة أيضاً تحديد المخاطر المُحتمَلة، وتطوير خُطط استجابة مُفصَّلة لمجموعة مُتنوِّعة من السيناريوهات المُتوقَّعة، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ كلّ أزمة قد تتطلَّب نهجاً مختلفاً للتعامل معها.
ولضمان الاستعداد الكامل، ينبغي تدريب المُوظَّفين بانتظام على كيفية التصرُّف في مختلف المواقف الطارئة والأزمات، وتعيين مدير أزمات مُؤهَّل لقيادة جهود الاستجابة وتنسيقها بفاعلية عند وقوع الأزمة، وهذا النهج الشامل يساعد المؤسسات في مواجهة التحدِّيات غير المُتوقَّعة، وتقليل آثارها السلبية.
يُعَدّ التواصل الواضح والسريع أمراً ضرورياً خلال الأزمات، ويشمل ذلك إبلاغ المَعنيّين بالتطوُّرات الحالية، ومشاركة معلومات السلامة، ولا بُدّ أيضاً من إعداد قائمة تتضمَّن معلومات الاتِّصال بالأشخاص المسؤولين عن إدارة الأزمة، وضمان سهولة وصول الأطراف المَعنيّة جميعها إليها.
يتطلَّب التعامل مع الأزمات اتِّخاذ قرارات سريعة وحاسمة، وفي كثير من الأحيان، يتعيَّن على المسؤولين اتِّخاذ هذه القرارات دون توفُّر المعلومات اللازمة جميعها؛ ممّا يعني أنّ على مُديري الأزمات أن يتمتَّعوا بالقدرة على العمل تحت الضغط، إلى جانب المرونة للتكيُّف مع الظروف المُتغيِّرة.
ينبغي تشكيل فريق لإدارة الأزمات، بحيث يكون مُتعاوناً ويضمّ مُمثِّلين عن مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك المُوظَّفين، والعُملاء، والمُورِّدين، والوكالات الحكومية، ويكون هذا الفريق تحت قيادة مدير الأزمات؛ لضمان الاستجابة السريعة والفاعلة.
لا بُدّ من إجراء تدريبات وعمليات تطبيقية باستمرار؛ لضمان جاهزية الفريق والمُعدّات، بالإضافة إلى ضرورة اختبار خُطط وإجراءات إدارة الأزمات بانتظام وتحديثها باستمرار.
على مُديري الأزمات إظهار التعاطف تجاه المُتضرِّرين، وتوفير الدَّعم والموارد اللازمة لمساعدتهم في تجاوُز الموقف.
بعد انتهاء الأزمة، ينبغي الحرص على تقييم جُهود الاستجابة؛ لتحديد نقاط القوّة والضعف، واستخدام هذه المعلومات؛ لتحسين الخُطط، وتعزيز المرونة للمستقبل.
المراجع
[1] geeksforgeeks.org, Crisis Management : Meaning, Components and Causes
[2] corporatefinanceinstitute.com, Crisis Management
[3] utimaco.com, What is Crisis Management?
[4] techtarget.com, crisis management
[5] investopedia.com, Crisis Management: Definition, How It Works, Types, and Example